ندوة مناقشة وتوقيع كتاب «فيروس الثورات العربية» للدكتور كلود عطية في طرابلس
أقام منتدى الحوار الوطني الديمقراطي والمركز الثقافي القومي والرابطة الثقافية ندوة فكرية تمّت خلالها مناقشة كتاب فيروس الثورات العربية للدكتور كلود عطية، وذلك في القاعة الكبرى للرابطة الثقافية في طرابلس بحضور المندوب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي في الشمال زهير حكم، المرشح القومي في عكار إميل عبّود، رئيس الرابطة الثقافية رامز الفري، أساتذة الجامعة وفاعليات ثقافية واجتماعية وكوادر شبابية ومهتمّين.
أدار الندوة رئيس منتدى الحوار الوطني الديمقراطي عبدالله خالد وشارك في مناقشة الكتاب الأديب والكاتب الياس عشي والمحامي رياض نسيم، وانتهت الندوة بكلمة لمؤلف الكتاب الدكتور كلود عطية.
خالد
اعتبر عبدالله خالد في مداخلته أنّ الكتاب يقدّم إجابة موثقة عن الجهات التي خططت لقلب العالم العربي ومما قاله: «للثورة ثوارها وللخراف رعاتها والذئاب لا ترحم. والربيع العربي هو نتاج خريطة طريق عنوانها الوصول إلى جهنم الفتنة ونار الطائفية والمذهبية لسرقة النفط والغاز وثروات الأمة وتسويق المنتجات الغربية وعلى رأسها تجارة السلاح والمسلحين والإرهابيين ونشر فكر التخريب الذي يفتت الأمم ويسيطر عليها ويصنع ربيعاً يناسبه ويحوّله ساعة يشاء إلى خريف تتساقط أوراقه بإرادة الكاوبوي الأميركي والصهيوني المحتلّ والرجعية العربية المتأمركة والمتصهينة… وهكذا جسّدت الورقة الساقطة الأخيرة الربيع العربي المشؤوم التي توهّم الجهلة أنها ورقة التغيير المنشود دون أن يدركوا أنها تنقلهم من السيّئ إلى الأسوأ.
لذا فإنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو التالي: هل إنّ البوعزيزي التونسي الذي أشعل نفسه هو الذي أشعل العالم العربي من مصر إلى سورية؟ ولماذا بدأت في تونس وامتدت إلى مصر؟ ولماذا تونس ومصر شكلتا نقطة البداية؟
إنّ كتاب «فيروس الثورات العربية» للصديق الدكتور كلود عطية يقدّم إجابة موثقة بالوقائع للجهات التي خططت والقوى التي شاركت والوسائل التي نفذت على الأرض في سعي واضح لقلب العالم العربي الثائر على نفسه بأدوات واضحة الارتباطات وصولاً إلى فوضى عارمة تحقق الحلم الأميركي ـ الصهيوني ـ الرجعي في تفتيت المنطقة وإعادة تركيبها من جديد بشكل يجهض إمكانية قيام ثورة حقيقية في المنطقة تعيد الأرض لأصحابها وتسترجع ثروات الأمة المنهوبة وتحاسب من ارتضى أن يكون مجرد أداة في تنفيذ مشروع يغيّب العروبة ويشوّه الإسلام عبر الترويج لإسلام جديد اعترف الأميركيون والصهاينة بأنفسهم أنهم بصدد بلورة إسلام يشذّب ما ورد في القرآن ويخدم المصالح الأميركية – الصهيونية في المنطقة ويجعل الكيان الصهيوني القطب المسيطر على فسيفساء كيانات هزيلة تحكمها عصبيات طائفية ومذهبية وعرقية تجعلها أسيرة التناقض والصراع الدائم في ما بينها».
