المرأة المقاومة في النظام الأبوي
نضال القادري
يُحكى دائماً عن مكتسبات في مسيرة الحركة النسائية وعن القرب من تحقيق المساواة. إنّ فكرة مساواة المرأة مع الرجل طرحت لعقود طويلة بطريقة لا تخلو من غياب الجوهر الحقيقي للموضوع، ويستطيع الباحث أن يرصد الكثير من الأقاويل والقصص المثيرة للجدل للتدليل على قهر المجتمع بصورة عامة للمرأة. فعندما تتحدث امرأة عن ظلم الرجل لها، ومطالبتها بحقوقها، يُشار دائماً إلى فكرة أنّ الرجل أقوى وأقدر على الحماية والولاية على كلّ ما يتحكم بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة بالرغم مما يُقال بأنّ المرأة هي نصف المجتمع. كلّ ذلك ليس قناعة منه بذلك بل ليدغدغ عواطفها، ولينقلب إلى شخص آخر في موقع المدح المدفوع سلفاً للاقتناص من معنوياتها في وقت لاحق. السؤال الذي يطرح نفسه علينا بطريقة مستدركة: إذا كانت المرأة نصف المجتمع، فكيف يمكن أن يتطوّر نصف المجتمع ويبقى نصفه الآخر بدون تطوّر؟!
إنّ ما يُقال عن تحقيق مكتسبات في تاريخ العلاقة بين الصنفين هو لغو نسبي لا يتعدّى أكثر من إحصاء بسيط ولا يطال نواحي الحياة الفعلية لهما، ولا يدلك على المجرى الحقيقي الطبيعي للمنطلقات الإنسانية بينهما. فالمكتسبات النسائية هي هشة بطبيعتها في المجتمعات العربية، وهي تواجه أنواعاً عدة من العقبات أهمّها ما يُعرف بالهجمة الذكورية، والردّة الإيديولوجية للمكنون الديني الذي يقود المجتمع بطريقة «بطركية». في هذا الجو المحموم من العلاقة، تتكرّر الموضوعات المستعارة المستوردة في أغلبها من الغرب، ومفادها أنّ مستنصري التوجه النسائي يبالغون في تصوير المشهد الأوّلي لاضطهاد المرأة في مجتمعاتنا، وعملياً قد يكون انتهى إلى غير رجعة ذلك الزمن من التحرّش الجنسي المستتر، وكذلك الاغتصاب بين الأزواج، والزواج بالإكراه كما كان سارياً من قبل في مجتمعاتنا العربية، إذ هناك بعض النساء ممن لا يستسلمن بسهولة لأيّ وسيلة إخضاعية، وهذا النموذج يتخذ خطوات أكثر جرأة تبدأ بالتمرّد على التهميش العائلي والاستفراد في منزل أهلها، وتنتهي بطلب الطلاق والافتراق من الزوج الذي لا تحبّه أو أجبرت على الزواج منه. لكن ذلك لا يشكل البطولة ولا الإنصاف المنشود الذي تسعى لتحقيقه الحركات النسائية. ولا بدّ للمتسائل أن ينبري للتوقف عند ما يزعم أنه التحرّر والافتراق والانعتاق من واقع مرير، لكن عند بعض المجتمع أو بعض الأسر قد تأخذ هذه الصفة التحرّر والافتراق والانعتاق وتعطيها معاني أخرى بعيدة كلّ البعد عن المعنى الأصلي للكلمة، فمجتمعاتنا تحكم على المرأة المطلقة بالموت المعنوي والدعائي، مهما كانت ظروف طلاقها، وأيضاً دون النظر إلى حالتها السابقة التي مرّت بها، ومهما كانت معروفة أطباع وسوء الرجل الذي انفصلت عنه، فلا بد أن تكون المرأة هي المخطئة في مجتمعاتنا ويكون بذلك الرجل المتحكم بها دائما على حق مبين، هذا إذا لم يطعن الرجل وأسرته وأحلافه القبليين في أخلاقها وشرفها، وغالبا ما يحدث هذا بصورة بشعة تخلق من دون أدنى شك صورة معنوية هزيلة للمطلقة في مجتمع يحكمه الذكور المتشوقين إلى ضحية وأصنام الأعراف الماضية البائدة التى لا توفر من لا يعنيهم الأمر.
