«متحف الخط العربي» في دمشق القديمة سورية.. هنا بدأت الأبجدية وبدأ التاريخ

يتكئ متحف الخط العربي على الباب الشمالي للجامع الأموي في دمشق القديمة، حيث يحجّ عاشقو الحرف العربي في رحلة إلى المسافة الفاصلة بين الحبر الأسود والورق ليتجولوا بحرية، ويطوفوا بين مساحات الجمال الموزّعة بعناية في كل ركن من أركان هذا البناء وزواياه المرصّعة بأجمل ما جادت به أنامل كبار خطاطي دمشق على مرّ السنين.

ويعود تاريخ هذا البناء الأثري العريق إلى أكثر من 750 عاماً، وكانت تسميته «المدرسة الجقمقية». وهي واحدة من بين 20 مدرسة أثرية موجودة في حي الكلاسة في دمشق القديمة، كان يطلق عليه اسم الحي الجامعي لكثرة ما فيه من مدارس.

يضمّ المتحف بين جوانبه أشكالاً مختلفة للخط العربي تعود إلى ما قبل الإسلام، وشواهد قبور يعود بعضها إلى صدر الإسلام كنسخة من شاهد قبر نقش النمارة، وشاهد قبر زيد بن ثابت، ومخطوطات قرآنية إضافة إلى نماذج عن تطوّر الأبجدية والخط العربي عبر العصور.

وفي زوايا المتحف توزعت كتابات على الفخار والمعدن والزجاج من القرنين 12 و 15 ميلادي، ومجموعة من وسائل الخط والأقلام والمحابر القديمة، مع ثلاث نسخ عن رسائل كتبت زمن النبي العربي موجهة إلى ملوك عديدين.

وما يشمله المتحف من إبداع الخطاط السوري ليس هو ما يميز متحف الخط العربي فحسب، بل هو إتقان المعماري الدمشقي الذي تجلى بأبهى صوره وجسّد بأشكال مختلفة ضمن هذا البناء بدءاً بالزجاج المعشّق بالألوان الزاهية تتخلّله أشعة الشمس لتنعكس على البحرة والأرضية المؤلفة من الرخام، وصولاً إلى الزخرفة الكتابية لسورة الملك المكتوبة بخط الثلث من الجدار الغربي للمتحف لتمتد على كامل مساحته.

وتستوقف زائر المتحف الفسيفساء والموزاييك اللذان يزينان المحراب المطعّم بآية الكرسي المكتوبة بخط الثلث والذي يعد من أجمل وأهم المحاريب الموجودة بدمشق.

ويعتبر هذا البناء بمساحته البالغة 280 متراً مربعاً من أهم الأبنية التي تعود لعصر المماليك، حسب ما ذكرت امينة متحف الخط العربي الآثارية إلهام محفوض، مبينة أن المبنى يمتاز بالأقواس الموجودة فيه والمقنطرات والسقف المزين بالعجمي الذي تتداخل فيه الزخرفة النباتية مع الهندسية.

وتعتبر محفوض أن الهدف من تحويل بناء المدرسة الجقمقية إلى متحف للخط العربي لعرض بعض نماذج من شواهد إبداع الإنسان السوري في مجال الخط العربي بأشكال مختلفة بدءاً من جلود الحيوانات انتقالاً إلى الحجارة البيضاء المسطحة إضافة إلى الجلاميد البازلتية الصخور المكتوب فيها بالخط الكوفي القديم مع نماذج خطية انبثقت عن الخطوط الأصلية.

وتشير محفوض إلى أن المتحف يقدّم مختلف انواع الخطوط كالرقعة والنسخ والديواني والفارسي وجدولاً يبين تطور الحرف العربي لغاية المرحلة الراهنة، مؤكدة حرص المديرية العامة للآثار والمتاحف من بداية الحرب على سورية على تفعيل دور المتحف ولا سيما في إحياء الخط العربي من خلال فعاليات ومحاضرات تقام ضمن المتحف ودورات لخطاطين سوريين مبدعين والتوعية بأهمية الخط العربي وإقامة دورات عنه خلال فترة الصيف موجهة للأطفال والطلاب.

وتختم محفوض بأن «تعلُّم وتعليم الخط العربي علم لا يمكن أن يندثر لأنه نابع عن موهبة ولا يمكن أن تحل محله التكنولوجيا»، داعية إلى «ضرورة الاهتمام بتعليمه ضمن المدارس وإعادته إلى ألقه.»

سانا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى