سوتشي يتقدّم بمشاركة دي ميستورا وهيئة الرياض بعد تركيا والأكراد… على إيقاع الحشود مشروع تعديل المهل في قانون الانتخاب يفتح أمّ المعارك بين الرئاستين بعد مرسوم الأقدمية
كتب المحرّر السياسي
بعد ساعات من التوتر العسكري المخيّم على خط الحدود السورية التركية، مع تواتر أنباء الحشود العسكرية التركية والإنذارات المتتالية عن دخول مدينة عفرين من جانب القوات التركية تمهيداً للتوجه إلى ضرب الوجود الكردي شرق الفرات، في ظلّ إعلان أميركي عن دعم جيش للأكراد ينتشر على الحدود مع تركيا، وإعلان كردي عن تبنّ أميركي للاعتراف بولاية شرق الفرات الفدرالية من طرف واحد وحمايتها، تراجع التوتر وبدأ الحديث عن انسحاب للسلاح الثقيل الكردي من عفرين بتفاهم روسي أميركي، يمهّد لضمّ المدينة إلى مناطق خفض التصعيد، وانتشار مراقبين روس فيها، بموافقة كردية تركية، بعدما سبق ذلك كلام أميركي عن أنّ عفرين تقع خارج نطاق عمل القوات الأميركية، وقرأه الأتراك بمثابة ضوء أخضر لدخولهم عفرين.
تزامن تراجع الضجيج العسكري، مع عودة الحراك السياسي حول مؤتمر سوتشي، الذي بدا فجأة أنّ تركيا لم تعد تمانع مشاركة الأكراد فيه، وأنّ هيئة الرياض للتفاوض المعارضة تدرس دعوة روسية للحضور وتلتقي مبعوثاً روسياً خاصاً لاستيضاح بعض النقاط، بينما المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، يدعو الحكومة وجماعة الرياض للقاء خاص في فيينا فُهِم أنه رسالة تأييد للمشاركة في سوتشي، وبدا كلّ ذلك كحصيلة غير مباشرة وغير مفسّرة لأيام التصعيد على جبهات إدلب وعفرين، حيث تركيا محور رئيس للاشتباك مع موسكو مرة ومع واشنطن مرة، من جهة، ولمعارضة صيغة سوتشي ودور الأكراد فيها التي تلقى تشجيعاً روسياً أميركياً من جهة أخرى، وحيث جماعة الرياض ودي ميستورا يبدوان نظرياً بدعم أميركي من أنصار جنيف على حساب سوتشي.
تبدو التسويات الموضعية أكثر تعبيراً عن السياسات من خطابات الساسة سواء في أنقرة أو في واشنطن، فخطاب وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عن الاستراتيجية الأميركية في سورية بدا في عالم آخر بعيداً عن الواقع، كما خطاب الرئيس التركي رجب أردوغان الذين كان يبشر بحرب لا تبقي ولا تَذَر.
لبنانياً صعد إلى الواجهة ملف خلافي جديد بين الرئاستين الأولى والثانية يتمثل بدعوة وزير الخارجية جبران باسيل لتمديد مهل التسجيل للمغتربين، وهو ما يفتح النقاش على فرضية تأجيل موعد الانتخابات وتغيير قواعد المهل، كما تقول مصادر وزير المال الذي أعلن عزمه على التصدّي لمطلب وزير الخارجية في اجتماع مجلس الوزراء، حيث سيتقرّر ما إذا كان الأمر يحتاج تعديلاً للقانون أم أنه مجرد تعديل إجرائي لا يطال نصوص القانون وما تضمّنه من مهل، وفيما وصفت مصادر وزارية المواجهة حول تعديل القانون الانتخابي ومهله بأمّ المعارك بين الرئاستين، خففت مصادر مطلعة من حجم الأمر وقالت إذا كان طلب وزير الخارجية يحتاج تعديل القانون فلن يطرح للتصويت في مجلس الوزراء، وإذا كان مجرد تعديل إجرائي ضمن سقف المهل المتفق عليها، فلن يستدعي معركة ومواجهة.
