وقاحة الجبير: تطاول على رئيس الجمهورية وتدخّل في شؤون لبنان… فهل يردّ الحريري؟ الانتخابات في 6 أيار… وتظاهرات للقدس… والسفير الفلسطيني لـ «البناء»: للبنان دينٌ علينا
كتب المحرّر السياسي
ترجمت فلسطين التاريخية يوم غضبها بالتظاهرات والمواجهات، التي عمّت المدن والبلدات وتركزت أهمّها في القدس وحولها، وسقط الشهداء والجرحى، خصوصاً في شرق غزة وقرب بيت لحم والبيرة، وتحدّثت القيادات الميدانية الفلسطينية عن تحضيرات متواصلة لتنظيم مشاركات أوسع تشمل المناطق المحتلة العام 48، تمهيداً للانتفاضة الثالثة التي صارت خياراً فلسطينياً جامعاً مع اتضاح السقف المنخفض للنظامين العربي والإسلامي، الذي يتفادى كلّ تصعيد يزعج الأميركيين ويعزل «الإسرائيليين»، من نوع قطع العلاقات«إسرائيل» وسحب الاعتراف بها، وإعلان سقوط الدور الأميركي في القضية الفلسطينية، خصوصاً مع ظهور الموقف السعودي العلني على لسان وزير الخارجية عادل الجبير في حواره مع قناة «فرنسا 24» يوم انعقاد القمة الإسلامية، وإعلان تمسّك الرياض بالدور الأميركي «الذي لا غنى عنه» في حلّ القضية الفلسطينية، والكشف عن مشروع مشترك للرياض وواشنطن للتسوية، وما يعنيه ضمناً من كون هذا المشروع يستثني القدس، بعد القرار الأميركي باعتبارها عاصمة موحّدة بـ«إسرائيل».
التضامن اللبناني مع القدس تجسّد بتظاهرات لبنانية فلسطينية في بيروت وصيدا، علّق في ختامها السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور لـ «البناء» بقوله إنّ الموقف اللبناني على المستويات كافة، رئاسية وحكومية وشعبية وحزبية دين على فلسطين.
لبنانياً، حدّد وزير الداخلية نهاد المشنوق يوم السادس من أيار موعداً للانتخابات النيابية، بينما انشغلت الأوساط السياسية بالكلام الذي قاله وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بحقّ رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، وتطاوله على مقام الرئاسة بلغة سوقية، تنتهك أبسط قواعد التخاطب مع رؤساء الدول، موجّهاً له الاتهامات بعرقلة عمل رئيس الحكومة سعد الحريري وخداعه، واستعماله واجهة لتغيير قانون الانتخابات النيابية، وانطلاقاً من البيان الذي صدر عن الحكومة وفيه تلازم بين مفهومَيْ السيادة والنأي بالنفس، ينتظر اللبنانيون موقف رئيس الحكومة سعد الحريري المعني أولاً بكلام الجبير الذي وصفه بضحية مؤامرة بين رئيس الجمهورية وحزب الله، فهل سيردّ؟ وهل يملك قدرة الوقوف بوجه وقاحة الجبير بالتطاول على مقام رئاسة الجمهورية، وهو شأنٌ سيادي لبناني، وما تطرَّق إليه الجبير شؤون لبنانية داخلية تبيح المعاملة بالمثل تناول أيّ مسؤول حكومي لبناني للشأن السعودي الداخلي، كما تفرض على رئيس الجمهورية ومريديه ومؤيديه والحريصين على السيادة، التصدّي لها، والردّ بما يتناسب مع وقاحة الجبير، فهل يضع الحريري ما طلبه من حرص على السيادة والنأي بالنفس، وأوّلها نأي الآخرين عن لبنان، موضع التنفيذ، ويتصرّف كما فعل يوم ظهر فيديو لشخصية وطنية عراقية على وسائل التواصل الاجتماعي؟
انتهاك سعودي لبيان النأي بالنفس…
في وقتٍ يستعيدُ لبنان عافيته بعد الأزمة التي ألمّت به جراء احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض من خلال إحياء التسوية السياسية وتكوين مظلة استقرار إقليمية ودولية مهّدت لانطلاقة مثمرة لمجلس الوزراء على الصعيد النفطي. وفي حين شكّل لبنان الرسمي والشعبي والمقاوم رأس حربة المواجهة للقرار الأميركي بشأن القدس، حاولت السعودية من جديد بث الفتنة والتحريض بين اللبنانيين لتخريب الساحة الداخلية في انتهاك واضح لبيان مجلس الوزراء الأخير حول النأي بالنفس.