من يحاسب ظلاّم المرأة…؟
إنّ الردّة الرجعية لبعض المفاصل في القوانين التي تتحكم في حياة المرأة التي أصابها القدر السيّئ، تضعنا أمام تحديات جمّة، خصوصاً إذا ما أصبحت وحدها تجابه الريح العاتية الآتية من كلّ حدب وصوب. المثال الآتي يشهد عندما تكون العِصْمَة التي بيد الرجل أبدية حتى بعد الموت، إذ تتحوّل إلى سيف قهّار بتّار لا يرحم نساءنا في المشرق. فالمرأة مثلاً لا يجوز لها أن تكون وصية على أطفالها بعد وفاة زوجها، لا في مسألة تزويجهم أو إدخالهم إلى المدارس أو تسفيرهم إلى الخارج أو توريثهم شرعاً، وتبقى الأرملة على الدوام بحاجة أو تحت رحمة أحد أقارب زوجها المتوفّى من أصحاب الصفة القانونية لكي يشرف على معاملاتها التي تبقى دوماً أسيرة لموافقة أو لمزاج أولي الأمر. السؤال يطرح نفسه من دون مقدّمات تذكر: من ينصف المرأة؟! من يحاسب ظلاّم المرأة ويأخذ لها حقوقها الأساسية أو يحافظ على ما تبقى منها؟! هل نذهب كما قال البعض: «لا بدّ من إيجاد محكمة نسوية صرفة»، الحاكمة فيها امرأة عانت ما تعانيه النساء من ضروب الظلم المتعددة والتي قد تبدأ بالحرمان من التعليم ولا تنتهي فقط عند تلقي الضرب والإهانة على يد الأزواج؟! الجواب: لا، إنّ الأمر ليس كذلك، لا أعتقد ذلك على الإطلاق، ففاقد الأشياء لا يعطيها، وكيف به إذا صار متحكّماً ويريد أن يسترجع ما فقده منذ زمن بلحظة حياة واحدة. إنّ تطبيق القانون يجب أن يكون سيد المواقف، وإنّ أيّ تشكيل لمحكمة نسوية صرفة سيقلّل من مصداقية أحكامها وقراراتها واجتهاداتها، وسينظر الرجال إلى هيكليتها من زاوية عنصرية فاقدة لكلّ ما تقوم به حتى ولو كانت درجات الاستئناف بها تأخذ حيّزاً كبيراً. إنّ الناظر في الأشياء يرى أنّ جهاز القضاء، على سبيل المثال في لبنان، قد أصبح يعجّ بالأسماء النسوية وأصبح عدد النساء في معهد الدروس القضائية يشكل ما نسبته 80 من عدد الطلاب المقبولين، مما طرح أكثر من علامة استفهام وسؤال داخل الجسم القضائي وخارجه لمعالجة ما اعتبر مشكلة بين الجنسين، ولكن هذا لا ينتقص من قيمتهنّ أو كفاءاتهنّ. لتحسم الكثير من الجدل حول مدى أحقية وكفاءة المرأة في أن تحكم بين الناس وتحلّ مشاكلهم وتفصل في نزاعاتهم في مجال القانون وقضايا الإعدام والإفلاس الشائكة.
لا يزال المجتمع الذكوري مسيطراً، بالرغم مما قدّمته المرأة على كلّ الأصعدة، في الحرب والسلم والهدنة. وبالرغم من تحريف الكثير من النص الديني وإخضاعه للهيمنة الدينية القمعية المستجدة. مثلاً لا يوجد نص قرآني يمنع تعيين المرأة في القضاء في النصوص الدينية المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فقد أعطيت المرأة حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكما قيل: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء»، حيث أعطيت السيدة عائشة حق الإفتاء، وأعطى القضاء في الديني سابقاً في السوق لامرأة تفصل في ما ينشب من مشاكل بين التجار. إنّ الظلم يقرّه ولاة المجتمع، ويدعمه الجهلة من أتباعه رغم كلّ الأقوال البائتة في عدم جوازه. إنّ أيّ محكمة تطرح على بساط البحث يجب أن تحفظ إنسانية الإنسان بالدرجة الأولى وكرامة المرأة كونها إنساناً رقيقاً، فهي الأمّ والأخت والبنت والخالة والعمّة والزوجة. إنّ من يقبل العبودية لأهله والإهانة لأهله فهو ليس أهلاً للشورى والولاية على كلّ أنواعها، إنّ المحاكم التي تقرّ بوجوب أن تصدر أحكام على العنصرية والتفرقة بين الجنسين مرحب بها. نعم لمحكمة تأخذ لنا حقوقنا من مجتمع الرجعية والتخلف دون النظر للجنس واللون والطائفة والدين لأطراف النزاع والدفاع والحكام، واقتراح تشجيع استخدام الآليات القضائية مثل الطعن في الأحكام غير الدستورية، واستخدام آليات العدالة الاجتماعية مثل المحكمة الجنائية الدولية وحث الدول على المصادقة عليها.
