ليبرمان يوضح: الوجود الإيراني في سورية غير وازن؟
روزانا رمّال
الحديث عن شن حرب «إسرائيلية» تسهم في استيضاح شكل الحلول السياسية واحتساب النقاط من منطلق ضرورة إيجاد مخرج للحضور الإيراني على الحدود السورية في الجنوب السوري، هو حديث مستمر بالأروقة السياسية الدولية على أساس أن الأوضاع التي تعيشها تلك المنطقة تقلق «الإسرائيليين» وقد أدت الأحداث المتسارعة منذ اندلاع الازمة الى تفاقم المشهد بالحساب «الإسرائيلي» وارتفاع منسوب الحذر، اضافة الى تواتر الزيارات «الإسرائيلية» الى روسيا حتى وصلت حدّ خمس زيارات في سنة واحدة لكبار المسؤولين «الإسرائيليين»، بينهم زيارة للرئيس رؤوفين ريفلين وزيارات أخرى لرئيس الوزراء بن يمين نتنياهو من أجل إيجاد مخرج مطمئن يضمن عدم وجود أي عسكري إيراني على الحدود.
روسيا التي لم تبد انزعاجاً من الحضور الإيراني او حضور حزب الله على الحدود، على اعتبار ان هذا الوجود مشروع بناء على موافقة الدولة السورية، كما هو الحال، بما يتعلق بوجود قواعدها على الارض السورية لم تبدِ أيضاً أي موقف أو تتدخّل بمسألة الصراع الدائر بين حزب الله و«إسرائيل» وبقيت مسألة استهداف «إسرائيل» لقوافل او مستودعات سلاح لحزب الله مستمرة حتى بوجود السلاح الروسي القادر على الردع. وهو ما يعني أن أكثر ما يمكن لروسيا تقديمه بهذا الإطار كان التالي: عدم التدخل بشكل الصراع بين إيران وحزب الله و«إسرائيل» من دون أن تعد بالضغوط على القيادة السورية من أجل إخراج إيران عن الحدود.
مسألة إثبات الوجود الإيراني أخذت حيزاً «إسرائيلياً» واسعاً من المساعي الدولية، وعمدت «إسرائيل» الى تقديم إثباتات على وجود هذه العناصر من اجل عرقلة التوقيع النووي الإيراني مع الغرب ومن أجل إقناع الدول بأخطار تشريع الملف النووي على الامن الحيوي «الإسرائيلي». فكانت التقارير التي تتحدث عن الحضور العسكري الإيراني وعدد العناصر والسلاح الموجود على الحدود، اضافة للترسانة الصاروخية التي زودت بها إيران حزب الله تتواتر على المؤسسات العسكرية والاستخبارية الغربية، حتى صارت مسألة العمل على شن ضربة «إسرائيلية» على إيران أمراً مطروحاً وجدياً يتطلّب الدعم الأميركي، لكن الرئيس باراك اوباما الذي قارب على اختتام عهده قبل التوقيع النووي الغربي مع إيران اراد على ما يبدو عدم اختتام عهده بحرب غير محسوبة، فصار الرهان على الرئيس الحالي دونالد ترامب هو المأمول «إسرائيلياً.
يلفت اليوم ان وزير الخارجية الأميركية السابق جون كيري يخرج بتصريح يقول فيه إن الحرب على إيران كانت جدية، وإن هناك دولاً عربية وإقليمية حثت على ذلك، بينها السعودية ومصر و«إسرائيل»، عندما كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بين 2009 و2013 ، وإنه قد اجتمع كل من الملك السعودي الملك عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك آنذاك ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ، وجميعهم ضغطوا، وخاصة نتنياهو، على واشنطن من أجل القيام بعمل عسكري ضد إيران.
«إسرائيل» التي أرادت توثيق الحضور الإيراني في وقت من الاوقات استهدفت موكباً وازناً في كانون الثاني 2015 اغتالت فيه جهاد مغنية ابن القيادي في حزب الله عماد مغنية الذي استهدف ايضاً في سورية عام 2008 وكان في الموكب نفسه جنرال إيراني اعترفت إيران باستهدافه أيضاً اضافة الى عناصر آخرين وعناصر من حزب الله. وهذا كان بمثابة تأكيد واضح على الوجود الإيراني على الحدود مع «إسرائيل» في سورية، وصارت حجة إسرائيل بهذا الإطار ومخاوفها مشروعة بالنسبة للغرب.
وبهذا الاطار تصاعد الحديث الصيف الماضي حول ضرورة أن تنسحب القوات الأجنبية عن الارض السورية. وكانت لتركيا تصريحات تصعيدية بهذا الاطار على لسان بن علي يلدرم ورجب طيب اردوغان حول ضرورة انسحاب المجموعات المسلحة، وكان المقصود حزب الله والإيرانيين. ليأتي الرد الإيراني حاسماً بهذا الإطار بجواب مفاده ان الوجود الإيراني موجود بموافقة الدولة السورية.
وعلى هذا الاساس صارت مسألة الحرب «الإسرائيلية» على إيران او حزب الله في سورية اقرب الى الواقع قبل إغلاق الملف السوري. فإنهاء الملف بدون حل شامل يوضح شكل القوى الموزعة على الحدود هو أمر مستبعَد، لكن كلام وزير الدفاع «الإسرائيلي» أفيغدور ليبرمان أمس، كان لافتاً لجهة ما يمكن تصنيفه تراجعاً او تهرباً من مبدأ شن حرب على إيران، او بالحد الادنى تخفيف من أخطار التواجد الإيراني في سورية لصالح حصره بالحدود مع جرعة تخفيفية أيضاً، ليبرمان قال تفصيلياً إن « إيران لم تتمكّن بعد من تثبيت وجود عسكري لها في سورية»، وأن «مهمة إسرائيل تتمثل في منع إيران من الوجود قرب الحدود الإسرائيلية». وأوضح ليبرمان أنهم «ليسوا موجودين في سورية، خلافا لكل ما يُقال في هذا الصدد اي انه اراد نفي كل المساعي «الإسرائيلية» والتحذيرات والتحشيد الذي بذلته تل أبيب لإثبات العكس ويختم ليبرمان بالجزء الأهم: «هناك مجموعة من الخبراء والمستشارين الإيرانيين وإلى ما هنالك فقط»، وان «إيران كانت تسعى لإقامة موانئ بحرية لها ومطارات وقواعد عسكرية في سورية إلى جانب الروسية، ولكنهم لم يتمكّنوا من ذلك».
بالمحصلة وعندما يخرج كلام عن وزير دفاع «إسرائيل» بهذا الحجم حيال إيران، فإن هذا يعني ان التأقلم «الإسرائيلي» مع الامر الواقع صار أوضح وان فكرة إمكانية فشل التصادم العسكري في سورية مع إيران من أجل إخراجها منها قد لا تكون منتجة وأن الضغط على روسيا للتخلي عن مصالح حلفائها في سورية لم يفلح وأي تساؤل من قبل الرأي العام «الإسرائيلي» تكفل هذا الموقف بتوضيحه.