أي ابتكار لحلم الزواج في سورية
كثيرات هن الصبايا وهم الشباب الذين يحلمون بزواج دافئ هنيء، لكن كما يقول المثل الشعبي العين بصيرة واليد قصيرة.
عيونهم ترى واجهات المحال ذهب بجنون أسعار وثياب ترتفع أثمانها بين يوم وآخر وإيجارات البيوت وكلفات حفلات الزواج والأثاث تضع امام الشباب الزواج مجرد حلم عصي على التحقيق في المستقبل منظور.
منذ سنوات، تحلم إحداهن بوضع خاتم زواج بإصبعها، لكن الارتباط بفارس الأحلام بات مهمة صعبة في ظل وضع اقتصادي متردٍّ وبعدما أجبرت الحرب شباناً كثيرين على الهجرة او الانضمام إلى القتال أو حتى أودت بحياتهم.
ترى الجامعية جنان 30 عاماً ، في كلية الاداب في جامعة أيادي صديقاتها لترى مَن منهنّ ارتبطت حديثاً. وتقول «أتمنى أن يزيّن خاتم الزواج إصبعي، لكن لم يبق شبان هنا. أعدادهم تتراجع سنة بعد سنة».
تعتني جنان كثيراً بمظهرها، ودائماً ما تصبغ شعرها باللون الأشقر «خوفاً من أن أرى شعرة بيضاء واحدة في رأسي وأنا لم أتزوّج بعد. حينها سأفقدُ الأمل بكلّ تأكيد».
وكانت أنهت جنان دراستها في الاقتصاد منذ سنوات، لكنها عادت للتسجل في قسم اللغة الانكليزية لتخطي «الفراغ، فلا صديق ولا حبيب ولا زوج».
قبل تخرجها المرة الأولى، تروي أنها كانت تتلقى «عروضاً شبه أسبوعية للزواج من المعارف والأقارب»، لكنها رفضتها حينها.
وتوضح، وقد ارتدت معطفاً صوفياً أسود اللون، «أما اليوم، وقد بلغت الثلاثين، فقد انعدمت هذه العروض تقريباً، أو اقتصرت على تلك التي أراها غير ملائمة لزواج سليم، فهي إما من رجال متزوّجين أساساً أو من كبار في السنّ».
والمجتمع السوري ما زال محافظاً إلى حد ما، ويُتوقع عموماً من الفتيات أن تتزوجن في العشرينات من العمر، وإن كان ذلك يختلف بشكل او بآخر بين المدن التي تعد أكثر انفتاحاً والمناطق الريفية الأكثر محافظة. لكن الضغوط الاجتماعية بشأن الزواج باكراً تكاد تكون هي ذاتها.
وترى الاختصاصية في علم النفس سلام قاسم إنه جراء الأزمة وبخلاف ما كان الوضع عليه قبل الحرب «قد يصل سن الزواج إلى 32 عاماً من دون اعتبار أن المرأة قد تأخّرت في زواجها».
وتوضح أنه في السابق كان الموضوع أسهل «فأهل الحي كانوا يعرفون بعضهم بعضاً فيسهل التعارف، أما اليوم فالعوائل باتت مشتتة».
وتلح والدة الشابة على ابنتها لتسرع بإيجاد «العريس المناسب»، حتى أنها تكرر على مسامعها «لا أريدك ان تصبحي عانساً» وهو مصطلح تُعارض استخدامه منظمات نسائية لغير المتزوجات.
لكن الشابة يسرى ترى «لا يشكل تأخر سن الزواج هاجساً بالنسبة لي، لكنه يرتبط بشكل كبير بالمفهوم الاجتماعي الشائع، وبقلق الأهل من أن يفوتني قطار الزواج»، ما ينعكس «عبئاً نفسياً وخوفاً مضاعفاً من المستقبل».
وتلقي يُسرى اللوم على الحرب الدائرة في بلدها، والتي شردت الكثير من السكان داخل البلاد وخارجها وأودت بحياة عشرات الآلاف منهم.
وأخذت المحاكم في سورية بتثبيت عقود الزواج عبر الإنترنت لغياب الزوج عن البلاد. ففي حال لم يتمكّن الزوج من إرسال وكالة خطية لأحدهم لتوقيع عقد زواج عنه، يقوم بتوكيله شفهياً أمام القاضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وانتشرت في سورية خلال السنوات الماضية ظاهرة «الزواج عن بعد»، حيث يطلب أهل الشاب الفتاة ويُعقد القران وتُرسل العروس إلى عريسها من دون أن تراه حتى.
لكن الشبان الذين بدورهم شكلوا أبرز ضحايا الحرب في سورية، بخاصة ممن بقوا في الداخل يواجهون صعوبات اقتصادية، إذ بات همهم الأول البحث عن لقمة العيش.
وانعكست الحرب ارتفاعاً في أسعار العقارات والايجارات والمنتجات والمواد الغذائية، وترافق ذلك مع تراجع فرص العمل وتدهور قيمة العملة.
ما جعل فراس 37 عاماً ، يرفض فكرة الارتباط ويعتبر أن من يرتبط في هذه الأيام ليس أكثر من مجنون.
وسقطت إلى جانب متجر فراس قذائف هاون عدة، ما يشكل خطراً دائماً على حياته ويبعد الزبائن عنه.
ويوضح فراس «العامل الاقتصادي يجعلُ من الزواج مهمّة مستحيلة أو حلماً صعب المنال»، مضيفاً «من يتزوّج في هذه الظروف هو مجنون، لا أستطيع تأمين حياة آمنة وكريمة لنفسي، فكيف أؤمنها لزوجتي وأطفالي».
وكالات