إسلام بوجهَيْن بين تركيا والمملكة السعودية…
يارا بليبل
إن المباركة الغربية لعملية الـ «نيو – تقسيم» التي شهدتها المنطقة بعيد الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 المشؤومة الذكر ومفاعيلها السّارية الى أن «يقدّر الله أمراً كان مفعولا»، تبعها إعلان مصطفى كمال أتاتورك في العام 1923 عن الوليد الجديد «تركيا العلمانية» على طريق نقيض مع الدولة السعودية الثالثة عام 1932، مظهراً الافتراق والتنافس في آن، الأيديولوجي الطابع: إسلامي من جانب وعلماني من جانب آخر، هذا في البداية.
فإن عملية كسر «روتين» الجغرافيا والحكم السائدة في تلك الحقبة عاودت نشاطها بأسلوب مختلف مع وحدة الغاية والهدف. من الصعب استبيان أوجه اختلاف واضحة، لما يحاك للمنطقة من مؤامرات على سجادة الأمم المتحدة منذ إجهاض مشروع الشرق الأوسط الجديد وابتكار العقل الغربي لـ «همروجة» نشر الديمقراطية في العالم العربي، مرفقاً بتحديد الدول الأكثر حاجة بحسب الأولوية الجهوية لدى القيادة الأميركية من خلال ما سُمّي بـ «الربيع العربي»، فإن الفوارق قد لا تتعدّى هوية اللاّعبين ونوعاً من التواطؤ العربي غير الآتي على سبيل «الغباء»، بل عن سابق حقد و«جدعنة» زائدة تقتضيها المصالح.
إن المحاولة الدائمة لمقاربة الأحداث السياسية على الساحة الإقليمية، غالباً ما تعود بنا الى المفصل الأهم المتمثل بإعلان قيام الجمهورية التركية، الملغية للخلافة الإسلامية والناعي الرسمي لها بعد أن وسمت السلطنة العثمانية في عقودها الأخيرة بـ «الرجل المريض». إلا أن وصول حزب العدالة والتنمية ذي الطابع الإسلامي في تركيا الى السلطة عام 2002 شكل ركيزة بني عليها افتراض استدارة في السياسة التركية على المستوى الداخلي ما ينعكس تقارباً مع المملكة السعودية خارجياً، وهذا ما لم تثبت صحته.
فقد اعتبر المختص في الشأن التركي الدكتور محمد نور الدين خلال حديثه مع «البناء» بأن «المشكلة لا تتمظهر بالإسلام، إنّما بالخط الإسلامي الخاص لكل من البلدين»، رادّاً موضع خلل العلاقة بين الطرفين الى «تاريخ صراع السلطنة العثمانية ومحاربتها للدعوة الوهابية»، التي قادها تحالف الداعية محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود في العام 1744 حتى تاريخ القضاء عليها عام 1818 عن طريق والي مصر محمد علي باشا، لما تمثله هذه النزعة الانفصالية من خطر على وحدة أقاليم السلطنة آنذاك.
لقد سلّط ما سمي بـ «الربيع العربي» الضوء على عمق الصراع الكامن بين الجانبين، فأطلق الشرارة التي أعادت بعثه من جديد، بعيد تنافس خفي غير مرئي بالتزامن مع وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم حتى العام 2011.
وبذلك يؤكد نور الدين لـ «البناء» أن «تركيا وجدت في الإضطرابات التي شهدتها المنطقة فرصة سانحة لفرض هيمنتها وإحلال أنظمة بديلة»، إلا أن مساعيها باءت بالفشل المتمثلة بإطاحة حركة النهضة ذات البعد الإخواني في تونس والمدعومة تركياً، بالإضافة للسيناريو الذي تجلّى بصياغة السعودية لدور الجيش المصري في «الانقلاب» على حكم محمد مرسي الإخواني التي تقف خلفه تركيا. هذا الواقع غير منفصل بطبيعة الحال، عن التقارب القطري – التركي بمواجهة المقاطعة الخليجية التي تتزعمها المملكة السعودية منذ حزيران 2017 والتي يصر فيها ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان على تسخيفها وعدم إعطائها أي جانب من الأولوية ضمن استراتيجياته لإعادة رسم موقع بلاده ودورها في المنطقة.
فمن سيصل مبتغاه في قيادة العالم الإسلامي «السني» أولاً؟
تركيا بميولها الإخوانية والمتدحرجة بين الأميركي والروسي حسب كفّة الغلبة، أم المملكة السعودية ضمن سلسلة من المحاولات التصحيحية والتنموية اقتصادياً، التي يراها العديد من المراقبين بأنها بعيدة الأمد وتحدّها الكثير من المعوقات على الصعيد الداخلي السعودي، ضمن سياق الحلف الثابت مع الولايات المتحدة والمتجدّد مع العدو الصهيوني؟