مرهج: ما أعطاه من إيجابيات بيد أخذه باليد الأخرى من خلال استبعاد المحافظة كدائرة انتخابية واحدة واعتماد دوائر مركّبة تميل إلى لون طائفي معيّن
رنا صادق
نظّم تجمُّع النهضة النسائي، في مقرّه في فردان، ندوة حول القانون الجديد للانتخاب حاضر خلالها الوزير السابق بشارة مرهج، بحضور عضو الكتلة القومية النائب الدكتور مروان فارس، الرئيس الأسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي مسعد حجل وعقيلته ناديا، مسؤول الماكينة الانتخابية للحزب السوري القومي الاجتماعي في بيروت عميد العمل والشؤون الاجتماعية بطرس سعادة، رئيس مؤسّسة سعادة الثقافية المحافظ السابق حليم فياض، منفذ عام المتن الجنوبي في الحزب السوري القومي الاجتماعي محمد المولى على رأس وفد من المنفذية، المرشح القومي عن دائرة بيروت الثانية فارس سعد، وفد من جمعية نور، وفد من منفذية الطلبة الجامعيين في بيروت، وعدد من ممثلي الأحزاب والقوى الوطنية والهيئات النسائية والاجتماعية والثقافية وفاعليات نقابية وإعلامية وحقوقية.
فارس
بداية، تحدثت رئيسة تجمّع النهضة النسائي منى فارس مرحبة بالحضور. وقالت: «بعد تسع سنوات انتظر خلالها اللبنانيون وضع قانون انتخابي جديد يعيد تشكيل السلطة في لبنان، توصّل المعنيون إلى القانون الحالي الذي يرى الكثير من اللبنانيين أنه غير واضح المعالم، في حين يراه آخرون غير مطابق للصورة التي تخيلوها للقانون النسبي. فالنسبية في نظرنا هي لإخراج لبنان من الطائفية وبيناء دولة المؤسسات.
لن أطيل سأترككم مع الشخص المناسب من منطلق الخبرة أولاً كونه وزير أسبق للداخلية، ومن منطلق الانتماء الوطني الصادق والشفاف ثانياً.. مع معالي الوزير الصديق الأستاذ بشارة مرهج.
مرهج
واستهلّ مرهج الندوة بالإشارة إلى أنّ قانون الانتخاب «يُعتبر من أهمّ القوانين التي ترسم صورة الدولة ونظامها السياسي. فهذا القانون لا يعيد تشكيل سلطة الدولة فحسب، إنما يقرّر أيضاً، وإلى حدّ بعيد، مستقبل هذه الدولة وموقعها بين الأمم».
وقال: «يجتهد المشرّعون كي يكون قانون الانتخاب عصرياً بسيطاً يعزّز قوة التمثيل السياسي، ويعبّر عن الإرادة الوطنية العامة التي تنشد العدالة والتقدم والاستقلالية، فمن هذا القانون وحسن تطبيقه تنبثق الهيئة الاشتراعية أم السلطات وأهمها بلا منازع، هذه السلطة هي التي تنتخب رئيس الجمهورية وتختار رئيس مجلس الوزراء، وإن بصورة غير مباشرة. وهي التي تسنّ القوانين وتراقب السلطات الأخرى التي تنبثق منها وتسهر على تحقيق إرادة المجتمع، وتأمين مصالحه، وتضمن الحريات، وتبحث شهوراً في حجم الإنفاق ونوعيته وتفاصيله، وتراقب عملية الإنفاق بتفاصيلها، وتنظر في جدواه وسلامة تنفيذه عبر تشريع الموازنة وإقرار قطع الحساب، فهذا القانون هو من القوانين السامية التي تعكس صورة المجتمع، بقدر ما تسعى إلى تنظيم وجوده وتأمين فعاليته. لذلك ينحدر الحكم – أيّ حكم – عندما يسعى إلى مسخ هذا القانون وصياغته خدمة لمصالحه الانتخابية، وتثبيت نفوذه، وتجديد سلطته مطيحاً بمبدأ العدالة وروح الشرائع. وإذ جرت العادة في لبنان أن يسعى كلّ عهد إلى سنّ القانون الذي يناسبه ويخدم مصالحه الانتخابية، فقد تحوّلت تلك القوانين إلى أدوات للشحن الطائفي، ومنصات لإثارة الاضطراب السياسي كما حدث للقوانين التي أُقرّت في عهد الرئيس كميل شمعون حيث تمّ تصغير الدوائر الانتخابية، وإعادة رسمها لتتطابق مع معطيات طائفية تتناسب مع مصالح سياسية ضيقة لا علاقة لها، البتة، بالمصالح الوطنية العليا التي تستدعي صياغة قانون يعزّز الوحدة الوطنية ويزيد من مساحات الحرية والمساواة في المجتمع».