وأضاف خالد: «لنتذكر أيها الأخوة أنّ الربيع العربي حصل بعد صفقة تمّت بين الإدارة الأميركية والتنظيم العالمي للاخوان بوساطة أردوغانية تقضي برفع الفيتو عن وصول الإسلامويين إلى الحكم مقابل انخراطهم في المشروع الأميركي – الصهيوني وتحوّلهم إلى مجرد أداة في تنفيذ صفقة القرن التي تنهي قضية فلسطين. وهذا ما جعل حركة النهضة تقود الحراك في تونس والأخوان المسلمين في مصر يقودون الحراك في مصر بعد أن مهّدت الطريق منظمات دولية وغير دولية موّلها الغرب، وهذا ما تكرّر في كلّ الأقطار التي طالها فيروس الثورات العربية. أما لماذا بدأ هذا الحراك في تونس ومصر فلأنّ المنظمات الدولية التي ترعاها واشنطن والصهيونية قد تغلغلت فيها وأوجدت كوادر قادرة على تحريك الجماهير بشكل يسمح لقوة منظمة هي النهضة في تونس والأخوان في مصر بإحداث تغيير شكلي يلغي إمكانية حدوث التغيير الحقيقي. يُضاف إلى ذلك إنّ بن علي ومبارك كانا قد أصبحا عبئاً على المخطط الأميركي – الصهيوني. وبذلك ضمناً التغيير في القيادة دون المساس بالنظام. وهذا ما يفسّر عدم تحرك الجيش في البلدين لنصرتهما. وهذا ما حدث في ليبيا بعد أن استنفد القذافي إمكانية الاستفادة منه علماً أنّ الرغبة في تقاسم الثروة النفطية الليبية كانت هدفاً مركزياً للغرب.
إنّ مراجعة متأنّية للمخطط الغربي بتلاوينه المختلفة تعطي أهمية خاصة لضرورة احتواء سورية وصولاً إلى تفكيكها وإعادة تركيبها من جديد بشكل يلغي دورها المركزي في مواجهة المشروع الهادف إلى الهيمنة على المنطقة وثرواتها. وحين أقول سورية أقصد بلاد الشام وأرض الرافدين التي تشكل قلب العروبة المقاومة ونبضها النضالي عبر العصور».
وتابع: «لقد سعى الاستعمار منذ الحرب العالمية الأولى وعبر سايكس ـ بيكو ووعد بلفور إلى تقسيم سورية واقتطع منها أراضي حوّلها إلى دويلات تخدم أهدافه ويستطيع أن يستخدمها عند الحاجة كحصان طروادة. وزرع فكرة الكيان الصهيوني كسدّ بشري بين الأقطار العربية. ومنذ ذلك الوقت أصبح اللقاء بين بغداد ودمشق ممنوعاً والتباعد بين دمشق والقاهرة هدفاً استراتيجياً للغرب.
ومع تعدّد المشاريع الهادفة إلى تفتيت الأرض العربية برز مشروع بن غوريون عام 1953 كقاعدة مركزية لكلّ المشاريع الغربية التي تستهدف المنطقة التي استكملت بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي شكل فيروس الثورات العربية الإطار التنفيذي له والذي كانت خطة بندر – فيلتمان دليله النظري له والذي طبّق حرفياً في سورية. بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنّ غزو العراق كان من أبرز أهدافه تكريس فكرة تقسيم العراق وإيصال جيش الاحتلال الأميركي الى حدود سورية. والواقع انّ الهدف المركزي للمخطط الأميركي – الصهيوني بأدواته الرجعية والتكفيرية اليوم هو إطالة أمد الحرب في سورية وصولاً إلى تدميرها الكامل وإعادة بنائها ككيانات هزيلة طابعها عنصري وطائفي ومذهبي وصولاً إلى تثبيت الاحتلال الصهيوني وتنفيذ صفقة القرن الهادفة إلى تصفية قضية فلسطين التي تشكل الهدف المركزي لهذا الفيروس الذي زرعه الغرب في أرضنا مستخدماً الرجعية العربية والنظام العربي الرسمي كأدوات له.
عشي
ورأى الكاتب الأمين الياس عشي أنّ كتاب الدكتور عطية قادر على إجتياز كلّ الحدود للوصول إلى الناس، وجاء في مداخلته: «ما قرأت كتاباً إلا وتذكرت ما قاله الجاحظ في مقدّمة كتابه الحيوان حين تحدّث عن أهمية الكتاب، وعن معاناة المؤلفين في الوصول إلى كتاب يرضي قناعاتهم، ويكون في الوقت ذاته ثروة لمعاصريه والأجيال القادمة إذ يقول الجاحظ: «لأنّ كلّ من التقط كتاباً جامعاً وباباً من أمهات العلم مجموعاً كان له غنمه وعلى مؤلفه غرمه».
