قالت له
قالت له
قالت له: أتملك شيئاً يواسيني فأنا حزينة.
فقال لها: بضع كلمات فقط.
قالت: وهل تكفي الكلمات؟
قال: لا يصلح للمواساة شيء كالكلمات.
قالت: وما هي؟
قال: ما تظنينه لك، وقد ضاع منك، ربما تخسرينه ويعود. فلا تحزني وإن لم يعُد فهو لم يكن لك يوماً فلمَ يستحق حزنك؟
قالت: وإن كنت قد تسببت بالرحيل؟
فقال: تعتذرين. فالإعتذار كلمات تقع من القلب في القلب.
فقالت: لكنها ليست المرة الأولى، وقد فقد الاعتذار مهابته وصار يبدو سهلاً على الشفاه من دون المرور بالقلب ويسقط على الأذن من دون بلوغ القلب.
فقال لها: عندما يكون صادقاً يصل، وتسعفه وسائل الإقناع بصدقه. فغالباً ما تكون الدموع تعبيراً عن العجز والإقرار بحجم الخطأ والإصرار على طلب التسامح. وما من قلب لا يلين لدمع صادق.
فقالت له: لكنني أحبس دموعي، لأنني أكره ضعفي، وأريد أن أبقى أقوى من الاعتذار.
فقال: إذن ستخسرين بوعي وتصميم فلمَ تحزنين؟
قالت: لأن كبريائي أكبر من قدرتي على السعي ويصيبني بالشلل.
قال لها: إذن تصيرين عبدةً لكبريائك أو يصير عبداً لك. تفاوضا وقررا معاً، فالناس ليست عبيداً لكما.
قالت: ألا تؤمن بأن الأنوثة والكبرياء توأمان، وأن تجاهل ما بينهما ظلم وأن قسوة الرجولة في تطلّب الضعف ليست من الإنصاف.
قال: تتحدّثين عن رجل وامرأة؟
قالت: طبعاً.
قال: ولا يقبل اعتذارها.
قالت: لم تُجرّب بعد، لكنها فعلت من قبل ولا تعرف الاعتذار مشفوعاً بالدموع وتخشى الفشل.
فقال: فلتضع رأسها بين يديها وتعتذر، فيظنها تدمع وتظنّه لا يراها.
فقالت له: ها أنا أمسك رأسي بين يديّ وأعتذر.
فقال لها: ولمَ تبكين؟
فقالت: كي تصدق اعتذاري.
فأمسك برأسها يطبع قبلته على جبينها، ويقول: لا أقبل منك اعتذاراً، ودعي كبريائك ورأسك عاليين. وقد وصلت رسالتك صادقة فلا تعتذري بعد الآن. يكفي أن تضعي رأسك بين كفيك وتسبقيه بابتسامة فأتبلّغ النص بلا كلمات.
فرفعت رأسها وقد بلل الدمع وجنتيها تقبّل باطن كفّه وتقول ما أجمل المواساة عندما تأتي من قلب كبير.
تعانقا يتأبّط أحدهما الآخر ومضيا.