وأضاف مرهج: «إذا كان قانون 1960 الذي كرّس اعتماد الدائرة الصغيرة قد ظلّ على قيد الحياة حتى الأمس، فليس لفضائله وإنما بسبب الحروب وإخفاق نظام الطائف في صياغة قانون عصري وعادل حيث ظلّ القانون المعتمد أكثرياً إقصائياً، معبّراً عن مصالح الطبقة الحاكمة وليس عن المصالح الشعبية والوطنية التي ما توانت يوماً عن المطالبة بقانون يعتمد النسبية ويفتح الطريق نحو تطوير النظام المترهّل الذي أفرز إفقاراً مخيفاً للشعب وتمركزاً للثروة في يد قلة، وأفضى إلى نمو الدين العام إلى مستويات خطيرة، وانتشار الفساد والفوضى في أوساط الطبقة الحاكمة المهتمة بمراكمة ثرواتها على حساب المال العام دون إحراز أيّ نجاح ملموس على صعيد الكهرباء، والبيئة، والسير وإدارة موارد الدولة ومؤسساتها.
هذا القانون المنشود شهدنا ملامحه في وثيقة الطائف التي تحدثت عن النسبية وتوسيع الدائرة الانتخابية إلى مستوى المحافظة بما يحقق درجة أعلى من المساواة بين الناخبين والمناطق، وبما يلجم الخطاب الطائفي حيث يضطر المرشح أو الحزب إلى مخاطبة جمهور عريض متعدّد المشارب والمذاهب، بدلاً من مخاطبة جمهور ضيّق تنحسر فيه التعدُّدية.
غير أنّ نظام الطائف، ولأسباب عديدة، لم يتمكن من تطبيق الطائف، بل كرّر تحت ذرائع مختلفة صياغة قوانين منبثقة من قانون الستين، وأحياناً مطابقة له مع بعض التعديلات التي تتناسب ومصالح الطبقات الحاكمة.
لذلك بقي قانون الانتخاب يعتمد قاعدة الأكثرية كما القاعدة الطائفية. وتحت ضغط الرأي العام اللبناني ونخبه وجمعياته وأحزابه التقدمية التي كشفت مساوئ قانون الستين ومشتقاته وفشله في إعادة تكوين السلطة، رضخت الطبقة الحاكمة واتجهت لملاقاة الرأي العام في منتصف الطريق. وعلى هذا الأساس بدأ التفكير بقانون يعتمد النسبية لاحتواء النقمة الشعبية المتعاظمة وللظهور بمظهر المتفهّم لروح العصر، فكانت صولات وجولات وندوات وورشات عمل وبيانات ودراسات صبّ معظمها بشكل ساحق على اعتماد النسبية التي تمنع الإقصاء، وتتيح للجميع أن يتمثلوا بنسبة القوة الانتخابية التي يملكها كلّ فريق، وبما يؤمّن صحة التمثيل والتوازن والاستقرار في مجتمع تكاد الطائفية أن تشله وتمنعه من الحركة والإنتاج.
وهكذا توالت الأبحاث والنقاشات حتى النقطة الحرجة التي لم يعد فيها بإمكان السلطة التشريعية التجديد لنفسها، وحيث أصبح الإخفاق في إنتاج قانون جديد يمثل فشلاً ذريعاً لها لا يمكن إخفاؤه أو الدفاع عنه».
وتابع: «استناداً إلى عجز الطبقة الحاكمة عن الاستمرار في مغالبة الرأي العام الرافض لقانون 1960 ومتفرّعاته، واستناداً إلى مواقف الأحزاب والهيئات والجمعيات المطالبة بقانون عصري جديد يعتمد النسبية، أصدر مجلس النواب بالتفاهم مع الحكومة والعهد قانوناً جديداً هجيناً ملتبساً يعتمد النظام النسبي كما الأكثري يكرّس الطائفية والجهوية والفردية له فضائل يمكن الالتفاف عليها وله مساوئ يستحيل تجاوزها».
