إفلاس النظام الرسمي العربي
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
بعد إعلان اليميني المتطرف دونالد ترامب وأركان إدارته المتصهينة في البيت الأبيض عن قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، وإعلامه المسبق للعديد من زعامات النظام الرسمي العربي بقراره هذا من دون أن يتخذوا أيّ خطوة عملية من شأنها أن تحول دون صدوره، أو التهديد باتخاذ خطوات عملية رادعة، من شأنها أن تشكل تهديداً جدّياً للمصالح الأميركية في المنطقتين العربية والإسلامية…
كلّ المؤشرات والدلائل والوقائع تقول بأنّ هذا النظام سائر نحو الإفلاس التامّ، كي يقف عارياً من دون ورقة توت ساترة عورته، بل هو يباهي بعريه، ويشنّ حروباً وحملات شرسة ويتخذ عقوبات، بحق كلّ من يقول في عالمنا العربي، او يتبنّى نهج المقاومة وخياره. وهذا النظام المفلس ليس فقط لم تعد قضية فلسطين والقدس قضيته الأولى، بل انتقل من مرحلة العداء مع دولة الاحتلال، إلى مرحلة إقامة علاقات سريّة معها في مختلف المجالات.
استمرّ هذا النظام المفلس في بيع جماهير شعبنا وأمتنا، الأوهام والأكاذيب، فهو طرح مبادرة عربية للسلام في آذار/ 2002 في القمّة التي عُقدت في بيروت، جوهرها قائم على انسحاب «إسرائيل» من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل تلك المناطق، بما فيها القدس، مقابل تشريع وتطبيع العلاقات مع «إسرائيل».
لكن «إسرائيل» استمرّت على استراتيجيتها، بنهب الأرض الفلسطينية وتكثيف الاستيطان فيها، ورفض إقامة دولة فلسطينية بين النهر والبحر، بل سعت إلى ضمّ مدينة القدس وممارسة تطهير عرقي بحق أبنائها الفلسطينيين، في حين كان يجري ترحيل المبادرة العربية من قمة عربية إلى أخرى، على أمل أن تقبل بها «إسرائيل» يوماً ما، حتى لو تمّ إدخال تعديلات جوهرية عليها، لكي يستمرّوا في ستر عوراتهم، التي أصبحت بائنة بكلّ تفاصيلها وعريها…
النظام الرسمي المنهار والمفلس، نستطيع القول إنه من مرحلة العدوان «الإسرائيلي» على المقاومة اللبنانية، وفي المقدّمة منها حزب الله، تموز/ 2006، سعى الى استدخال ثقافة الهزيمة و«الاستنعاج» لدى أمتنا ومعها العالم الإسلامي، والقول إنه لا طاقة لنا على محاربة «إسرائيل»، ولسان حالهم كمنهارين ومفلسين يقولون بأنّ خيار ونهج المقاومة وثقافتها، هي مدمّرة، وتجرّ على شعوبنا الويلات، ووقفوا سراً إلى جانب «إسرائيل»، على أمل أن تنجح في تدمير حزب الله والقضاء عليه، ولكن صمود الحزب الأسطوري، ومن ثم صمود المقاومة الفلسطينية في ثلاثة حروب عدوانية شنّتها «إسرائيل» على مقاومتنا وشعبنا في قطاع غزة، 2008 – 2009 و2012 و2014. هذا الصمود وعدم قدرة الاحتلال، على تحقيق نصر على المقاومة، جعل المقاومة تتصلب وتتجذّر فلسطينياً وعربياً، وفي المقابل هذا النظام الرسمي العربي، كان يزداد انهياراً وتعفّناً، ليبلغ ذروة الانهيار، مع بداية ما سُمّي بـ «ثورات» الربيع العربي، بقيام هذا النظام الرسمي بالمشاركة المباشرة في تنفيذ المخططات والمشاريع الأميركية والاستعمارية الغربية والصهيونية في المنطقة، بما يشمل تسليح وتمويل وتبني واحتضان الجماعات الإرهابية والتكفيرية، التي هدفت الى تدمير وتفكيك جغرافية أكثر من بلد عربي، في مقدّمتها سورية والعراق، والهدف ولادة سايكس – بيكو جديد، يفكك الجغرافيا العربية ويُعيد تركيبها على تخوم المذهبية والطائفية والثروات، ولم يكتف النظام الرسمي العربي المتعفّن بذلك، بل عمل على تشريع استقدام القوى الأطلسية من أجل احتلال ليبيا والسيطرة على ثرواتها.
ومع تولي ترامب سدة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية، زاد رعب وارتجاف النظام الرسمي العربي، وأصبح أكثر التصاقاً بالنظام الأميركي. هذا النظام الذي كان يبيع الأوهام للنظام الرسمي العربي بأنه سيعمل على حلّ للقضية الفلسطينية، ولكن ضمن ما يُسمّى بالإطار الإقليمي، الذي كنا على قناعة بأنه سيستخدم للضغط على القيادة الفلسطينية، للقبول بمشاريع سياسية وحلول مؤقتة، تتجاوز حلّ الدولتين، والنظام الرسمي كان يتقدّم بخطى سريعة نحو خدمة المشاريع المعادية للأمة ولحقوق شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية، حيث كانت القمة العربية – الإسلامية – الأميركية في الرياض 20 آذار الماضي، والتي ارتضى النظام الرسمي العربي أن يصطفّ خلف «إمامة» ترامب، وليواصل ضغوطه على القيادة الفلسطينية للموافقة على «صفقة القرن» الأميركية، والتي كنّا نعتقد بأنها ستكون على حساب حقوق شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني، حيث الإدارة الممسكة بالقرار الأميركي، أكثر صهيونية ومعاداة لحقوقنا الوطنية من قادة دولة الاحتلال. وفي الوقت الذي كنا نترقّب إعلان ترامب خطته المعروفة بـ «صفقة القرن»، وجدنا أنه استبق ذلك بكشف جوهر هذه الخطة، التي كانت صفعة قرن، بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، في تشريع واضح للاستيطان والاحتلال وتقويض لأسس الشرعية الدولية، ورغم هذه النقلة النوعية الأميركية والإيغال في الشراكة في العدوان المباشر على شعبنا وأمتنا، وجدنا أنّ هذا النظام الرسمي المتهالك والمتعفن استمرّ في بيع الأوهام، رغم كلّ الحقائق بأنه لم يكن في يوم من الأيام نزيهاً، والأنكى من ذلك، أنّ قادة هذا النظام الرسمي العربي المفلس، يذرفون دموع التماسيح على القضية الفلسطينية والقدس، ويرفعون عقيرتهم في شتم طهران وأنقرة، وتوجيه الاتهامات لهما بالمزايدة و«الجعجعات» الفارغة، وفي المقابل وجدنا أنهم غابوا عن مؤتمر قمة التعاون الإسلامي في أنقرة، أو شاركوا بتمثيل منخفض، وكأنهم يتعمّدون إفشال المؤتمر المخصّص لبحث قضية لا تهمّ فقط شعبنا الفلسطيني، بل عالم عربي إسلامي يناهز عدد سكانه المليارين، وبما يؤشر الى موافقتهم على القرار الأميركي ضمناً، رغم انتقاداتهم الخجولة من بيانات شجب واستنكار.
نعم النظام الرسمي العربي، وصل قمة مرحلة الإفلاس، وفقد قدرته حتى على التلطّي بورقة التوت، بعد أن فقد فاعليته في التصدي للمهام التي نشأ من أجلها…
Quds.45 gmail.com