قراءة هادئة لانتخابات صاخبة في تركيا غداً
د. هدى رزق
لا يزال المرشح الرئاسي لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش قابعاً في السجن، يواجه مجموعة كبيرة من اتهامات الإرهاب الواهية، ويتعين عليه القيام بحملته بمساعدة زوجته عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يديرها مستشاره. كما أن حوالي 56 من رؤساء البلديات الذين قد ينضمون إلى العملية الانتخابية هم أيضاً وراء القضبان بتهم مماثلة. فلا يكاد يمر يوم واحد دون تخريب مكتب لحزب الشعوب الديمقراطي من قبل مساندي الحكومة. عدا عن المشكلات الأمنية التي أدت الى سقوط ضحايا بين مؤيدي حزب العدالة والتنمية من الأكراد وآخرين من حزب الشعوب الديمقراطي.
ألتساؤلات الرئيسية في الانتخابات التركية المبكرة هي ما إذا كان حزب الشعوب الديمقراطي سيكون قادراً على تجاوز عتبة الـ10 في المئة. وهو أمر ضروري لكي يدخل البرلمان. الفرق بين الدخول في البرلمان من عدمه هو حوالي 60 مقعداً في البرلمان المؤلف من 600 مقعد. ويمكن أن يحدد هذا الاختلاف ما إذا كان التحالف بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم سيكون قادراً على تأمين أغلبية في الهيئة التشريعية.
لا يضمن الحزب تجاوز العتبة، وفقًاً لمسؤوليه. وقال صلاح الدين ديميرتاش، إن موقف حزبه من حزب العمال الكردستاني كان خطأ. لكن أردوغان، ومسؤولون في حزب العدالة والتنمية، وزعيم حزب الحركة القومية، دولت بهشلي، الذي ينتمي حالياً إلى تحالف مع أردوغان، يدين حزب الشعوب الديمقراطي ويتهمه بأنه «حزب إرهابيبن»، لكن يبدو أن هناك نزعة متنامية ليس فقط بين الناخبين اليساريين والليبراليين، ولكن أيضاً بين ناخبي حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي والناخبين الأكراد المحافظين، للتصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية غداً الأحد. صحيح أن عدداً من الأتراك يفكرون الآن مرة أخرى بجدية في التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، ليس لأنهم يحبّونه أو يدعمونه، ولكن ببساطة لأنهم يريدون مساعدته على الدخول إلى البرلمان. وبالتالي منع الرئيس أردوغان من الحصول على أغلبية برلمانية.
اما محرم انجي المرشح عن حزب الشعب الجمهوري فهو يركز على انه ليس لدى الحزب ترتيبات خاصة للتجمّعات، مجرد ملصقات وإعلانات. وليس لديه الكثير من المال مثل حزب العدالة والتنمية. ولكن في كثير من الأماكن تكون الحشود كبيرة وشدّد على أنه إذا ما تم انتخابه رئيساً فإنه «سيحرّر وسائل الإعلام متعهداً بأنظمة تشريعية من شأنها أن تمنع أصحاب وسائل الإعلام من التمكن من المزايدة على المناقصات الحكومية وتلقي الأموال من البنوك العامة».
السؤال الأكبر هو ما إذا كان سيعاد انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الأولى في 24 حزيران/ يونيو. وتعتمد إعادة انتخابه في الجولة الأولى على ثلاثة عوامل رئيسية.
1 – قدرة تحالف المعارضة الذي شكله حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب السعادة على اجتذاب الأصوات من تحالف أردوغان أي حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى.
2 – قدرة الحزب الشعوب الديمقراطي الذي يركز على جذب الناخبين الأكراد من حزب العدالة والتنمية.
3 – قدرة حزب الحركة القومية على استعادة الأصوات التي خسرها أمام حزب الجيد.