إنّ النظرة إلى المجتمع الأبوي في العالم العربي بطريقة أحادية الجانب لا تخلو من العنصرية، لذلك يعتبر الخطأ والخطيئة فخاً واحداً منصوباً أمام الفتاة الشرقية في كلّ زمان ومكان، علماً بأنّ العلاقات الشبابية بين الذكور والإناث هي علاقات أُلفة ومحبة مشروعة ومتبادلة، ولذا ينبغي أن يكون الخطأ والخطيئة الذنب أيضاً متبادلاً، وعند ارتكاب أية هفوة علينا محاسبة الطرفين على حدّ سواء، لكن الذي يجري في العادة لا يعكس الصورة الحقيقية لمجريات الحدث. مثلا يُنْسَب أي تجاوز في العلاقات بين الجنسين في بعض التشريعات المتخلفة في العالم العربي إلى الفتاة، وتعتبر خطيئة لا تغتفر إلاّ بغسل العار الذي يتمّ عادة بقتلها، أو إلزامها بالبقاء ضمن أربع جدران إلى أبد لا نعرفه غسلاً لعار مزعوم لم ترتكبه.
المرأة لا تزال قيد المعاناة
يتبيّن من معاناة المرأة أنها لا تزال تحت قيد المعاناة، وانّ إزالة هذه الحالة عنها لا تعني أنّ المساواة قد تحققت، حيث أننا نجد من بين كلّ عشر إناث تعرّضت سبعة منهن للضرب في المغرب ووصلت النسبة في مصر إلى 25 وفي اليمن إلى64 ، بالإضافة إلى جرائم الشرف التي تقع ضحيتها النساء بنسبة 59 ، ويخطرني في ذلك، حادثة السيدة «رانيا الباز»، المذيعة السعودية التي تصدّرت حادثة ضربها من قبل زوجها، السعودي أيضاً، عناوين الصحف وأجندة الإعلام العربي والغربي في عام 2005 لمدة لا يُستهان بها. وبهذا المعنى، فإنّ النساء سيشكلن أقلية حتى لو وصلت نسبتهنّ ديموغرافياً إلى 70 أو 80 في بعض البلدان العربية في ظلّ مجتمع «بطركي أبوي سلطوي» في بيئة حاضنة متخلفة، هذا المنطق سيكرّس ثقافة التلاوين والتمايزات وعدم قبول الآخر، ويمكن أن يؤسّس لمثنويات جوهرية سلبية في المستقبل المنظور أبيض/ أسود، لغة سيدة/ لغة مبتذلة ، وبالتالي فإنّ المثنوية الجوهرية رجل / إمرأة ستفسح في المجال لتلاوين عنصرية أخرى، وستزرع ثقافة أقلّ ما يُقال فيها بأنها «مضطربة» في مكنوناتها.
