حصاد العام 2017…
أسامة العرب
ما ميّز سنة 2017 دولياً، هو مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، وتسلّم رجل الأعمال دونالد ترامب الرئاسة الخامسة والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، حيث انكبّ ترامب على السعي لإبطال أغلبية إنجازات سلفه الديمقراطي، مهدّداً بالانسحاب من عدد من الاتفاقات الدولية كالتبادل الحرّ والمناخ والهجرة والصحة واليونسكو ومن ثم انتهى الأمر بإعلانه القدس عاصمة لـ«إسرائيل» وتهديده بقطع المساعدات المالية عن الدول التي تنتقد قراراته في الهيئات الأممية.
كما تميّز العام 2017 بإنجاز لندن في 29 آذار لآلية للخروج من الاتحاد الأوروبي بعد تسعة أشهر على إجراء استفتاء بهذا الشأن. وتميّز أيضاً بفوز الرئيس الوسطي الموالي للاتحاد الأوروبي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في 7 أيار، وتمكّنه على رأس حركته «إلى الأمام» والتي أنشئت قبل عام واحد، من إزاحة الحزبين الحاكمين الاشتراكي والجمهوري عن الإليزيه للمرة الأولى في تاريخ فرنسا الحديث.
ولاحقاً في الأوّل من تشرين الأول نظمت كاتالونيا استفتاء بشأن استقلالها، رغم منعه بقرار من القضاء الإسباني. ومن ثمّ أعلن البرلمان الكاتالوني الاستقلال من جانب واحد، فردّت مدريد بوضع الإقليم تحت وصايتها وأقالت حكومته وحلّت برلمانه قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة في الإقليم. لكن سرعان ما تأزّم الوضع مجدّداً بعد حصول الأحزاب الداعية للانفصال على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات، الأمر الذي من شأنه أن يُلحق الضرر بإسبانيا صاحبة رابع أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.
أما ألمانيا ففي وضع فريد من نوعه، فلأول مرة فاز حزب «البديل من أجل ألمانيا» المتطرّف بنسب عالية من مقاعد البرلمان، وبعد ثلاثة شهور على إجراء الانتخابات لم تحصل البلاد بعد على حكومة جديدة. ولهذا فإنّ المستشارة أنجيلا ميركل تواجه كابوساً في رأس السنة الجديدة، إذ لم يتبقّ أمامها سوى أسبوع واحد لتشكيل حكومتها. وإلا سوف تضطر إلى قيادة الحكومة بأقلية، وهو وضع جديد لم يسبق له مثيل في تاريخ ألمانيا الحديث.
الأهمّ أنّ عام 2017 شهد تعزيز وتكريس موقع روسيا كفاعل ولاعب دولي مؤثر على مسرح الأحداث في الشرق الأوسط، وحاضر في كثير من الملفات والأزمات الساخنة في المنطقة. واللافت مؤخراً أنّ الرئيس بوتين ندّد بالطابع العدائي لاستراتيجية الدفاع الأميركية، واستهجن تعزيز البنى التحتية لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة في أوروبا، متّهماً الولايات المتحدة بالتخطيط للانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية، متوسطة المدى، والتي حكمت عملية التسلّح وساعدت على إنهاء الحرب الباردة بين البلدين، في الوقت الذي يرى فيه مراقبون أنّ مصير المعاهدة بات مهَدّداً بالانهيار. فيما أشار رئيس الوفد الروسي الى مؤتمر حظر انتشار الأسلحة النووية، ميخائيل أوليانوف، أنّ الولايات المتحدة تصرّ على تشكيل منظومة الدرع الصاروخية في بولندا ورومانيا، وأنّ هذه العملية تشكل عقبة كبيرة وجدية على طريق تخفيض الأسلحة النووية، وتزعزع الاستقرار العالمي.
وشهد العام 2017 ارتفاع مخاوف الصين من برنامج الدرع الصاروخي الأميركي «ثاد»، الذي تتمّ حالياً إقامته في كوريا الجنوبية، عقب قيام كوريا الشمالية بإجراء تجربة لقنبلة هيدروجينية معدّة لوضعها على صاروخ باليستي عابر للقارات. ولعلّ ما زاد من مخاوف اندلاع حرب عالمية ثالثة إرسال واشنطن لحاملة طائراتها كارل فينسون إلى قبالة شبه الجزيرة الكورية، وإعلان حالة التأهّب في صفوف القوات المسلحة الكورية الجنوبية وقوات الدفاع اليابانية، ناهيك عن قيام السلطات الكورية الشمالية بإخلاء العاصمة من السكان، وقيام بكين بإيقاف كلّ رحلات طيرانها المتجهة إلى المدن الكورية الشمالية، وتهديد بيونغ يانغ بأنها ستقصف القواعد العسكرية الأميركية أينما وجدت، ثم قيامها بإطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى فوق بحر اليابان، أثناء عقد أول قمة بين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في فلوريدا. لكن ما عاد وخفّف من حدّة فتيل الأزمة حينها هو قيام بكين باستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي لحلّ الأزمة مقابل تفاهمات مع واشنطن أثناء قمة فلوريدا التي طغى عليها الملف الكوري.