وأشار إلى «أنّ ما أعطاه القانون الجديد من إيجابيات بيد، أخذه باليد الأخرى من خلال إصراره على استبعاد المحافظة كدائرة انتخابية واحدة واعتماد دوائر مركّبة تميل إلى لون طائفي واحد بدلاً منها. وهذا الأمر ليس بسيطاً كما يتراءى للبعض، لأنّ هذا المنهج إذ يتذرّع بالحالة الطائفية الراهنة ومضارها، فإنه يتوغل في اعتمادها، وصولاً إلى تشريعها في هذا القانون وكأنه يقول للبنانيين: لا يمكنكم أن تعملوا معاً لانتخاب نوابكم وإنتاج نظام جديد يعبِّر عنكم وعن تطلعاتكم المستقبلية، وإنما ينبغي، بسبب حالة عارضة ضعفت فيها الثقة المشتركة وضعفت فيها الوحدة الوطنية، أن تعملوا كلّ فريق بمفرده للقيام بهذه المهمة الوطنية النبيلة. وهذا الأمر، وإن كان يدغدغ رغبة كثيرين من أسرى الطائفية والمستفيدين من ثغراتها، فإنه يعزز الاستقطاب الطائفي، ويفاقم حالة الثقة المهتزة بين مكونات المجتمع، ويكرس نوعاً من الفيدرالية المخفية، ويستبطن مواقف تتستر بالاستقلالية والتحرّر من نفوذ الآخر لتقع في رمال متحركة تمسّ الوحدة الوطنية في الصميم».
إيجابيات القانون
وتطرّق مرهج إلى بعض إيجابيات القانون الجديد، وقال: «الآن ما كتب قد كتب، ولم يعد ثمة إمكانية لتغيير حرف واحد في هذا القانون- التحدي الذي يجد اللبنانيون أنفسهم حيارى تجاهه لا يعرفون تماماً إذا كان سيؤدي إلى تطوير الحياة السياسية أم أنه سيؤدي إلى شرذمتها، حيث لم يعد من مجال لمزيد بعد أن افترست المذهبية والطائفية والشخصانية ما كان مدعاة اعتزاز من ديمقراطية هشة يتضمنها مجتمع متقدم قياساً على عالم ثالث سبقنا اليوم بفراسخ.
لنبدأ بايجابيات هذا القانون…
أولاً: يعتمد هذا القانون النسبية التي تمنع الإقصاء وتؤمن تمثيلاً واسعاً للفئات السياسية المتنافسة بحيث تنال كلّ لائحة حازت على الحاصل الانتخابي فرصة لنيل مقاعد نيابية بنسبة الأصوات التي أحرزتها.
ثانياً: يوفر هذا القانون فرصة ثمينة للبنانيين المنتشرين لممارسة حقهم الديمقراطي بالانتخاب، ما يعزز العلاقة بين لبنان المقيم ولبنان المنتشر.
ثالثا: يعتمد هذا القانون هيئة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات يرؤسها قاض ومؤلفة من قضاة ونقيبين سابقين للمحامين، وممثل عن نقابة الصحافة نقيب سابق لخبراء المحاسبة، وخبير في الإعلام، وممثل عن المجتمع المدني، وعضوين من أصحاب الخبرة في الانتخابات. والمهمة الأساسية لهذه الهيئة الإشراف على الانتخابات والإنفاق الانتخابي، ومراقبة تقيد اللوائح والمرشحين ووسائل الإعلام بالقوانين والأنظمة.
السلبيات
أما عن السلبيات، فقال مرهج: «مقابل هذه الإيجابيات ثمة سلبيات عديدة تحيط بهذا القانون وتجعله عرضة للنقد الشديد بسبب ما يعتريه من غموض وتعقيد وصعوبة في التنفيذ فيما يعود للترتيب التسلسلي وإشكالية فوز المرشح على المستوى الطائفي وإلى ما هنالك.
لم يلحظ هذا القانون كوتا مرحلية للمرأة اللبنانية التي لا يزال حضورها محدوداَ في مجلس النواب ومجلس الوزراء على الرغم من أنّ لبنان كان في طليعة البلدان التي أقرت بحق المرأة في الترشح والانتخاب.
تجاهل هذا القانون رغبة أكثرية النواب وأكثرية المواطنين في تخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة، أسوة بما هو معتمد في معظم دول العالم حيث الارتباط مباشر بين الأهلية الانتخابية والأهلية القانونية.
لم يلتزم القانون بمعايير موحدة لتقسيم الدوائر الانتخابية فجاء بعضها مركبا في قضائين وبعضها الآخر من أربعة بحيث لا يتساوى المواطنون في عملية الانتخاب حيث بعضهم ينتخب 6 نواب وبعضهم الآخر ينتخب 11 نائباً.