وفي هذا المجال لا يسعني إلا أن أعبّر عن تقديري لرهافة الكاتبة سوسن العطار عندما تكلّمت عن زميلتها أحلام مستغانمي ناقدة لفكرها القصصي الذي لا يعبّر عن مكنونات المرأة العربية في التحرّر والسيادة والإستقلال، خصوصاً عندما تقدّم هذه الأخيرة أشخاص نسائها في القصة: «هذه هي أحلام مستغانمي، تحبّها النساء وينام على عبق رواياتها الرجال، تنتظرها بشغف وإعجاب المثقفات المتحرّرات/.. من الزوجة الخائنة إلى الزوجة التي تدري بخيانات زوجها وتصمت كأنّ ذلك أحد حقوقه، أو الزوجة الغبية التي لا تدري أصلاً بخيانات زوجها، إلى الأم الأرملة التعسة الجاهلة والمطلقة المستسلمة…/ ثم تنبري الكاتبة سوسن العطار لزميلتها قائلة: «بصدق أنا أستمتع وأنا أقرأك، وسأحاول أن أعيد قراءتك لعلّي أجد فيها مخفياً بين الشخوص، عن امرأة ما أو رجل ما، لا أريده/ أريدها مثالياً، ولكن عادياً، يعيش لفكرة ما، لهدف ما إلى جانب غرائزه، ولا يستخدم سحر قضاياه ورومانسية عذاباته لتجميل غرائزه وجعلها أكثر في الإغراء. الخيانة ليست فضيلة، الخيانة خيانة لوطن، لزوج، لصديق، فلا يتزوّج أو يستمرّ في الزواج من لا يشعر أنّ الآخر صديقه وزوجه ووطنه»… إنّ الزواج ليس انعتاقاً من حالة يأس بالقوة إلى حالة يأس بالفعل، إنّ الزواج حالة حياة مثلى لنظام كوني مصغّر يختبر الإنسان فيه مكنوناته الهيولى تمهيداً لولوج نهائيات الكون في جمالياته الأخيرة. إنّ الزواج عملياً بالنسبة للفتاة هو إحدى الوسائل المساعدة لحصولها على جزء من حريتها بطريقة أو بأخرى، ويجب ألا يكون استعماراً جديداً واستعباداً قبلياً من الناحية الأسرية والعائلية، وكذلك السياسية أيضاً. وإذا كان الذي يحصل لا يدلّ على ذلك، فإنّ الأخذ بنظام «الكوتا» في الممارسة السياسية هو ضرورة ملحة على أن يكون ذلك إجراء مرحلياً ليحمي المرأة من مجتمع يتحكم الذكور في صغائره وكبائره، وهذا النظام الحصصي تعمل به حوالي 75 دولة في العالم، وبالتالي سيكون ضرورة للتصدي للاتجاهات المحافظة والرجعية التي ارتفع صوتها، ومن هنا أستدرك السؤال لأقول: ألا يعتبر النضال من أجل إصدار قانون عصري للأحوال الشخصية من الأولويات النضالية؟!
بعد كلّ ما تقدّم، أعتقد أنّ سبب تردّي أوضاع المرأة في السياسة كمشروع نهضوي يرجع لأسباب جوهرية من أهمّها عدم إنخراط المرأة في العمل السياسي لفترة من الزمن، وعدم وعي المرأة الناخبة لأهمية مشاركتها في الانتخابات، ولنقص موارد التمويل للحملات الانتخابية أو لتأثرها بقرار الرجل في اختيار المرشح أو لغياب المؤسسة النسائية المنظمة القادرة على تبنّي المرشحات من النساء ودعمهنّ. ومن هنا، إنّ الدعوة لضرورة التصديق على إتفاقية «سيداو» إتفاق إلغاء كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة هو ضربة تشريعية في محلها تسهم إلى حدّ كبير بوضع الأمور في نصابها الصحيح. وعند مناقشة هذه الحالة، تحضرني آراء النهضويين الذين عاشوا في بلاد الشام أمثال الأساتذة الكبار أحمد فارس الشدياق، وبطرس البستاني، وفرح أنطون، وأنطون سعاده. كانت مذاهبهم أكثر تنوّراً ممّن عاشوا في باقي العالم العربي، إلا أنّ تأثير أفكارهم لم يكن كافياً ورسولياً على ما يبدو لتغيير العقلية الذكورية المسيطرة على سكان البلاد، مردّ ذلك لما شهدته بلادنا من قهر سياسي قضى على أفكار بعضهم واغتالها تحت ذرائع الانفتاح الممنوع. أضف إلى ذلك، أنّ العمل على وقف بثّ الصورة السلبية للمرأة في وسائل الاعلام التي تمثّلها كجسد والعمل على إزالة تكريس الصورة النمطية للمرأة هو إنجاز في محله يرفع درجة احترامها ويعيد الكثير من صورتها