تقية سياسية أم استتار بالمألوف؟
وليد زيتوني
حملت المقابلة التلفزيونية الأخيرة للأستاذ وليد جنبلاط، سلسلة من الإجابات التي يجب التوقف عندها. إجابات تتطلب تساؤلات كثيرة، إذا ما حاولنا قياسها على المسار السياسي للزعامة الجنبلاطية، خصوصاً تلك الثوابت القديمة على رغم الصورة الكاريكاتورية الشعبية لتبدّل المواقع والأدوار عند زعيم المختارة.
حاول وليد جنبلاط في مقابلته مع الأستاذ جان عزيز، تفكيك المواقف، والمفاهيم وحتى الرؤى، لاستخدامها كأقسام. فغربل من خلال هذا التفكيك الأفكار الضارة لمشروعه الباطني، وقدمها كتنازلات سياسية قابلة للنقاش والمساومة، محتفظاً لنفسه بما يخدم ثوابته بحرفية عالية من التقية. آخذاً في الاعتبار خصوصية المنصة التي ينطلق منها والجمهور الذي يخاطبه من جهة، وعدم إقفال الطريق أمام الزيارة اللاحقة للمنصة المقابلة.
طبعاً، لا تحكم سياسة جنبلاط العلاقة المرحلية مع الجنرال عون، كما لا تحكمه العلاقة العابرة مع سمير جعجع، فكلاهما يمثلان حيثية مهمة في شارعهما، كما يقول جنبلاط، بالتالي لا يمكنه أن يشكل بيضة قبان ترجح كفة على أخرى. هذا هو الظاهر وهو ما دفعه إلى ترشيح هنري حلو كخط وسطي حلاً لمعضلة رئاسة الجمهورية. أما الباطن فهو عدم الإتيان بزعامة قوية إلى رئاسة الجمهورية تكون قادرة على الاستغناء عن خدماته التسووية المرحلية، واستمراراً بالموقف التاريخي الدفين للنزاع بين الأميرين بشير الشهابي وبشير جنبلاط.
المسألة الثانية في المقابلة هي محاولة التمييز بين «داعش» و»النصرة» والتأكيد على «استعادة « الإسلاموية لمذهب الموحدين الدروز. وكون المجال لا يتسع هنا لنقاش واسع حول هذه المسألة، خصوصاً لجهة مفهومي العقل والنقل، إلا أنني أضعها في باب التقية المفروضة والتي تلتقي سياسياً مع المشاريع المطروحة للمنطقة، وهو ما دفع جنبلاط إلى التمييز بين «داعش» و»النصرة» على رغم أنهما يغرفان عقائدياً من نفس الصحن، ويمارسان الأسلوب الهمجي التكفيري نفسه. فـ»داعش»، إذا لم تكن هي الثمن التي ستدفعه أميركا في أية تسوية مقبلة، فستنحصر في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية والعراق، بينما «النصرة» ستتولى المنطقة الجنوبية والوسطى. ربما هذا ما دفع «الإسرائيلي» إلى التعاون العملي والمفضوح معها عبر إعلانه عن إمكانية إقامة منطقة عازلة على حدود الجولان.
على رغم إعلان وليد جنبلاط الصريح، أن إقامة الدولة الدرزية على حدود الجولان والأردن ولبنان هو مشروع انتحار، إلا أنه ترك الباب مفتوحاً للتعاون مع «جبهة النصرة» إذا ما قررت «إسرائيل» توسيع نطاق مشروعها ليشمل القنيطرة وقطنا في ما بعد، وهي منطقة يختلط فيها الدروز مع السنة. و»إسرائيل» التي أعلنت من خلال أحد قادتها الكبار أنها لن تتخلى عن القرى والبلدات الدرزية المهددة على حدودها، تعمل مع وكالة الاستخبارات الأميركية على إنشاء حالة تكفيرية درزية عبر تجميعها وتوجيهها لعدد من المغتربين الشباب في الولايات المتحدة. من المؤكد أن هذه الحالة قد امتدت إلى الواقع اللبناني، ومن المؤكد أيضاً أن وليد جنبلاط يعرف تماماً خطورتها على زعامته مستقبلياً. من هنا جاءت مواقفه النظرية غير متطابقة مع مواقفه العملية بالنسبة لهذه المجموعات إن لجهة السكوت عن تحركاتها «التثقيفية»، أو لجهة تحضيراتها التدريبية العسكرية. ومن هنا جاءت «نصائحه» للموحدين في جبل العرب بتجنب الوقوف مع الدولة السورية. هذا الجبل الذي رفض الدولة الدرزية عندما قدمت إليه على طبق من فضة استناداً لاتفاقية سايكس بيكو، مصراً على البقاء جزءاً لا يتجزأ من الوطن الأم قد خذل وليد جنبلاط من جديد.
في الختام نقول إن هناك موضوعات أخرى يمكن قياسها على هذا المقياس، إلا أننا نرى أن الوقت وقت أفعال لا أقوال، وأن التقية والاستتار بالمألوف قد تكون مفيدة بالديبلوماسية الخارجية وليست مع أبناء شعبنا من كل الشرائح الاجتماعية. إن الدولة الدرزية كما الدول الطائفية الأخرى ليست إلا أداة بأيد أجنبية وتحديداً «إسرائيل»، وعليه يجب أن تخرج من أذهان الحالمين بها إلى الأبد.
عميد ركن متقاعد