مَنْ هم المستفيدون من الإرهاب؟
د. وفيق إبراهيم
عملية قتل عشرات الكنديين في دهس متعمد، تنتمي إلى فئة الإرهاب الوهابي المتطرف، الذي يضرب في الغرب الأميركي والأوروبي بسهولة تثير العجب وتزيد من معيار الشكوك. فإذا كان هدف هذا الإرهاب الانتقام من الغرب، لأنه بدأ يتخلى عنه ظاهرياً، فإنه لم ينجح بتحقيق ذرة واحدة من مشروعه، بل يبدو أنّ الأمور بدأت ترتدي شكل تنظيم حملات أوروبية ـ أميركية لاجتياح «المشرق» كما كان يحدث في القرون الخوالي.
أما إذا كان هدفه تدمير النموذج الغربي لتناقضه مع النمط الوهابي، فهذا أمرٌ مستحيل وبعيد المنال وبحاجة إلى جهود امبراطوريات لديها القدرة على المجابهات الاقتصادية والثقافية والعسكرية. المفتوحة بالاستعداد والزمن الطويل.
وهذا ما لا تستطيع المنظمات الإرهابية فعله.. ما يوجب التمعّن في هذه العمليات وقدرتها على التنقل المريح بين الأميركيتين وأوروبا وأستراليا واستهدافها «المدنيين الغربيين فقط»، في حين أنّ المؤسسات الأمنية لهذه القارات لديها القدرة حتى على رصدِ حركة الذباب.
يُمكن أيضاً ملاحظة بدء هذا النمط الإرهابي في بلدان الغرب مع تراجع دوره نسبياً في العالم الإسلامي واستعصاء الدولة الوطنية في سورية عليه.
أما الأكثر غرابة فمتجسّدٌ في تركيز الغرب الأوروبي والأميركي على قصف مراكز الدولة السورية ومؤسساتها العسكرية باختلاق اتهامات إرهابية، مزعومة لها. ويتكرر هذا القصف على نحو يؤكد أنه وسيلة لحماية الإرهاب الفعلي ودوره. وإلاّ كيف يمكن فهم هذا العدوان الغربي المتكرر بذرائع مشبوهة تستهدف الدولة السورية التي تقاتل الإرهاب منذ عقد تقريباً، قتالاً ضروساً مستمراً وصل إلى حدود اجتياح سورية من قبل مئات آلاف الإرهابيين الذين تلقوا دعماً عربياً وإقليمياً ودولياً وعلى «المكشوف».
بالمنطق الاستدلالي البسيط الذي يتعلمه اليافعون، يمكن طرح التساؤل التالي: سورية تقاتل الإرهاب بوضوح ساطع كالشمس، والقوات الأميركية ـ الأوروبية تقصف الجيش السوري. ماذا يعني ذلك؟ لا يمكن تفسير هذا الدور الغربي إلاّ بدعم منظمات داعش والنصرة ومثيلاتهما.. قد يكون دعماً غير مباشر للإرهاب، لكنه لا يمكن إلاّ أنّ يوضع ضمن هذا الإطار لأن المستويات السياسية في الغرب الأوروبي والأميركي، ليست بحاجة لنسج علاقات مباشرة مع المنظمات الإرهابية، طالما أنّ وزير خارجية قطر السابق حمد بن الجاسم آل خليفة اعترف أن قطر وتركيا والسعودية تلقت طلباً من الدولة الأميركية بدعم منظمات الإرهاب في سورية والعراق.
فإذا كان الغرب قادراً على تفكيك الإرهاب على مستويي الفكر والممارسة.. فلماذا لا يفعل؟ خصوصاً أنه يعرف أنّ المؤسسات الوهابية السعودية المنتشرة على شكل مساجد وأندية ومعاهد في أوروبا والأميركيتين وأستراليا وصولاً إلى اليمن ومصر وسورية، لا تزال بإنفاق مئات المليارات تمارس تلقين الفكر الإرهابي الرافض للآخر بكل أشكاله وألوانه. وتشجّع على قتله فقط وليس محاولة ايجاد قواسم مشتركة معه. هذا هو فكر الخوارج الذي جسّده ابن تيمية واعتنقه محمد بن عبد الوهاب وطبّقه بقتل نصف سكان جزيرة العرب والعراق واليمن منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين بواسطة ورثته آل سعود.