فبعد كفّ يد وزير الحرب السعودي على لبنان ثامر السبهان، أطل وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير مطلقاً مواقف عن أزمة اعتقال الحريري و«التسوية المعدلة»، متهماً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله بمنع رئيس الحكومة من الحكم، في تدخلٍ سافر في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويُعدّ أيضاً خرقاً لبيان الحكومة الأخير حول النأي بالنفس، فهل سيسجّل رئيس الحكومة إدانة لهذا الخرق الواضح والفاضح ويدعو النظام السعودي الى وقف تدخله في الشأن اللبناني، كما أعلن إدانة جولة وتصريح القيادي في الحشد الشعبي العراقي قيس الخزعلي، وكما يفعل عند أي تصريح إيراني أو سوري بشأن لبنان؟
وقال الجبير في تصريح: «دعمنا الرئيس الحريري عندما كان رئيساً للوزراء، عندما شكّل أول حكومة تحت رئاسة العماد ميشال عون ودعمنا برنامجه السياسي، إلا أن كلاً من عون وحزب الله لم يسمحا له بالحكم ولم يعطياه الهامش السياسي واستخدماه كواجهة لتغيير القانون الانتخابي. من هنا قرّر الحريري الاستقالة لإحداث صدمة إيجابية»، لافتاً الى «انه عاد الى لبنان من اجل تقديم الاستقالة بشكل رسمي، لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري وعده بأن لبنان سيكون حيادياً في شأن ما يحدث في العالم العربي وبأنه سيُعطى الهامش السياسي للعمل. لذلك، نحن سننتظر ونرى. ونحن دعمنا ذلك وسنرى»، نافياً «ان تكون عودة الحريري عن استقالته شكّلت إخفاقاً للسعودية».
السعودية ستفشل مجدداً
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» تعليقاً على تصريح الجبير إن «أجواء التضامن والوحدة في لبنان حول القضية الفلسطينية والقدس أغاظت السعودية حليفة «اسرائيل» وتحاول شق الصف الوطني وضرب الاستقرار الداخلي من جديد والتشويش على الموقف الداخلي لتخفيف الضغط عن «اسرائيل» والولايات المتحدة والسعودية والإحراج الذي وقعوا فيه بعد قرار الرئيس الأميركي، خصوصاً أن لبنان ولا سيما رئيس الجمهورية كان رأس الحربة في مواجهة صفقة القرن، لكن المصادر لفتت الى أن «لبنان لن يسمح للسعودية ولا لغيرها باستباحة الساحة الداخلية، وكما فشلت في مؤامرة احتجاز الحريري لتعويض فشلها في العراق وسورية واليمن ستفشل مجدداً بوحدة وإرادة اللبنانيين والتفاهم الرئاسي القائم».