نحن إذن نناقش كتاباً بذل مؤلفه الدكتور كلود عطية جهداً كبيراً كي يخرج إلى الناس بثوب علمي بعيداً عن المشاعر وردات الفعل والعواطف الشخصية، ولم تنحصر معاناته في أثناء التأليف والبحث والأرشفة فقط بل لاحقه في بعض المنتديات التي رفضت مناقشته في صالاتها بحجج قد تقنع البعض ولكنها لا تقنع الكلّ.
على كلّ حال… عندما يخافون كتاباً وعندما يمنع من اجتياز حدود ما فهذا يعني أنّ هذا الكتاب بخير وإنه قادر على اجتياز كلّ الحدود للوصول إلى أيادي الناس وعقولهم وقلوبهم».
وأضاف عشي: «تصفحت» فيروس الثورات العربية» مخطوطاً قبل دفعه إلى المطبعة وعندما طلب مني الصديق الدكتور كلود عطية أن أهيّئ مدخلاً للكتاب لم أتردّد في القبول شاكراً له أن أفسح لي في المجال كي يكون لي دور ولو في صفحتين لهذا العمل المميّز.
كيف لي أن أبدأ؟
سأبدأ مع الروائية أليف شافاك في رائعتها «قواعد العشق الأربعون» حيث تقول بالحرف الواحد: «… ورأيت قرىً فقيرة وحقولاً سوّدتها الحرائق ومدناً وبلدات سلبت ونهبت وأصبحت الأنهار فيها حمراء ولم يبق فيها رجال أحياء يزيد عمرهم على عشر سنوات. لقد رأيت أسوأ وأفضل ما في الإنسانية».
هذا المقطع عاد بقوة إلى ذاكرتي وأنا أقرأ مخطوطة «فيروس الثورات العربية» للدكتور كلود عطية، فالحرائق التي اندلعت في أكثر بلدان العالم العربي تحت يافطات واحدة بتعابير مختلفة مثل «الربيع العربي» أو «الفوضى الخلاقة» أو «الشرق الأوسط الجديد أو الكبير» أو «حرب حرائق القارات» لم تبق حقلاً أخضر واحداً ولا حجراً من أحجار المدن التي بشرت بالعقل والحرف والشراع، وغيّرت العالم، ولا نهراً لم يتلوّث بلعنة بيلاطس في السكوت على قتل الأبرياء فيما الصغار والكبار الرجال والنساء الكلّ بدون استثناء يذبحون على قارعة الطريق فإذا نحن أيضاً أمام «أسوأ وأفضل ما في الإنسانية» كما قالت شافاك.
طالما تساءلت قبل أن أقرأ تلك المخطوطة: لم كلّ ذلك؟ لم سورية المتماهية بترتيبها الثالث بين دول العالم في استتباب الأمن؟ والثانية بعد الولايات المتحدة في الاحتياط السوري من القمح؟ والوحيدة التي لم تستعط البنك الدولي ومديونتها صفر؟ ونسبة المهاجرين السوريين في العالم لم تتجاوز نسبة 0،006؟ ولم.. ولم.. مئات من الأسئلة قضّت مضجعي وأجوبة كثيرة تراكمت عندي وكلها إعلامية الطابع وبحاجة إلى التدقيق حتى قرأت مخطوطة «فيروس الثورات العربية» فتوقفت عن السؤال وتأكدت انّ كلّ ما جرى وانّ كلّ ما سيجري يحمل توقيعاً واحداً هو التوقيع اليهودي.
استطاع كلود بجهد لافت وبموضوعية فريدة وببعد عن الهوى وبموسوعية تراكمية عبر سنوات اختصاصه في العلوم السياسية والاجتماعية، أقول استطاع من خلال هذه الصفات الأربع أن يرقى إلى مرتبة الباحث الذي يسعى إلى الحقيقة.
منذ السطر الأوّل من مقدّمة الكتاب يضعك الدكتور عطية في مواجهة التحدّي، كيف لا وسعاده هو فاتحة مخطوطته «إنّ العبد الذليل لا يمكنه أن يمثل أمة حرة لأنه يذلها» ومع مرور الصفحات تعلو لهجة التحدي والمواجهة ولا سيما عندما يصل الكلام إلى المحظورات. يكتب كلود عن صناعة الإعلام الذي يخدم المخطط الأميركي ويقول: «أخطر ما أنجزته المخابرات المركزية الأميركية والشبكة اليهودية التي تسيطر على المنظمات الداعمة للأمركة هو صناعة إعلام مؤثر يخدم الخطة الأميركية وصناعة طابور من الإعلاميين المستعدّين لتنفيذ الأجندة الأميركية. واستطاع هذا الإعلام المتأمرك المساهمة في افتعال معارك وشنّ الحملات لإحداث البلبلة في الشارع وممارسة التشويش الدائم لإشغال الجمهور بقضايا بعيدة عن المعركة الحقيقية».