أزمة «القانون» في مجلس الوزراء اليوم
لم تنجح هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل في احتواء أزمة مرسوم أقدمية الضباط ولا في ضبط السجالات على محاور الجبهات الحزبية والرئاسية، غير أن أزمة جديدة ستضاف الى إشكالية المرسوم والخلاف على إنشاء الميغاسنتر والبطاقة الممغنطة والتسجيل المسبق للناخبين خارج مكان القيد، هي مشروع قانون لتعديل مهل تسجيل المغتربين تقدّم به رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل وأُدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد اليوم في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة. الأمر الذي قد يفجّر الجلسة في حال طُرِح البند على التصويت، لأنه سيُشرِع الأبواب أمام تعديلات أخرى على قانون الانتخاب، كما قال وزير المال علي حسن خليل، وبالتالي يهدد الانتخابات نفسها على مسافة ثلاثة أشهر من موعدها.
وتوعّد خليل بأنه «أعد رداً على هذا المشروع والذي سيكون عنيفاً ومبنياً على الاتفاقات المسبقة بين الجهات السياسية»، مشيراً إلى أنه «في حال أرادوا تأجيل الانتخابات أو تطييرها، فليصارحوا اللبنانيين ولكن نحن لن نقبل بذلك».
وشدّد خليل، وفي حديث تلفزيوني، على أن «بند تعديل قانون الانتخاب لن يمرّ. وهناك اتفاق بين القوى السياسية على عدم تعديله خوفاً من فتح بازار التعديلات»، مشيراً إلى أن وزراء حركة امل و حزب الله وتيار المردة ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وزير المهجرين طلال ارسلان سيصوّتون ضد التعديل في مجلس الوزراء الذي وإن مرّ في الحكومة لن يمر في مجلس النواب ».
وقالت مصادر نيابية وقانونية لـ «البناء» إن «مشروع القانون لتعديل المهل المتعلقة بتسجيل المغتربين يتطلب الأكثرية العادية في مجلس الوزراء بحال عُرض على التصويت وإن مرّ في الحكومة يُرسل الى المجلس النيابي ويحال الى اللجان النيابية المشتركة ثم الى الهيئة العامة للتصويت عليه بالأكثرية العادية أيضاً بعد فتح عقدٍ استثنائي للمجلس»، لكن المصادر «استبعدت أن يُعرض مشروع القانون على التصويت في مجلس الوزراء، لأنه سيؤدي الى خلافٍ سياسي في الحكومة ويُفاقم الأزمة الرئاسية في البلد»، وأشارت الى أن «تعديل القانون ممكن لكن بشرط أن لا يتعارض مع المهل القانونية الواردة في القانون لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات وبداية إعلان الترشيحات ودعوة الهيئات الناخبة».
مصادر في كتلة التنمية والتحرير رأت أن «مشكلتنا في تعديل القانون ليس تمديد مهلة تسجيل المغتربين الذي وصل الى أكثر من ثمانين ألفاً. وهذا عدد مقبول كمرحلة أولى. ونحن كنا السباقين في إشراك المغتربين في الاقتراع، لكن المشكلة في أن ذلك سيجر الى تعديلات أخرى على القانون لأن كل طرف لديه مطالب معينة تخدم مصالحه الانتخابية». وتساءلت المصادر: ما الهدف من إدراج بند خلافي على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء في وقتٍ يتم اتخاذ القرارات في المجلس بالتوافق؟ وأكدت لـ»البناء» أنه «وإن فتح رئيسا الجمهورية والحكومة دورة استثنائية للمجلس لتعديل القانون فإن رئيس المجلس لن يفتح جلسة لتعديل القانون».
رأس جبل الجليد..
وفي حين أَشرت مواقف رئيس الجمهورية أمس، على أنه لن يغير رأيه من أزمة مرسوم الضباط متسلحاً بالقضاء لا سيما بعد رأي هيئة التشريع في وزارة العدل، يبدو أن مساعي رئيس الحكومة سعد الحريري ستصطدم بجدار المواقف، في ظل تردّد الحريري بزيارة بعبدا بعد رأي «الاستشارات». وهو سيتشاور مع رئيس المجلس خلال اليومين المقبلين في اقتراح الأخير قبل زيارة رئيس الجمهورية.
ولفتت أوساط مطلعة على موقف حزب الله لـ «البناء» الى أن «حلول أزمة المرسوم وصلت الى طريق مسدود»، مشيرة الى أن «الحزب لم يحمل مبادرة الى بعبدا بل قام بمسعى لتقريب وجهات النظر بين بعبدا وعين التينة ولم ينجح وهو لم يتدخل بالأزمة، بل يترك الأمور لرئيس الحكومة والمعنيين لحلها».