واعتبرت المصادر أن «كلام الحريري عن بقّ البحصة وبأنه سيحتفظ لنفسه بكل ما حصل في الرياض، يدحض كلام الجبير، ويؤكد أن مشكلة رئيس الحكومة مع السعودية، وليست مع الرئيس عون الذي يتمتع بعلاقة ممتازة مع رئيس الحكومة حتى الحريري نفسه يعترف بذلك، وعبر عن هذه العلاقة، كما أن حزب الله تعامل بمنتهى المسؤولية والحس الوطني إزاء الأزمة وقدّم التسهيلات كافة لردّ الروح الى التسوية». وتساءلت المصادر: لماذا يريد الجبير دق إسفين بين الحريري من جهة والرئيس عون وحزب الله من جهة ثانية؟ وأين أدعياء السيادة والاستقلال من كلام الجبير؟
وكشفت المصادر عن «ضغوطٍ سعودية على الحريري وابتزازه بأمواله وعائلته لتجنّب استهدافه حلفاء الرياض في لبنان كالقوات اللبنانية وغيرها لإعادة تجميعهم لاستهداف العهد في إطار تنشيط الجبهة الأميركية السعودية لدفع صفقة العصر الى الامام وضرب أي مقاومة لها»، وهذا ما يفسر بحسب المصادر تراجع الحريري عن «بقّ البحصة».
وأكد رئيس الجمهورية أن «لبنان نجح في تجاوز الازمة التي نتجت عن إعلان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري الاستقالة من الخارج، بفضل الوحدة الوطنية التي تجلّت بأبهى مظاهرها، ما حافظ على الاستقرار الأمني والاقتصادي والمالي، وظل رأس لبنان خلال الأزمة مرفوعاً، لاننا لم نخضع للضغط من أي جهة أتى».
لبنان مستمر في معركته الدبلوماسية
في غضون ذلك، واصل لبنان معركته الدبلوماسية ضد القرار الأميركي، فبعد مواقفه في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب والقمة الاسلامية، كرر لبنان رفضه القرار، في «المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي» الذي انعقد في المغرب، أمس لمناقشة قرار الرئيس دونالد ترامب حول القدس. وألقى النائب أميل رحمة كلمة المجلس النيابي بتكليف من رئيس المجلس نبيه بري، الذي قرّر عدم المشاركة في المؤتمر بسبب حرصه على مشاركة كل المجالس العربية من دون استثناء لا سيما سورية.
ودعا رحمة الى «رفض وإدانة القرار الاميركي، والى دعم الشعب الفلسطيني في مقاومته ونضاله المشروع للتخلص من الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس».
دبور: المواقف اللبنانية دين علينا
وفي سياق ذلك، حيّا السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور المواقف الرسمية اللبنانية وعلى رأسها الرؤساء الثلاثة ومجلسا النواب والوزراء والمرجعيات الروحية والدينية إضافة الى الشعب اللبناني وأحزابه وقواه السياسية المختلفة الذين جميعاً أصدروا مواقف مشرّفة ومتقدّمة في رفض القرار واحتضان الشعب الفلسطيني والثورة والقضية الفلسطينية»، معتبراً أن هذه المواقف دين على الفلسطينيين، علينا أن نفيها في يوم من الأيام».
وثمّن دبور في حديث لـ «البناء» «الدور المميز والطليعي الذي لعبه لبنان على الصعيد الخارجي والدبلوماسي الذي ترك أثراً كبيراً لدى القوى العربية والإقليمية والدولية الفاعلة للضغط على الادارة الاميركية للتراجع عن القرار». كما أشاد دبور بخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مؤيداً دعوته لـ«الوحدة العربية والإسلامية ووحدة الفصائل الفلسطينية وحركات المقاومة لمواجهة العدوان الاميركي الاسرائيلي الجديد»، مشيراً الى أننا على طريق إنهاء حالة الانقسام التي شهدها الشارع الفلسطيني منذ عشر سنوات، لأننا جميعاً وصلنا الى قناعة بأن الأوطان لا تتحرّر إلا بالوحدة»، ورحب بكل «دعوة لوحدة فلسطينية وتجسيدها فعلاً وواقعاً على الارض لمواجهة الخطر الداهم على القدس وإنهاء الاحتلال عن الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها 138 دولة في العالم»، وشكر دبور تظاهرة الاحزاب الوطنية والعلمانية في السفارة الاميركية في عوكر وتظاهرة الضاحية الجنوبية والمواقف التي تخللتها»، مؤكداً أن «لبنان سيبقى شريكاً لفلسطين في معركة تحرير القدس وتكريسها عاصمة لدولة فلسطين».