أما على الصعيد الإقليمي فقد شكل العام 2017 عام القضاء على الإرهاب ودولة الخرافة بامتياز نتيجة الجهود التي بذلها محور المقاومة في إحباط مشاريع ومخططات نشر الإرهاب والفتنة والتقسيم، ونتيجة الانتصار على المشروع الصهيوني الذي كان يهدف لتصفية القضية الفلسطينية حال تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير. كما كان لافتاً في هذا العام هو حجم التخاذل لدى بعض الدول العربية التي لا تتوانى عن الهرولة خلف العدو سعياً وراء فتح قنوات الاتصال أو تطبيع العلاقات أو حتى نيل الرضى واللافت أيضاً تعويل الجانب الأميركي على التقارب الحاصل بين بعض الدول العربية و«إسرائيل» لتمرير صفقة القرن، التي تتضمّن اقتراحين لا ثالث لهما: إمّا قبول الفلسطينيين بحكم ذاتي لا يتضمّن القدس الشرقية، أو بكونفدرالية مع الاْردن. لكن الشيء الإيجابي أنّ الفلسطينيين حققوا انتصاراً دبلوماسياً جديداً على المستوى الدولي باستصدار قرار بغالبية مطلقة من الدول الأعضاء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤيد لحق الشعب الفلسطيني في القدس المحتلة، وهو القرار الذي اعتبرته صحيفة «الغارديان» بأنه عزل الولايات المتحدة على الصعيد الدولي بخصوص وساطة السلام.
كذلك، فقد سقطت في العام 2017 خطوة مسعود البرزاني الانتحارية بتقسيم العراق، ولم يحقق الاستفتاء الذي أصرّ على إجرائه في الخامس والعشرين من أيلول أية مكاسب، ولم يفلح أيضاً استقواؤه بـ«إسرائيل». وإنما على العكس أدّى هذا الأمر إلى نهاية مسيرته السياسية، حيث تخلّى البرزاني عن منصبه الأربعاء في 29 تشرين الثاني الماضي تاركاً لابن شقيقه مهمة المصالحة مع الحكومة المركزية في بغداد. ومن ثم ارتفعت حدّة التظاهرات الغاضبة في مدينة السليمانية شمال العراق احتجاجاً على عدم صرف الرواتب واستشراء الفقر والبطالة، وسط تصاعد الأزمة السياسية وارتفاع موجة الصدامات بين القوات الكردية والمتظاهرين، التي راح ضحيتها العشرات بين قتيل وجريح.
أما على الصعيد اللبناني، فقد أقرّ مجلس النواب قانون الانتخاب تحضيراً للانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل، وأقرّ الموازنة، وسلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام. كما شهد عام 2017 العديد من الإنجازات الأمنية، ففي 26 تموز تمكنت المقاومة من تحرير جرود بلدة عرسال اللبنانية من مسلحي جبهة النصرة بعد معارك ضارية أدّت في نهايتها إلى التوصل لاتفاق بانسحاب عناصر جبهة النصرة الإرهابية إلى الداخل السوري. وفي 8 آب استكملت الإنجازات الأمنية مع العملية العسكرية النوعية، حيث قام الجيش اللبناني بتحرير جرود القاع ورأس بعلبك من مسلحي تنظيم داعش الإرهابي، وتمكّن الجيش من دحر التنظيم الإرهابي وأخرجه من الحدود اللبنانية باتجاه البادية السورية. وقد تمكن اللواء عباس إبراهيم من تحقيق إنجاز كبير للبنان بتحرير 16 مخطوفاً من الجيش وقوى الأمن الداخلي من قبضة جبهة النصرة، كما كان له أخيراً الدور الكبير في كشف مصير العسكريين المختطفين لدى داعش. وقد اختتم العام بتمكن مديرية أمن الدولة من توقيف العديد من المتعاملين مع «إسرائيل» والعديد من التكفيريين.
على أنّ الأمل الأكبر يبقى معقوداً أن تكون السنة المقبلة أفضل من سابقاتها، وينتصر فيها أبناء شعبنا في فلسطين على القهر «الإسرائيلي» والتخاذل العربي…