وفي مكان آخر نقرأ: «… إنّ فكرة إطلاق قناة الجزيرة كانت فكرة يهودية عمل على تنفيذها الأخوان ديفيد وجان فيردمان وهما يهوديان فرنسيان».
أمام الكثير من هذه النماذج المؤرشفة والمنسوبة لأصحابها تشعر بالطمأنينة وأنت ترى أمامك أجيالاً أخرى، أجيالاً لم تكن قد ولدت بعد خاطبها سعاده وبشرها بالمعرفة والنصر وحضّها كي تسأل، كي تكتب، كي تقول، فشمّرت عن سواعدها فسألت، وكتبت، وقالت، وراحت تبحث عن الحقيقة. ولا أكون مغالياً إذا قلت إنها من الإصدارات النادرة التي أتممت قراءتها وشعرت بالحنين للعودة إليها لما فيها من المعلومات ولما تحمله من الفوائد، ولا سيما لمن يريد تفسيراً لهذا البركان الذي انفجر منذ سبع سنوات، وما تزال حممه تفرش أرضنا بالنار».
ويسأل عشي: «لماذا؟.. لأنّ هناك كما يقول المؤلف، فيروساً قاتلاً زُرع في الجسم العربي، وهو المنظمات الدولية والحكومية وغير الحكومية، التي كان لها الدور الأبرز في مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفي الربيع العربي».
وختم عشي بالثناء على مجهود الكاتب قاشلاً: «أحسنت يا دكتور كلود في اختيارك لهذه الخاتمة ومن تابع ما جرى في الأيام القليلة الماضية في جنيف ونيويورك يدرك تماماً أهمية ما قلته… فالمؤامرة مستمرة والفيلم الأميركي الطويل ما زال يعمل بنشاط.
هنيئاً لنا بهذا الكتاب الجديد، وهنيئاً لمكتبتنا العربية التي ازداد مخزونها الفكري بانضمام مولود آخر إلى رفوفها يحمل اسم «فيروس الثورات العربية» بتوقيع الدكتور كلود عطية.
نسيم
وقال المحامي الأمين رياض نسيم في مداخلته: «فيروس الثورات العربية»، كتاب جديد يتحدّث ويعالج واقعاً ملموساً لما سمّي الربيع العربي مع تشريح مفصل ومنهجية فكرية وثقافية وسياسية واجتماعية وبُعد تحليلي ثاقب مبنيّ على تطوّر الأحداث فإذا الكتاب كتاب فكر وسياسة واجتماع واقتصاد وبُعد تحليلي نفسي وسوسيولوجي عميق، إنه قراءة أنيقة عميقة متأنية لواقع ثقافي وسياسي واجتماعي واقتصادي وفكري حول ما سمّي «الثورات العربية».
لم يغفل الكتاب عاملاً من تلك العوامل إلا وتطرّق إليه متنقلاً في منهجية علمية من مرحلة الاستعمار العثماني والاحتلالين الإنكليزي والفرنسي مروراً بالحرب العالمية الثانية وهزيمة حزيران عام 1967 والحرب العراقية الإيرانية ومرحلة احتلال العراق للكويت، ثم إلى مرحلة تدمير العراق، ثم يتوغّل الدكتور عطية في التحليل السوسيولوجي لما سمّي الثورات العربية، وتحليل اقتصادي وسياسي واستراتيجي لها… كلّ ذلك بهدف رسم شرق أوسط جديد أو شرق كبير كما يسمّيه الكاتب وذلك بعد انهيار المخطط المرسوم في حرب تموز سنة 2006.
ينتقل الكاتب في بحثه متناولاً الاستراتيجية الأميركية تجاه ما يسمّونه بالإرهاب الإسلامي المتمثل باحتواء التيار الإسلامي، وخلق تنظيم داعش مترافقاً كذلك مع صناعة إعلام عربي وغربي يخدم المخطط الأميركي.
