بين الإرباك السعودي والارتياح الإيراني… ملفات ساخنة ومضائق
نسرين الديماسي
السعودية وإيران دولتان أساسيتان، وهما عنوان لعلاقة غير مستقرة، تشهد مدّاً وجزراً، ما بين الودّ المصلحي والخصومة الحذرة.
وفي خضمّ أحداث المنطقة… وسقوط اليمن، لا سيّما شماله، بيد حلفاء إيران، تلمّست السعودية خطراً يهدّد نفوذها في العالمين العربي والإسلامي، وقد جاءها النصح من الولايات المتحدة الأميركية ليدفعها باتجاه خطب ودّ إيران بتصريحات أطلقها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل خلال اجتماع لمجلس ا من الدولي أشار فيه إلى أهمية دور إيران في محاربة ا رهاب.
لم تكد الرسالة السعودية تصل، حتى بدّد الفيصل نفسه مناخ الانفتاح، فبعد الإيجابية اللافتة التي أبداها عقب اجتماعه في نيويورك مع نظيره ا يراني محمد جواد ظريف في 21 أيلول الفائت، عاد الفيصل في 13 تشرين الأول الجاري وفي مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الألماني في جدة، إلى ما قبل تلك الإيجابية، وصرّح «أنّ إيران تشكل جزءاً من المشكلة في سورية والعراق واليمن والبحرين، و يمكنها أن تؤدّي دوراً في المنطقة إذا لم تسحب قواتها من سورية وتتوقف عن دعم حلفائها في اليمن وفي العراق».
الردّ الإيراني على تصريحات الفيصل جاء من مساعد وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وهو ردّ انطوى على تحذير مباشر للرياض، من أنّ مواقف الفيصل تتعارض مع أجواء المحادثات الديبلوماسية بين البلدين. وزاد على ذلك، بأنّ لإيران دوراً بارزاً في مكافحة ا رهاب من خلال مساعدتها العراق وسورية، واعتباره أنّ ما يحدث في اليمن شأن داخلي لا علاقة لإيران به، غامزاً من قناة تدخل السعودية في البحرين ومشاركتها في قمع الشعب هناك بدلاً من أن تسعى الى حلّ سياسي وتدعم حواراً وطنياً في هذا البلد.
ما تقدّم يكشف أنّ المسائل الخلافية بين طهران والرياض تطغى على محاو ت التقارب التي لا تلبث ان تتعرّض لانتكاسة ما، ذلك أنّ هناك تنافساً على الدور والنفوذ في المنطقة. وقد استجدّت عوامل عديدة دفعت بهذا التنافس الحادّ الى الواجهة، لا سيما الأوضاع في سورية والعراق والبحرين واليمن. وتشعر السعودية بأنها خسرت الكثير من النقاط والأوراق في هذه الدول. فهي فشلت في إسقاط الدولة السورية وقيادتها، رغم الدعم الذي وفرته لما يُسمّى «معارضة سورية». وحاولت أن تنجح في العراق من خلال العزف على وتر الانقسامات الداخلية لكنها فشلت، وجاء بروز تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف ليضع السعودية في موقف لا تحسد عليه، فهي كانت تطمح إلى قيام تشكيل يحقق نفوذها في العراق، فإذ بها تساهم في تشكيل حالة إرهابية تشكل تهديداً للمنطقة بأسرها. الأمر الذي جعلها مضطرة لأن تكون جزءاً من تحالف دولي تقوده أميركا لمواجهة الارهاب.
السعودية لم تصب بالإخفاقات في سورية والعراق وحسب، بل أنّ «زلزال اليمن» جاء قاسياً عليها، ناهيك عن فشل العدو الصهيوني في حربه على غزة، وهو فشل ذريع تمّ بفضل الدعم ا يراني للفصائل الفلسطينية المقاومة. إضافة إلى بقاء المقاومة في لبنان رقماً صعباً في معادلة الصراع مع العدو الصهيوني. وكلّ ذلك ساهم في تعزيز الشعور لدى السعودية بتوسّع نفوذ إيران في المنطقة وتعزيز مكانتها ودورها وتأثيرها إقليمياً ودولياً مقابل فشل السعودية وتراجعها في كلّ هذه الجبهات، مما يهدّد فعلياً نفوذها وموقعها كلاعب في المنطقة والاقليم.
ولعلّ ما يؤرق الرياض شعورها بفقدان الميزة التنافسية مع طهران على صعيد بيع وتصدير النفط، حيث تبدو الصين غير عابئة بمحاولات استمالتها من قبل واشنطن، ولعلّ ما يجري حالياً في هونغ كونغ من تظاهرات يندرج في سياق محاولات الضغط الغربي على بكين، إذ تحظى هذه المظاهرات التي يحرّكها الغرب برئيسيات وسائل الإعلام الغربية، لتبرير صدور تصريحات ومواقف من قادة الدول الغربية مؤيدة للتظاهرات، في حين يستخدم هناك نفس الأسلوب الذي حصل في سورية، إذ يتمّ إطلاق النار على المتظاهرين، وذلك في تكرار للمشهد السوري بنسخة صينية. وهذا دليل على وجود بصمات أميركية، ومال سعودي يستخدم للضغط على الصين، خاصة أنّ مواقف الصين ثابتة على تحالفها مع روسيا.