ويبدو أنه لا تزال هناك إمكانات داخل حزب الحركة القومية لجذب بعض الأصوات التي فقدها لحزب الجيد، خاصة في الدوائر الانتخابية الصغيرة، من خلال الإشارة إلى الوظائف والعناوين المحتملة للدولة إذا كان تحالف حزب الحركة القومية مع العدالة والتنمية سيستمر بعد الانتخابات.
هناك أيضاً احتمال أنه إذا انخفض مؤشر التصويت للحركة القومية إلى أقل من 5 في الانتخابات، فإن زعيمه قد لا يتمكن من دخول البرلمان بسبب صغر حجم دائرته الانتخابية، «عثمنلية» بالقرب من الحدود السورية. ويمكن لذلك أن يسلط الضوء على أكشينر كمغناطيس لنواب اليمين والوطنيين في البرلمان.
اما قدرة حزب الشعوب الديمقراطي على اجتذاب الأصوات الكردية من حزب العدالة والتنمية هي علامة استفهام كبيرة. يعتقد أن بعض الناخبين الأكراد من حزب العدالة والتنمية أي نصف الأصوات الكردية يمكن أن يذهبوا إلى حزب الشعوب الديمقراطي أو يمتنعون عن التصويت كردّ فعل ضد تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية التركي، وكذلك ضد العمليات الأمنية الكبيرة في الشرق والجنوب الشرقي ضدهم.
لكن الحافز الرئيسي للناخبين الأكراد في حزب العدالة ليس مشاعر القومية الكردية، ولكن العقيدة الإسلامية، الطريقة التقليدية للحياة وفرص الدخل التي يعتقدون أنها أسهل من خلال دعم حزب العدالة والتنمية.. لذا سيكون من المفاجئ أن تحدث تحولات ذات مغزى من حزب العدالة والتنمية إلى حزب الشعوب الديمقراطي، خاصة وسط تكهنات حول مخالفات التصويت في المقاطعات الشرقية والجنوبية الشرقية التي تحرمها الحكومة . أما إذا تمكّن التحالف بقيادة حزب الشعب الجمهوري من سحب الأصوات من التحالف بقيادة حزب العدالة والتنمية، فإن هذا هو العامل الرئيسي الآخر الذي سيحدد نتائج الانتخابات. حقيقة أن مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة، محرم إينجي، ثبت أنه أكثر شعبية مما كان متوقعاً وكان أكبر مفاجأة لهذه الحملة الانتخابية، وربما أدّى إلى توقعات مبالغ فيها حول نتائج الانتخابات. والحقيقة هي أن إنجي تمكّن من تعزيز أصوات حزب الشعب الجمهوري الذي كانت معنوياته منخفضة بسبب هزائم الانتخابات المتكررة.
لكن هذه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستكون أكثر الاختبارات جدّية لأردوغان فما هي السيناريوهات المحتملة.
اولاً هو فوز اردوغان من الجولة الاولى، بحيث يحتفظ بأغلبية نيابية ويفوز في الانتخابات الرئاسية.
ثانيا فرص فوز رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية كبيرة، لكن نتيجة الانتخابات البرلمانية يمكن أن تؤثر في نتيجة الانتخابات الرئاسية.. بحيث يفقد حزب العدالة والتنمية الأغلبية في البرلمان مما قد يغرق تركيا في فترة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. ومن غير المستبعد أن يقود هذا الأمر إلى انتخابات جديدة. كما حصل في حزيران يونيو 2015.
ثالثاً المعارضة، تفوز بالانتخابات الرئاسية، وحزب العدالة والتنمية بالبرلمان. هذه النتيجة ستغرق تركيا في استقطابات حادة وأزمات.
رابعاً فوز محرم إينجي، من حزب الشعب الجمهوري، في الجولة الثانية، وحصول المعارضة على الأغلبية في البرلمان، مما قد يحدث تغييرات عميقة في البلاد، في الاقتصاد وفي العلاقات مع الغرب التي تدهورت بشكل حادّ في السنوات الأخيرة.
كل الاحتمالات في هذه الانتخابات واردة بانتظار النتيجة.