ويفصل الدكتور كلود دور المنظمات غير الحكومية العربية في قيام هذه الثورات، ويفضح بشكل منهجي وواقعي العلاقة المشبوهة بين هذه الجمعيات والثورات.
ولعلّ أفضل توضيح يقدّمه الكاتب لنا هو دور المنظمات غير الحكومية الدولية في تحريك تلك الثورات التي يتطرق الكاتب إليها وأدوارها.
لن أغوص في عمل ومهمات تلك المنظمات وأدوارها حتى لا أحرمكم متعة قراءة الكتاب، ولكن أقول بتجرّد إنّ كتاب الدكتور عطية غنيّ بما احتواه، فهو يقدّم الدليل الحسّي والمرجع العملي لكلّ فكرة أو عمل أو مخطط، مراجعة متعدّدة وغنية ومفصلة، ولعلّ الفقرة الأخيرة من الكتاب نجد فيها الخلاصة العملية لواقع الحال العربي.
يقول الدكتور كلود عطية: من هنا نستطيع الخروج بنتيجة تؤكد لنا بعد إجراء التحليلات اللازمة… بأنّ هناك فيروساً قاتلاً زرع في الجسم العربي، وهو المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية… وقد قامت المخابرات الأميركية ووزارة الخارجية بتحمّل القسط الأكبر من تمويل هذه المنظمات… ونجحت في اصطناع ثورات بعمل مخابراتي واستخباري ناجح، لم تطلق فيه رصاصة أميركية واحدة، ولا خسرت جندياً أميركياً واحداً.
إنّ كتاب الدكتور عطية جدير بالقراءة لما فيه من إضاءات واضحة وصريحة على واقعنا العربي. وله منّي دعوة صريحة للتوسّع في عناوين وفقرات مؤلّفه، فكلّ عنوان من هذه العناوين يحتاج إلى كتاب.
رغم عدم معرفتي العميقة بالدكتور كلود عطية، غير انّ كتابه أشعرني انّ معرفتي به تعود إلى سنوات عديدة إلى الوراء.
أشكر الرابطة الثقافية، ومنتدى الحوار الوطني الديموقراطي والمركز الثقافي القومي على دعوتهم لهذه الأمسية الثقافية، كما أشكر الأمين الأستاذ الياس عشي على اختياري لمناقشة هذا الكتاب.
أخيراً إني لا أدّعي مطلقاً إني قدّمت مناقشة فعلية لكتاب الدكتور عطية، وإنما كلّ ما أوردته قراءة واقعية لمضمون الكتاب.
عطية
أما مؤلف الكتاب الدكتور كلود عطية فأكد في كلمته أنّ كلّ ما يشهده العالم العربي ما هو إلا خدمة لمصالح الصهيو أميركية، أضاف: «تقول.. متى نلتقي؟ أقول.. بعد عام وحرب… تقول… متى تنتهي الحرب؟ أقول حين نلتقي… محمود درويش .
لما لا نلتقي… وبحرية… فنحن نحب الحياة لأننا نحب الحرية… ونحب الموت متى كان الموت طريقاً للحياة.. سعاده
لما لا نلتقي؟ طالما أنه ليس لنا من عدو يقاتلنا في وطننا وحقنا وديننا إلا اليهود.. سعاده
وهناك مقولة بارزة يردّدها خبراء العلوم السياسية والعسكرية تقول: «ابحث عن الصهاينة.. ستعلم لماذا يشتعل العالم». وإذا دققنا جيداً في أيّ أزمة في المنطقة وكلّ المؤامرات التي تحاك لدول المنطقة نجد أنّ الأصابع الخفية التي تحركها ولمصلحتها هي العدو الإسرائيلي..
من هذا المنطلق، إنّ الربيع العربي، وحسب استنتاجات كتاب «فيروس الثورات العربية»، هو ربيع غربي واسرائيلي بامتياز.. هو مجرّد صيغة جديدة لجغرافية الشرق الأوسط الجديد.. بالإضافة إلى تحقيق المصالح الاستراتيجية الأميركية التي تقوم على ثوابت ثلاثة: أوّلها، التحكم في تدفقات النفط والغاز وثانيها، حماية وجود وأمن إسرائيل وثالثها، منع قيام زعامات إقليمية، غير منضبطة يمكن أن تهدّد المصالح الغربية في المنطقة.
