نبيه بري… السهل الممتنع
مصطفى الفوعاني
يرى البعض أنّ الرئيس نبيه بري امتلك ما لم يمتلكه غيره من السياسيين في لبنان والعالم العربي والإسلامي، من حيث الكاريزما القيادية، النبرة الخطابية، يُضاف إليها الأسلوب الأدبي الراقي… إلى ما يُعرف بتدوير الزوايا، ومهندس طاولات الحوار، وغيرها الكثير الكثير من مصطلحات ومفاهيم، تميّزت بها شخصية الرئيس بري وتفرّدت.
هو رجل الدولة، صاحب الباع الطويل في جمع ما يوحّد اللبنانيين، ويعزّز وحدتهم الداخلية والوطنية، وهو الوحيد الذي أفرد للمقاومة حيّزاً أساساً في حياته، واعتبرها قدراً لا خياراً، هو الوحيد الذي سعى إلى رأب الصدع في العلاقات العربية – العربية، والعربية الإسلامية، والعربية – العالمية…
تشهد على ذلك مشاركته وترؤّسه عشرات المؤتمرات العالمية والإسلامية والعربية والداخلية، لم ولن تغيب فلسطين عن ذاكرته الجمعية، بل احتلت العنوان الأساس في دعوته لمصالحة فلسطينية – فلسطينية بهدف توحيد كلّ الجهود والطاقات في مواجهة التحديات الصهيونية.
سُفِح حبر كثير في قراءة الأرقام وتحليلها بعد 8 أيار 2018، فمن محاولٍ إظهار أنّ شعبية حركة أمل تراجعت… إلى قراءة أنّ الحركة حازت كتلة وازنة فاقت ما كانت عليه سابقاً… إلى قراءات تؤكد أنّ كلّ محاولات التهشيم والتهميش باءت بالفشل… لكنه ـ نبيه بري ـ خارجاً كطائر الفينيق أشدّ قوة من ذي قبل…
فات الجميع أو معظمهم، الجوانب الأساس في شخصية الرئيس نبيه بري، وهي صفات جعلته يتبوّأ وعن جدارة لقب «السهل الممتنع» سياسياً، إذ من المسلّمات التي لا جدال معها أنّ أدبية الرئيس بري صبغت أسلوبه الراقي إنسانية وأخلاقاً…
مع بدء حمّى الحملات الانتخابية، والتي استحضرت معها الآلاف من عبارات شدّ العصب المذهبي والطائفي والمناطقي وصولاً إلى مستوى الابتذال الذي لم تشهده الساحة من قبل.
وسط كلّ ذلك، جاء خطاب الرئيس نبيه بري خطاباً تجاوز كلّ العصبيات، ودعوة صريحة لحفظ الوطن، مطلقاً شعار الإمام الصدر «احفظوا وطنكم قبل أن تبحثوا عنه في مقابر التاريخ فلا تجدونه»، وتجلّى ذلك في برنامج انتخابي تفرّد بين البرامج بما حمله من أبعاد وطنية ذات أبعاد استراتيجية، ولا سيما ما يتعلق بمستقبل لبنان واقتصادياته ومقاومته… والمستقرئ لنص حركة أمل الانتخابي لن يعثر على مفردة طائفية أو مذهبية أو مناطقية… فالوطنية فعل إيمان لا مجرد شعارات.
استطاع الرئيس نبيه بري حفظ المقاومة، وهو ابن أبيها وابن طلقتها الأولى، منطلقةً من عين البنية في بعلبك – مبتدأ المقاومة وخبرها – نحو الذوْد عن قرارها لكلّ الوطن… ألم يطلق الرئيس نبيه بري شعار «المقاومة باقية باقية باقية» وصولاً إلى «خذوا ألف مجلس نيابي ولن نتخلى عن المقاومة»؟…
لم يكتفِ الرئيس بري بالشعارات، بل تراه يطلب من قيادة حركة أمل التنسيق التامّ مع الحلفاء ولا سيما حزب الله، وذلك بوجوب إعطاء فائض الأصوات لنائب آخر وهذه قمة الإيثار… سقطت اعتبارات الأصوات طالما أنّ اللائحة نجحت بكامل أعضائها ووصلت الرسالة إلى مَن أراد بهذا الوطن شراً. خرقت كلّ اللوائح في لبنان ونجحت لوائح الأمل والوفاء دون استثناء…
نجح الرئيس نبيه بري صباح الثامن من أيار يوم تمنّى على نائب جبيل أن يبقى ضمن فريقه الأول، وهذا قمّة الوفاء… هكذا تكون الرجال الرجال، لم يسعَ إلى نفخ الأحجام كما يسعى البعض، فمَن كان مع الرئيس بري فهو في كتلة لبنان – الإنسان.
صوت الانتخابات أراده الرئيس بري استفتاء حول المقاومة وإمامها، الإمام القائد السيد موسى الصدر، ها هو اليوم مجدّداً، وكما عام 2006، يحمي وجه المقاومة ودورها وظهرها ويحفظها بأصوات أبناء حركة أمل ليقول للعالم «لا أحد يستطيع أن يفرّقنا، مَن أراد أن يحاور حزب الله يأتِ لعندي، ومَن أراد أن يحاور حركة أمل يذهب إلى الأخ السيد حسن نصرالله».
تثبت الأيام والمقبل منها، أنّ الرئيس نبيه بري رجل لبنان الأوّل، لا يُغلّب مصالحَ آنيةً على أبعاد استراتيجية، لم ينزلق إلى مهاترات أرادها البعض، هذا البعض الذي ما زال تلميذاً يحبو… وعليه أن يدخل في مدرسة نبيه بري الوطنية الجامعة، ولذلك سنراهم يفترشون الأرض، يمسكون أقلامهم بقوة، يتعلمون الحرف الأول في سياسة الوفاء والإيثار… ولن يقعوا على بطولات وهمية من نسج خيال مريض… ما زال غير قادر أن يخرج من شرنقة عُقده…
يخوض الفرقاء معاركهم بجيوش العصبية، والمال السياسي، وبذور الشقاق، ويخوضها الرئيس بري بعناوين واضحة لم يبدّل حرفاً في أفكارها.
هو السهل الممتنع: سهل الحوار وطي صفحة الماضي نحو أفق جديد… وهو الممتنع: في كلّ ما من شأنه تهديد الوفاق الوطني والعيش الواحد، وكرامة الإنسان…
بعد يوم الأربعاء ليس كما قبله، مطرقة الرئيس سترسم خطوط المرحلة، يتحلّق الجميع ليصغوا إلى طرَقَات تحفظ: الوطن والمقاومة والمؤسسات…