كذلك الأمر بالنسبة للمرشحين حيث يحظى البعض باحتمالية تصويت مختلفة بهامش كبير عن البعض الآخر.
بسبب الصوت التفضيلي تدخل عملية التنافس إلى قلب اللائحة نفسها بما يؤثر على تماسك اللائحة نفسها ويجعل المرشح يخوض معركتين واحدة داخل اللائحة والثانية بوجه اللائحة الأخرى.
تأخر السلطات في تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات التي تحتاج إلى وقت غير متوفر للإعداد السليم للانتخاب وتأمين الموارد وتدريب الكوادر.
يحاول القانون أن يعطي المرشحين حقوقاً متساوية في مجال الإعلام، غير أنّ توزع الإعلام المرئي على التجمعات السياسية الكبرى ذات الطابع الطائفي يجعل من هذه المحاولة أمراً صعباً للغاية، نظراً لقدرة الإعلام المتحيز على الترويج لأصحابه بأساليب مختلفة، فضلاً عن قدرته على الإضرار بمصالح المنافسين بطرق غير مباشرة.
أما بالنسبة للمال الانتخابي، فيمكن القول إنّ القانون، وإن ربط الإنفاق الانتخابي بوجود محاسب مختص وحساب مصرفي مرتبط بالحملة الانتخابية، إلا أنه فشل في الحد من تأثير المال على الانتخابات حيث يعرف القاصي والداني أنّ المال الانتخابي يمكن أن يأخذ أشكالاً عديدة، ويمكن أن يصرف طيلة المدة التي تسبق العملية الانتخابية. ومع ذلك يسمح القانون لكلّ مرشح بإنفاق مبلغ مئة وخمسين مليون ل.ل. أثناء الحملة الانتخابية يضاف إليه مبلغ متحرك مرتبط بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية وقدره خمسة آلاف ليرة عن كلّ ناخب من الناخبين في الدائرة، هذا فضلاً عن مصاريف اللائحة التي يسمح لها بمبلغ ثابت مقطوع قدره مئة وخمسون مليون ليرة عن كلّ عضو فيها مما يجعل المبالغ المخصصة المسموح بها لكلّ مرشح تصل إلى حدود فلكية لا يتحملها سوى القلة من أصحاب الرساميل الكبرى، الأمر الذي يترك لهذه القلة هامشاً كبيراً للتحكم بالعملية الانتخابية واستبعاد الشباب وذوي الدخل المحدود. لهذا لم يخطئ البعض عندما وصف القانون بقانون الأغنياء.
إخفاق الحكومة في تحقيق المكننة الشاملة للعملية الانتخابية كما في معظم البلدان ما يؤثر ويؤخر في عملية الاحتساب وإعلان النتائج.
اعتماد النهج الطائفي في هندسة الدوائر الانتخابية. وهذا الأمر يظهر جلياً في الشمال وبيروت.
أما النقيصة الكبرى التي ترافق العملية الانتخابية فتتمثل بغياب حكومة الانتخاب المفترض تشكيلها من شخصيات حيادية مرموقة توحي بالثقة وتطمئن المواطن على سلامة العملية الانتخابية.
أما التذرّع بضيق الوقت لصرف النظر عن تشكيل حكومة انتخابات، فمردود جملة وتفصيلاً لأن لا حدث أهم من هذا الحدث الديمقراطي الذي تشهده البلاد والذي يتطلب اتخاذ إجراءات فعالة لضمان حرية ونزاهة الانتخابات لا تستطيع حكومة سياسية أن توفرها فيما أركانها وأعضاؤها غارقون حتى الأذن في سياسة المصالح الذاتية وكسب الأنصار ولو على حساب خزينة تئن من الألم وتشكو ظلم الأقربين والأبعدين.
ويبقى الأمل معقوداً على أجيال المقاومة من كلّ الفئات والهيئات والتجمعات العاملة من أجل نهضة الأمة وانتصارها.
أسئلة ونقاش
وبعد المحاضرة أجاب المحاضر على أسئلة عدد من الحاضرين الذين ناقشوا موضوع قانون الانتخابات النيابية بإسهاب ومن مختلف الجوانب، وكان إجماع على أنّ لبنان واللبنانيين بحاجة إلى قانون أكثر تطوّراً وعصرنة من القانون الموجود، والطموح الأساسي هو الوصول إلى قانون يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية الكاملة ومن خارج القيد الطائفي.