المفقودة كوجه متكامل بكلّ أبعاده الإنسانية. وسأذكر على سبيل المثال، الوجه المتكامل للمراة التي جسّدت صورة بلادي من الناحية الإعلامية السيدة لبيبة هاشم التي أصدرت في عام 1906 مجلة فتاة الشرق ، والسيدة ماري عجمي التي أسّست في عام 1910 مجلة العروس ، وأسّست جمعيات نسائية عدة للنضال ضدّ المستعمر العثماني، وقد اتضحت مسيرتها النضالية حين التقت بالمناضل بترو باولي، لكن الأتراك قبضوا عليه، وأعدم مع مجموعة الشهداء في 6 أيار، وبقيت وفية له ولم تتزوّج أبداً، كما واجهت بدورها الاستعمار الفرنسي بذات الروح النضالية، ولم أنس السيدة عادلة بيهم الجزائري التي شاركت في النضال السياسي ضدّ قهر السلطة العثمانية، وحمت ورفيقاتها أناساً كثراً من أعواد مشانقهم. ولا يخفى من بعدها، دور المرأة السورية التي ازدادت وتعاظمت في السمو، إذ نالت حق المشاركة في الانتخاب عام 1949، وفي شباط 1958 تمّ تشكيل مجلس أمة موحد في سورية كان من بينهم امرأتان هما السيدة جيهان موصللي والسيدة وداد أزهري. وفي التاريخ الحديث، كان على المرأة في بعض البلدان العربية أن تسلك طريقاً يعتمد في بعض أدواره على الكفاءة أو المحسوبية/ أو التلطي تحت سقف العباءات السياسية أو الإقطاعية/ وإما الاختباء في سلالة المورثين في الحزب والدولة والجمعية ونوادي السياسة وكلّ ما إلى ذلك من أجل الوصول إلى المنال والمُراد، وهذه الذهنية لم تشكل حتى الآن صورة مقنعة عن المرأة المستقلة بقرارها استقلالاً تاماً يؤدّي إلى اعتبارها نموذجاً صحيحاً للاقتداء به بين جمهور النساء.
الارتقاء إلى مستوى المرأة المقاومة
إنّ الصورة الوحيدة التي لا تزال عالقة في أذهاني هي صورة المرأة المقاومة البطلة التي تخطت كلّ عرائض المطالبات بالمساواة، إنّ ما قدّمته هو زيادة فوق الزيادات، صورة تختلف عن التي طالبت بها المشاركات في «مؤتمر المرأة العربية» الذي أقيم في بيروت بعد التحرير، ولا أنكر حق المرأة التي طالبت الأحزاب والقوى السياسية والاتحادات النقابية بترشيحها وإدراجها داخل هيئاتها القيادية على اللوائح الانتخابية تحت نظام «كوتا» أو التي اقترحت في إطار تنظيم الإعلام والإعلان الانتخابيين على تصويب صورة المرأة في وسائل الإعلام، بل رأيت أنّ الصورة الصواب هي أن نضع فسيفساء الصمود والتحدي أمام مهزلة التخلف التي نجتهد منذ زمن لتصحيحها. إنّ النموذج الفريد والأوحد الذي يهزّ المشاعر هو الذي شهدناه بعدما أزاحت المشاركات في المؤتمر الستار عن نصب وجدارية «المرأة المقاومة» التي صمّمها الفنان وجيه نحلة، هذا الستار الذي أسدلت ليل ظلماته في النضال ضدّ اليهود، إبنة حزب المفكر أنطون سعاده، مؤسّس الحزب السوري القومي الإجتماعي، الشهيدة سناء محيدلي ورفيقات من بعدها على مذابح الحرية الحمراء. إنّ هذه الصورة الجدارية ليست بحاجة لمن يجملها، إنها البداية والنهاية. وخير ما أسعدني في ذلك اليوم أيضاً، ما تقدّم به رئيس بلدية بيروت د. عبد المنعم العريس عندما أتحف المشاركات بالقول: «كان أوج المجد الذي وصلت إليه المرأة، ارتقاؤها إلى مستوى المرأة المقاومة، وفي تجربتنا اللبنانية لم تكتف المرأة بدور المساندة لأعمال المقاومة، بل ذهبت إلى ممارسة المقاومة فعلاً، وصولاً إلى السيادة، وإننا إذ نزيح الستار عن نصب وجدارية المرأة المقاومة في قلب بيروت، نؤكد على معنى المقاومة التي انطلقت من بيروت في عام 1982، وجسّدها الشهيد البطل خالد علوان». حقاً، لا مساواة إلا في محبة الوطن، ولا تكتمل المكتسبات إلا مع الذين يحبّون الحرية.
عضو اللجنة الثقافية المركزية في الحزب السوري القومي الاجتماعي