ولتحقيق المصالح الصهيو أميركية… تمّ استخدام الفيروس السرطاني المتمثل بدول ومنظمات دولية تنموية واستخباراتية وجماعات تكفيرية.. استطاعت الدخول إلى قلب العالم العربي الضعيف والمريض بالطائفية والمذهبية والتبعية… وحوّلته إلى عالم قابل للانفجار والتصارع الدائم..
من هذا المنطلق لا يمكن لهذه الثورات أن تتمّ وأن تتحوّل إلى كتلة من نار ودم.. وبهذه السرعة القياسية.. لولا هذا الفيروس.. ولكنها أيضاًَ أيّ الثورات ، لا يمكنها أن تحقق أهدافها في حال كانت الشعوب العربية تعيش حالة من الانسجام الداخلي حيث تعلو درجات المواطنية والشعور بالهوية والانتماء، لتشكل بذلك قوة صلبة وممانعة لهذا المرض ولأيّ تدخلات أو ضغوط خارجية..
ولكن.. نحن أمام عالم عربي منقسم على ذاته من جهة، ومقسّم لشعوبه من جهة أخرى، هذه الانقسامات ترجمت الحالة النفسية والاجتماعية الحقيقية للشباب العربي الغارق في بحر العصبية المذهبية العمياء من جهة، والفاقد للمفاهيم الوطنية المتمثلة بالمواطنة والانتماء والمقاومة الحقيقية للعدو الأساس المتمثل بالكيان الصهيوني الغاصب من جهة ثانية.
في النتيجة.. لا باحث، ولا مفكر، ولا عالم، يقف في وجه ثورة حق، أو في وجه التغيير الحقيقي نحو الأفضل في كلّ الشؤون الحياتية البشرية.. ولكن متى سكت أهل الحق عن الباطل ظنّ أهل الباطل أنهم على حق. لذا فالسكوت عمّا جرى، وما زال يجري في العالم العربي، جريمة بحق البحث والباحثين سواء أكانوا سياسيين أم سوسيولوجيين، ما أدّى بنا إلى كشف الحقائق كما هي، والعودة في التنقيب عن آثار الثورات وتداعياتها، إلى تاريخ نشوء المؤامرات العالمية وكيفية تخطيطها وأهدافها، وصولًا إلى مؤامرة الربيع العربي التي أوهمت آلاف الشباب العرب بأنهم يقودون ثورة الحرية التي ستخلد أسماءهم في التاريخ العربي المقاوم والثائر في وجه الظلم والطغيان. دُرّب هؤلاء على التغيير، في تنفيذ هذه المؤامرة بشكلها الأوّلي، بعد أن تدرّبوا تدريباً محكماً حول كيفية بناء الثورات، وطريقة إسقاط الحكومات، ليتحوّلوا بدورهم إلى طابور خامس دخل بين الجماهير العربية المنتفضة على الظلم ليفتعل بها، ويحوّلها برصاص القنص المفتعل إلى جماهير مقاتلة تطلق الرصاص الحيّ عوضاً عن صرخات الحق المطالبة بالحرية والكرامة ومكافحة الفساد.
هذا الأمر، دفع بنا إلى التساؤل عن الأسباب التي دفعت بهؤلاء الشباب إلى الخيانة العظمى؟ وكيف أتقنوا هذه اللعبة التخريبية التي حوّلت بلدان الثورات إلى ساحات قتل ومجازر بشرية؟ وكيف استقبل هؤلاء انقلاب هذه الاحتجاجات الشعبية على ذاتها بعد دخول الجماعات التكفيرية الإرهابية المسلحة التي قلبت كلّ الموازين السياسية والعسكرية والثورية؟ من هو المسؤول عن تدريب هؤلاء الشباب؟ وكيف استطاع اكتشاف نقاط الضعف النفسي عندهم، وضعف مناعتهم الوطنية والإنسانية والأخلاقية؟ وما هي الأساليب التي استخدمت للإيقاع بهم؟
كلّ هذه الأسئلة وهذه التحليلات، قابلة للنقاش العلمي والبحثي.. ونربطها بما أوردناه من معطيات ووثائق سرية وغير سرية في هذا الكتاب الذي أضعه بين أيديكم للقراءة والمعرفة والنقد البناء.