خيوط الحلّ تتفكّك في الشمال السوري…
بهاء نصار خير
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وعلى قدر النصر يأتي الواقع على الأرض، فما بين «سوتشي» و»فيينا» و»أستانة» وقبلها «جنيف» بنسخه المنادى بها واقع ميداني يفرض ملامح لا يمكن إخفاؤها أو الهروب منها فدائرة السيطرة باتت واسعة بنطاقها.
«سوتشي» بيوميه قد يراه البعض مضيعة للوقت وقد يراه البعض ساحباً للبساط من تحت جنيف إلا أنّ الواقع يُعطيه صفة الراسم سمتين: الأولى تثبيت رغبة الدولة السورية بالحلّ ليس فقط عبر وفدها الحكومي، بل عبر ممثلين عن أطياف الشعب كافة.. أما الثانية فهي رسالة روسية بأنّ ما قيل في السابق هو ما سيُنفذ اليوم فالحلّ يقرّره السوريون والمؤتمر عُقد بمن حضر..
أمام الحلّ السياسي اليوم ميدان لم يعد تعقيده كما كان عليه في السابق، فخريطة انتشار الجيش السوري باتت أقلّ ونقاط الاشتباك اليوم تركزت أكثر. فمناطق الثقل اليوم باتت في عهدة أهلها من دير الزور وباديتها وصولاً لريف حماة فحلب.. فما تمّ تدبيرهُ ذهب مع غبار أقدام الجيش..
في السابق كانت وجهة الإرهابيين المجبرين على الانسحاب إدلب. فطوال أشهر عديدة أيّد الفكرة البعض وشجبها البعض الآخر.. اليوم إدلب بريفها في عين العاصفة.. حشود عسكرية على قدر حجم المعركة والتفاف على المحاور لفرض ما يُخطّط له بإحكام.. في المقابل حشود تركية مستمرة تعزّز الخرق والعدوان الحاصل على جبهة عفرين بحجة ضرب الأكراد.. فإنْ كانت الحجة تواجداً كردياً فالأكراد موجودون في الأساس وليسوا وليدي اللحظة في تلك البقعة الجغرافية السورية.. اليوم نحن أمام حالة تعويضية تركية لما فُقد. فالجيش السوري اليوم على أبواب إدلب وريف حلب الجنوبي فيما التركي عاد إلى حيث كان قبل الحرب ولكن هذه المرة بثقة مفقودة وعداوة حدودية مع مَن كانوا في السابق وما زالوا له جيراناً..
قبل بدء العدوان التركي بأيام تصاعدت اللهجات والتهديدات وما في خضم كلّ هذا تحذير سوري من العدوان.. ولسحب مبرّرات العدوان طرحت موسكو خطة مضادة تقضي بدخول الجيش السوري عفرين فكان الرفض الكردي سيد الموقف.. ما دفع موسكو الرافضة للرغبة الكردية عند البعض بالانفصال لاتخاذ موقف المنسحب والذي قد رآه البعض ضوءاً روسياً أخضر لأنقرة بالعدوان وهذا ما حاولت أطراف التخريب في سورية ترسيخه في الأذهان..
عدوان الشمال وصفه البعض بأنه تصدير لأزمات تركية داخلية نحو الخارج، فيما الواقع بأنه تعطيل للحلّ كما حال السنوات السابقة التي لم تخلُ من خطوات تركية مماثلة وإنْ كانت لم ترقَ للعدوان المباشر بهذا الحجم وعين العرب ما زالت في الذاكرة القريبة لم تمت..
تركيا بتقاربها من موسكو وميلها للخطاب الروسي في العلن لا تستطع إخفاء الميل نحو الأميركي المسيطر والماسك رقبة التركي.. فتركيا العضو في حلف الناتو والمحتضنة للقاعدة الأميركية «إنجرليك» وإنْ لم تكن فاعلة اليوم.. إضافة لكفّ البصر الأميركي عن الدعم والتمويل والتسليح وحتى التدريب التركي لمجموعات إرهابية تمارس التخريب في سورية.. كلّ ذلك يجعل من الصعوبة بمكان الانسحاب من تحت العباءة الأميركية..
الروسي اليوم أمام لحظات نشوة الانتصار رغم طول المدة والعقبات.. تقدّم ميداني كبير تكلّل بالسيطرة على ثاني قاعدة جوية سورية في الشمال السوري مطار أبو الضهور العسكري ليكتمل المشهد ليس من باب بأنه نقطة أو منطقة جغرافية وعسكرية مهمة فحسب بل لأنّ ما خطط له بدأ بضرب القواعد الجوية والدفاع الجوي الذي يمثل الذراع الحامي لسورية من أيّ عدوان.. واليوم تثبيت معالم الانتصار تكون بفرض السيطرة على ما فقد من مطارات وتجهيز ما تمّ تخريبه من دفاعات جوية..
ما بين موسكو وأنقرة اليوم بعيد عن العواطف والتبعات. فهناك أمر واقع.. فرض روسي للحلّ ودعم كامل لعملية الشمال.. ورضوخ تركي ولو كان يُقرأ في العلن عكس ما هو معيش.. فتركيا اليوم وباتفاقياتها التي تجاوزت الستين مع موسكو والمجاورة لها من الشمال لن تضحّي بذاتها حتى النهاية طرباً وحباً بالأميركي، ولكن الترياق الروسي بث في الجسد التركي وما الوقت إلا الكفيل، حتى ولو لفظ الأميركي أنفاسه التركية الأخيرة هناك في الشمال.. ففي المحصلة مخرجات الحلّ باتت واضحة ومخرجات النصر اليوم أيضاً باتت الأكثر وضوحاً ومن أين بدأت ستنتهي..
في المحصلة الشمال السوري اليوم سيكون البوابة لمرحلة جديدة في تاريخ الحرب على سورية.. قواعد جوية سورية تمّت استعادتها، وكما بدأت الحرب على سورية باستهداف القواعد الجوية والدفاع الجوي فاستعادتها تكتب فصول التحرير الكامل…