ومن أبرز الملفات الساخنة هو ما استجدّ على لوحة المضائق، فطهران تحكم قبضتها على مضيق هرمز الذي يُستخدم لتصدير البترول السعودي الى الغرب، وهي، أي إيران، وعبر حلفائها في اليمن باتت قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مضيق باب المندب البوابة الجنوبية للبحر ا حمر، ويُعتبر التحكّم بهذا المنفذ ااستراتيجي تحكّماً بحركة الملاحة الدولية في البحر ا حمر، وهكذا تُحكِم ايران قبضتها على أهمّ مضيقين، مضيق هرمز ومضيق باب المندب، مما يعني خنق دول الخليج وخاصة السعودية.
وأمام هذا الواقع، قد تلجأ السعودية إلى البحث عن ممرّ جديد لتصدير نفطها… وهناك معلومات تؤشر إلى مساع سعودية لفتح مسار جديد لتصدير نفطها عبر خليج عدن من دون المرور بمضيق باب المندب. وهذا المسار ينطلق من جنوب السعودية عبر أنابيب عملاقة إلى حضرموت اليمنية تمهيداً لنقله مباشرة الى خليج عدن، حيث يتمّ هناك إنشاء مصفاة ضخمة ومرفأ لتحميل السفن بالنفط الخام. ويجدر الذكر أنّ العشائر في حضرموت تربطها علاقة وطيدة مع السعودية التي تدعمها بالمال والسلاح بهدف حماية أنابيب ومصافي النفط المستقبلية، واستخدامها خطوط دفاع عن النفط والمصالح السعودية.
المحاولة السعودية الآنفة الذكر قد لا تحقق مبتغاها لكون الوضع في جنوب اليمن لا يزال ضبابياً، ولذلك عمدت الرياض إلى الامساك ببعض الأوراق، فانتزعت من تركيا تسليماً بدور مرجعي، لكن مقابل هذا التسليم التركي تريد أنقرة من السعودية دوراً يصبّ في خانة السعي التركي إلى إنشاء منطقة عازلة عند حدودها مع الجانب السوري، يقاف تدفق اللاجئين ومنع قيام تجمّع كردي سوري شبيه بكردستان العراق حتى يتمدّد ويتواصل جغرافياً مع ا كراد في العراق وتركيا. علماً أنّ المنطقة العازلة هي شرط تضعه تركيا للمشاركة في التحالف الدولي لضرب «داعش».
واللافت أنّ تركيا تروّج إلى أنّ الضربات الجوية غير كافية للقضاء على «داعش»، ولن تحقق غايتها من دون تدخل عسكري بري، وهي بحكم موقعها الجغرافي مع سورية تطرح نفسها لاعباً أساسياً قادراً على التدخل البري، وتحاول أن تستغلّ هذه الورقة للحصول على موافقة واشنطن بدعم سعودي، لكن ورقة التدخل البري تبقى مجرّد ابتزاز، لأنّ مثل هكذا خطوة ستؤدّي الى تفجير المنطقة بحرب لن يستطيع أحد إيقافها، أو كيف سيتمّ إيقافها وبأيّ أثمان وتسويات نّ روسيا وإيران والمقاومة في المنطقة لن يسمحوا بتنفيذ هذا المخطط.
بعد كلّ ما تقدم من ملفات خلافية بين الرياض وطهران، فإنّ مناخ التوتر يمكن أن يتصاعد، خصوصاً بعد الحكم الذي أصدره القضاء السعودي بحق الشيخ نمر النمر، وهو حكم القتل تعزيراً، وتأخذ إيران على السعودية أنّ الشيخ النمر لم يرفع سلاحاً ولم يحرّض أحداً ولم يتصل بجهات خارجية، وأنّ إعدامه سيكون له تداعيات كبرى.
كما أنّ إيران قدّمت عرضاً لتسليح الجيش اللبناني، وهذا العرض لا يزال قائماً، ونائب رئيس الحكومة اللبنانية وزير الدفاع سمير مقبل في طهران على رأس وفد بهذا الخصوص، وسط تأكيد إيران على موقفها الراسخ بدعم العراق وسورية ولبنان في مواجهة الإرهاب والتطرف.
ويبدو واضحاً أنّ الانتكاسات التي تعرّضت لها السعودية جعلتها تلعب على حافة الهاوية، فبعد تصريحات الفيصل الأخيرة، شهد لبنان نبرة عالية في مواقف حلفاء السعودية، وهي نبرة نافرة تخرج على الإيقاع الدولي الذي يضبط الوضع اللبناني، وهنا قد تواجه السعودية «تعزيراً» من قبل حلفائها الدوليين، الذين قرّروا لحسابات هم يعرفونها، إبقاء الوضع في لبنان في حالة شبه استقرار.