وعن احتمال دخول الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله على الخط لتجنّب تفاقم السجال بين حليفيه، لفتت الى أن «حزب الله لا يملك عصا سحرية للحل ولا يفرض الحل على حليفيه، بل يترك الأمور تأخذ مسارها. وهو ليس الملف الاول الذي يشكل خلافاً بين الرئاستين ويصار الى حله في ما بعد». واستبعدت المصادر أن تنعكس الازمة على مجلس الوزراء، لأن «ذلك ليس في مصلحة أحد لا سيما أن هناك ملفات وقضايا حياتية عدة تهم مصالح المواطنين يجب إنجازها قبل الانتخابت النيابية».
وتعزو الأوساط سبب الأزمة الى تراكم ملفات خلافية بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري تبدأ بالانتخابات النيابية العام 2009 وتمرّ بالاستحقاق الرئاسي والتسوية الحكومية والتمديد للمجلس النيابي وقانون الانتخاب وكانت أزمة المرسوم جبل الجليد، ولفتت الى أن «حزب الله ليس مُحرجاً إزاء الأزمة، كما لا ينأى بنفسه، لكنه لا يتدخل بشكلٍ مباشر بل يفضل معالجة الامر وفق القانون والدستور».
ورأى النائب علي خريس عبر «تويتر» أن «رأي الهيئة مُسيّس، وخلفياته لا تُخفى على أحد»، في حين قال النائب قاسم هاشم، إن «رأي الهيئة لن يقدم ولن يؤخر»، مشيراً إلى أن «الجهة الوحيدة المخولة تفسير الدستور هي مجلس النواب».
عون: لن نقبل المسّ بسلطتنا
وجدّد رئيس الجمهورية احتكامه الى القضاء، فأكد أن «الكلمة الفصل في سوء التفاهم حول تفسير القوانين تبقى للقضاء». واستغرب اتخاذ الخلاف على مرسوم منح أقدمية لضباط دورة 1994 الطابع السلبي «فنحن نعطي أشرف مثل للشعب اللبناني يؤكد أنه اصبحت لمؤسساتنا القضائية حصانة، وهي تصدر احكاماً وتفسر القوانين للجميع ابتداء من رأس الحكم».
ورأى خلال استقباله في بعبدا أعضاء السلك القنصلي في لبنان أن «من يتابع الإعلام اليوم يظن ان الامور مشتعلة وهي ليست كذلك».
وأكد الرئيس عون في كلمة القاها في مأدبة غداء أقامتها الرهبنة الانطونية في بعبدا أن «المساس بسلطتنا أمر غير مقبول»، وقال: «نحن نحترم كل السلطات كما ينص عليها الدستور والقوانين ولا نريد أن نخاصم احداً، بل على العكس، اننا نريد ان يبقى البلد مستقراً وآمناً». وشدد الرئيس عون على أن «أمام القضاء لا غالب ولا مغلوب لأن القضاء ينطق بالحق».
مجلس الوزراء
في غضون ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسته اليوم، وعلى جدول أعماله 71 بنداً، حيث سيناقش الى البند 24 الخاص بتعديل بعض المهل الانتخابية، تنفيذ ما تقرّر على مستوى توسيع مطمر النفايات في الكوستابرافا وإقامة معمل للتسبيغ في العمروسية بناء على اقتراح مجلس الإنماء والإعمار، وفق ما جاء في قرار مجلس الوزراء رقم 45 الخاص الذي صدر عقب جلسته الأخيرة في 11 كانون الثاني الحالي. ولوحظ أن جدول الأعمال يشتمل على مطالب وزير الزراعة غازي زعيتر بعدما انسحب من الجلسة الأخيرة الأسبوع الماضي احتجاجاً على عدم إدراج بنود لوزارته على جدول الأعمال.
بري: إيران القلب النابض للمقاومة
على صعيد آخر، اختتم الرئيس بري ، زيارته الى إيران بلقاء مستشار مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي أكبر ولايتي ، في جامعة «آزاد»، وكان قد التقى المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية الإمام علي خامنئي وشدد بري على أنّ «الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت وما زالت الأساس والقلب النابض للمقاومة»، مؤكّداً «عمق العلاقة الأخوية بين حركة أمل وحزب الله الّتي باتت مثالاً يحتذى، وإن شاء الله الأمين العام لحزب الله الأخ السيد حسن نصر الله وأنا، جسدان في قلب واحد».
وركّز بري على «أنّنا اليوم في أمسّ الحاجة للوحدة ليس في لبنان فحسب، بل في كل العالم العربي والإسلامي، لأنّ المؤامرة كبيرة جدّاً لتمرير صفقة العصر وبتحقيق مشروع شيمون بيريز».