وعن تلويح الرئيس الفلسطيني محمود عباس بسحب اتفاق أوسلو، أوضح دبور أن «موقف عباس في القمة الاسلامية متقدّم ومتميّز لوقوفه الى جانب شعبه للوصول الى الهدف الأساس أي النصر والتحرير»، مشيراً الى أن «ما يجري في المدن الفلسطينية انتفاضة والخطوات الفلسطينية ضد إسرائيل والقرار الاميركي ستكون ككرة الثلج». وأشار دبور الى «ما ذكره الرئيس عباس بأن هناك أراضي عربية محتلة في لبنان وسورية يجب العمل على تحريرها أيضاً من الاحتلال».
المشنوق وقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة
على صعيد آخر، وفيما أعادت الحكومة ترتيب أولوياتها والاستعداد لإنجاز الاستحقاقات الداهمة، انسحب التوافق السياسي النفطي وفي ملف التعيينات على الانتخابات النيابية، حيث وقع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للبنانيين المقيمين في لبنان والمنتشرين في 40 دولة وإحالته على الامانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، على أن تجري العملية الانتخابية يوم الأحد في 6 أيار 2018 في كل لبنان. أما في دول الانتشار فستتم خلال يومين مختلفين، يوم الأحد في 22 نيسان في عدد من الدول ويوم الجمعة في 28 نيسان في دول أخرى، بالاستناد الى العطل الرسمية في هذه البلدان. ووقع المشنوق على عقد استئجار المقر الخاص لـ «هيئة الإشراف على الانتخابات»، على أن تبدأ الوزارة يوم الإثنين المقبل، وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتجهيز المقر وتأمين مختلف حاجاته التقنية واللوجستية والمكتبية.
«التيار الحر»: لن نتحالف مع «القوات»
وأشارت مصادر نيابية لـ «البناء» الى «وجود تفاهم رئاسي على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها بعد الحديث الذي أثير خلال أزمة إقالة الحريري عن تأجيلها ما يساهم في تعزيز الاستقرار السياسي وثقة الخارج بلبنان». ولفتت المصادر الى أن «الانتخابات ستجري وفقاً للآلية التقليدية بعد أن داهمنا الوقت لاعتماد الإصلاحات لا سيما البطاقة البيومترية والممغنطة»، ولفتت الى أن «التحالفات الانتخابية لم تُحسم بعد، بل كل طرف سياسي يعمل على دراسة تحالفاته بناءً على طبيعة قانون الانتخاب الجديد، وبالتالي من المبكر الحديث عن تحالفات»، غير أن مصادر التيار الوطني الحر جزمت لـ «البناء» بأن «التيار» لن يتحالف مع القوات اللبنانية، «إذا لا مصلحة له بالتحالف مع القوات في أي دائرة انتخابية باستثناء بعض الدوائر التي للحزبين تواجد مشترك فيها، وذلك للحفاظ على الاستقرار في الساحة المسيحية»، وأوضحت أنه سيكون لكلا الحزبين مرشحون في الدوائر كافة». ووصفت المصادر العلاقة مع «القوات» بعد الأزمة بـ«المستقرة والجامدة، نافية أي تواصل لرأب الصدع، ومستبعِدة انهيار التحالف بينهما».
ولفتت الى أن «القوات حاولت ابتزاز التيار في الحكومة من خلال الاعتراض على بعض الملفات واتهامات مزيفة بالفساد والصفقات، لدفع التيار للاعتراف بنصف الحصة المسيحية لها، لكن التيار لن يعطي القوات أكبر من حجمها».
وعن العلاقة مع تيار المردة، لفتت المصادر الى أن «لا سبب جوهرياً يمنع إعادة التواصل بين التيار الحر والمردة، إذ إن التيارين في خندق واحد على مستوى الخيارات الاستراتيجية وكلام رئيس المردة سليمان فرنجية رسالة إيجابية يمكن البناء عليها».