القمّة «البوتينية».. من سورية إلى أوراسيا
سماهر الخطيب
حملت القمة الثلاثية، الروسية التركية الإيرانية وما تضمنته من تصريحات والتي تزامنت مع انتصار الجيش السوري وحلفائه في الغوطة الشرقية، وفشل المشروع الأميركي السعودي في خاصرة دمشق لجعل الكثير من الاستراتيجيين لتسميتها بـ «قمة نجاح بوتين». حملت الكثير من الرسائل للإقليم وقوات التحالف الغربي.
وبالرغم من التوتر القائم بين روسيا والغرب وقضية «سكريبال» التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية الروسية إلا أنّ «طابخ السّم ذائقه»، بحيث كانت النتائج التي توصلت إليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تعزف على غير الإيقاع البريطاني الأميركي لتشكل ورقة قوة إضافية لروسيا دونما دراية أو تخطيط منها.
في هذا الصّدد، نقل بوتين انتصاره السياسي والدبلوماسي إلى نصر جيواستراتيجي بعد نجاحه في إقامة محور جيواستراتيجي مع دولتين إقليميتين ذاتَيْ تأثير عميق في المنطقة، هما تركيا وإيران.
ليكون هذا الحلف الجيو – استراتيجي، أول وأكبر إنجازات الرئيس بوتين، في عهده الجديد ولطالما أظهر ذكاءً غير عادي، ليصل إلى مستوى إعادة تحديد قواعد اللعبة في العالم بأسره من خلال إقامة محور نقيض للناتو تمثل في حلف شنغهاي وكذلك الحلف الأوراسي وهذا يُعدّ تطوّراً استراتيجياً، له تداعياته على المنطقة برمّتها.
وبتقديمه موعد تسليم منظومة إس-400 لتركيا، يحمل رمزية كبيرة، في دبلوماسيته الهادفة لسحب أردوغان نحو حلفه الأوراسي بحيث استفاق الأخير على «العمق الاستراتيجي» الذي يحقق له مصالح تتلاقى مع المصالح الروسية الأمر الذي شكّل صفعة كبيرة في وجه الغرب.
ولربما كان تقديم موعد تسليم منظومة «إس-400» الروسية لتركيا السبب المباشر في إعلان البيت الأبيض تأجيل خروج قواته من سورية. وفي هذا الشأن، فإنّ بوتين استطاع استصدار بيان ختامي لقمته أكد فيه على أمن واستقرار وسيادة سورية ووحدة أراضيها، واستحصل على اتفاق من نظيره التركي على تنفيذ ذلك. وبالتالي فإنّ الاحتلال التركي في عفرين ضمن هذا الالتزام، ما يلزم التركي بأن ينهي وجوده في الشمال السوري بعد انتهاء عملياته وإبعاد «وحدات حماية الشعب» عن الحدود.
كذلك، شدّد بوتين كما العادة على أنّ «مستقبل سورية ومصيرها يجب أن يتحقق بإرادة شعبها»، وضمان الالتزام بـ «القرار 2401 الصادر عن مجلس الأمن الدولي»، وبالتالي تسريع عملية التسوية السياسية، بعد الانتصارات المتتالية والمتسارعة في الميدان، ما يعني أن الحكومة السورية ستكون «المرجعية الأساسية في تقرير مستقبل سورية».
وبالتالي فإنه لا بدّ لخريطة الطريق التي أوجدتها روسيا في مسار أستانة باعتبارها المسار الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى خفض التصعيد في سورية، أن تؤدي مرادها نحو تسوية سياسية، ما يعني أنّ القمة الثلاثية أدّت عملياً إلى تحديد المسار الميداني- العسكري على نحو يجعل من الممكن إلحاق مناطق أخرى في سورية في مناطق خفض التصعيد القائمة حالياً.
وبالرغم من أنّ النظرة التركية تجاه الأكراد هي أنهم إرهابيون . لكن بوتين شدّد صراحة على «أهمية دورهم في العملية السياسية»، وتلك رسالة موجهة بشكل خاص إلى أردوغان. كما أن التلفزيون الإيراني نقل تصريحات عن الرئيس حسن روحاني مفادها أن ثمة «ضرورة انسحاب الجيش التركي من عفرين وتسليمها إلى الجيش السوري».
وفي مقابل التشديد على وحدة الدولة السورية، خاطب بوتين وكذلك روحاني، الهواجس التركية، لجهة تشديدهما على أنهما لا تدعمان أي كانتون كردي في سورية، وبالتالي فإن هذا يحتّم على تركيا أن تعيد ما احتلته في شمال حلب إلى الدولة السورية.
وضمن هذا السياق، ستنعكس هذه القمة «البوتينية» بامتياز على المشهد العالمي الأوسع، فارضة قواعد جديدة على المستوى الدولي.
ويظهر بأنّ استراتيجية بوتين الأوراسية الجديدة تؤكد الحلف الاستراتيجي مع إيران وتركيا، ما يشكّل ضرب مسمار في نعش المشروع الأميركي السعودي والتي هدف إلى تغيير وقائع جيوبوليتيكية، مستندة على فكرة «الحرب الدينية المذهبية». وبالتالي فإنّ هذا التحالف الثلاثي إذا ما تعزّز بعد انطلاقه من سورية، فإنه سيؤسس لمستقبل جديد على امتداد أوراسيا.
في ما يبدو أنّ العلاقات الروسية – التركية، تتجذّر أكثر فأكثر، مع تلاقي مصالحهما المشتركة، فالتوترات التركية السياسية والاقتصادية في الآونة الأخيرة جعلتها تنحو منحى توطيد العلاقات مع روسيا على مختلف المستويات متجاوزة تهديدات الناتو وتحذيراته لها.
بالإضافة لكون الاقتصادين الروسي والتركي، يحتاج كلاهما الآخر، ومن هنا يمكن فهم توطّد العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، مع العلم أنّ كليهما على نقيض في ما يخص موقفهما من حلف الناتو، ولكن من الممكن أن تبنى عليها تفاهمات سياسية، لأنّ القيمة المصلحية هي التي تحكم العلاقات بين الدول، فكيف الحال إذا كانت العلاقات الروسية التركية لا سيما على المستوى الاقتصادي، المتمثل في مشاريع الغاز والطاقة النووية والسياحة والتجارة والعسكرية.