يبدو أنّ الغرب بحاجة إلى هذا الإرهاب لتبرير حركاته الجيوبولتيكية بالهيمنة على العالم الإسلامي سياسياً وثقافياً مع كامل حرصه على منع انتقال الثقافة الغربية إلى هذا العالم.. والمنع ليس حركة مباشرة بل تأتي على شكل دعم أنظمة تفرض الشكل الثقافي للقرون الوسطى بالقوة والمال والدين.. أليس هذا حال الأنظمة في الخليج؟ ومعظم العالم الإسلامي.. فهذا واضح في إصرار غربي على سجن المشرق العربي في عصر الخرافات.. ودعم كوريا الجنوبية التي أصبحت قوة اقتصادية كبرى من دون أنّ يكون عندها الحد الأدنى من الثروات المعدنية.. لديها فقط فكر وعلِم وإرادة.. وهذا ما ينقص العرب.
فهل هناك أسباب إضافية لفضِ الطرف الغربي عن هذا الإرهاب؟
لقد شكل في البداية «حاجة غربية» لتفتيت المشرق العربي والعالم الإسلامي.. والدليل «مراوغة» القوات الأميركية والأوروبية في القضاء عليه. والدعم الإقليمي ـ العربي له بوضوح كلي والهجمات الغربية على الدولة السورية.
أما الآن وبعد تراجع النفوذ الأميركي نتيجة طبيعية لتقهقر الإرهاب، كان لا بد من إحداث تغيير في المخطط القديم.. وأصبح المطلوب توفير «الظروف الغربية المناسبة» للعودة إلى أسلوب الاجتياحات العسكرية الكبرى. وهذا يحتاج إلى مبرر داخل المجتمعات الغربية، التي كانت دولها قد انكفأت نحو الاستعانة بقوة الإقليم لتأمين مصالحها.
فهذا الإرهاب المتنقل بين أميركا وأوروبا وأستراليا، يدهس قاتلاً المئات من مدنيين لا علاقة لهم بما يجري في الشرق الأوسط.
وتجري عمليات السفك في بلدان يعمل فيها عشرات الملايين من المسلمين، ويوجد فيها ملايين من المسلمين الوطنيين كحال السود في أميركا والكثير من المجنّسين في أوروبا؟
هذا يكشف عن وجود أهداف متنوعة من عمليات الإرهاب في أوروبا وأولها هؤلاء المسلمون العاملون في الغرب، وذلك بإثارة صورة كريهة عن الإسلام بشكله الإرهابي القاتل للنساء والأطفال والأبرياء.. واضعاً مصير هؤلاء تحت رحمة نظام اقتصادي غربي لن يتردد لحظة في طردهم لحظة يشعر بتراجعه أو يؤمن بديلاً منهم.. وهذا يؤدي فوراً إلى إثارة اضطرابات داخل البلدان العربية والإسلامية.
هذه واحدة من أوراق الغرب.. لكن هدفه الأساسي، إيجاد تبرير لإعادة غزو المشرق بذريعة الدفاع عن الحضارة الغربية؟ وهذا يفترضُ إقناع «المواطن الغربي» بصوابية هذا الأسلوب الذي يجري تنفيذه على وقع الانتقال الهادئ من مرحلة النفط إلى مرحلة الغاز.. بالتزامن مع عودة روسيا إلى القرار الدولي والصعود الصاروخي للصين.
وبذلك تتأمّن الظروف الملائمة لاجتياح غربي جديد، لا يزال بحاجة إلى تفاهمات مع الروس والصينيين، وتفتيت الدولة الوطنية في سورية، آخر معقل نجح في ردع المشروع الأميركي وكسر شوكة الإرهاب، وضرب النفوذ الإقليمي لإيران.. وهذه عناصر هامة لا تزال تحول دون هذا الغزو الغربي.. وتؤكد في آن معاً أنّ التحالف الروسي ـ السوري ـ الإيراني يفهم اللعبة الأميركية التي تبدأ باستهداف طرف تمهيداً للوصول إلى الآخر.. وهكذا دواليك.
لقد وصل الجنون الأميركي إلى حدود التفكير جدياً بعمليات غزو واسعة تترافق مع تدخل علني وكثيف في الانتخابات التي تجري في أكثر من بلد عربي بالمال السعودي والفكر المذهبي والعرقي. ألا يمكن اعتبار اغتيال القائد الحوثي الصماد بطائرات التحالف الغربي، حركة أميركية تعجز عنها السعودية التي تكتفي بالدعاء لرب العالمين وشكره والقصف الأعمى الذي يقتل المدنيين.
هذه هي الرأسمالية الأميركية المتوحّشة التي تنشر القيم في ثقافات متنوّعة، وتمارس القتل الجماعي للسطو على ثروات الأرض.. فأين الفكر الإسلامي الصحيح يدافع عن أراضيه التاريخية؟