ديفيد هيرست: قطر والكويت أنقذا الأردن في أزمته الأخيرة لا السعودية!
نشر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست مقالاً في موقع «ميدل إيست آي»، تحدث فيه عن تفاعل دول الخليج مع أزمة الأردن، ومؤتمر مكة المتأخر الذي دعم الأردن لتحسين وضعه الاقتصادي، كاشفاً لأول مرة عن أن أمير قطر هاتف العاهل الأردني خلال الأزمة، فيما أشار إلى أن الدعم الكويتي أقر قبل اجتماع السعودية.
ويرى هيرست «أنه ليست المملكة العربية السعودية من أنقذ اقتصاد الأردن المعتل، وإنما الكويت وقطر هما من أنقذاه». كما تحدث عن وجود فراغ قيادي سعودي في المنطقة، مشيراً إلى الدور المستقل الذي باتت تلعبه كل من الكويت وقطر.
وفي ما يلي المقال كاملاً:
لم تهب المملكة العربية السعودية لنجدة الأردن بحزمة مساعدات قيمتها 2.5 مليار دولار، رغم أن الملك سلمان رغب في أن يبدو الأمر كما لو أنها فعلت ذلك.
الذي حصل هو أن الملك سلمان حاول ادعاء الفضل لنفسه، رغم أن الكويت هي التي تعهدت بدفع المبلغ، وما نجم عن ذلك كان تسابقاً من دول الخليج المتنافسة والمتخاصمة على دعم الأردن.
دعم مالي كبير
كان الملك عبد الله قد أرسل مبعوثاً له إلى الكويت قبل أن تنفجر المظاهرات في الشوارع الأردنية احتجاجاً على ارتفاع الأسعار وعلى خطة لزيادة ضريبة الدخل، بحسب ما صرح به لموقع ميدل إيست آي مصدر مطلع مقرب من الديوان الملكي الأردني. كان يتواجد في الأردن أثناء الاحتجاجات وزير دولة كويتي، ونتيجة لذلك تعهدت الكويت بإيداع 500 مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني ووعدت بإعطاء الأردن 500 مليون دولار أخرى على شكل قروض بفوائد منخفضة.
وجاءت الطرقة الأخرى على باب الأردن من قطر، حيث اتصل أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالملك عبد الله وعرض عليه دعماً مالياً قطرياً كبيراً. لم يجر الإعلان عن تلك المكالمة الهاتفية بناء على طلب الأردن، الذي كان ما يزال يأمل في أن تبادر المملكة العربية السعودية بشيء من طرفها.
إلا أن المملكة العربية السعودية لم تهب لنجدة الأردن بحزمة مساعدات قيمتها 2.5 مليار دولار، رغم أن الملك سلمان كان يرغب جداً في أن يبدو الأمر كما لو أن المساعدة جاءت من طرفه.
واليوم المقصود الأربعاء الماضي وصل إلى الأردن كل من وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ووزير المالية القطري للتفاوض على حزمة المساعدات، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أن قلص الأردن علاقاته مع قطر نتيجة للضغوط التي مارستها عليه السعودية لتنفيذ الحصار قبل عام تقريباً. وكانت وزارة الخارجية القطرية أعلنت أن قطر قررت مساعدة الاقتصاد الأردني بشكل مباشر من خلال توفير أكثر من 10 آلاف وظيفة ومبلغ قدره 500 مليون دولار.
بعد ساعات من المكالمة الهاتفية التي جاءت من قطر، وربما بسبب استشعاره للتحرك القطري، اتصل الملك سلمان بالملك عبد الله. ما تم من اجتماع بعد ذلك ضم أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر وأمير دبي ورئيس وزراء الإمارات محمد بن مكتوم، الذي من المفروض نظرياً أنه الرجل الثاني بعد الرئيس.
اتصل الملك سلمان بالحاكم الفعلي للإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد إلا أن هذا الأخير رفض القدوم، ومثل الإمارات في الاجتماع محمد بن مكتوم.
من خلال مكر سعودي، أدخل المليار دولار الذي تعهدت به الكويت ضمن حزمة المساعدات الكلية التي أعلن عنها سلمان كما لو أن ذلك هو ما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع. ولكن في واقع الأمر، السعودية والإمارات قدمت أقل بكثير مما قدمه الكويتيون حيث قسما المبلغ المتبقي وهم 1.5 مليار دولار بينهما.
فراغ قيادي سعودي
وتبعاً لذلك ساد الديوان الملكي الأردني شعور بالخيبة من تصرف سلمان لأن الأردن كان قد تلقى فعلاً مليار دولار من الكويت، وكان الأردنيون يتوقعون أن يأتيهم من المملكة العربية السعودية ما هو أكثر من ذلك، وخاصة أن السعوديين توقفوا عن تمويل الأردن لمدة عامين.
ما الذي يعنيه كل ذلك؟
يعني أولاً أن الملك سلمان أصيب بالذعر ففزع إلى رد فعل ما بمجرد أن أدرك وجود فراغ قيادي سعودي في المنطقة وأن هذا الفراغ راحت دول خليجية منافسة له تملأه. لقد حاولت الكويت، ولكن فشلت في، لعب دور الوسيط في الأزمة التي فجرها الحصار المفروض على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ولكنها في نفس الوقت دخلت في مواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة حول غزة.
ثم جاء التجاوب الكويتي مع أزمة الأردن ليشكل مؤشراً آخر على أنه لم يبق كثير من الود بين الكويتيين السعوديين. وكانت الولايات المتحدة قد أحبطت بياناً يدعو إلى تحقيق مستقل في عمليات قتل المتظاهرين الفلسطينيين على حدود غزة، وهو البيان الذي صاغته الكويت، العضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي.
بعد محاولتها للتنمر على مجلس التعاون الخليجي وحمله على الخضوع لها، كل ما نجحت فيه المملكة العربية السعودية هو شق هذا المجلس. فراحت الكويت الآن تضع سياسات، خاصة بها بدرجة من الاستقلالية لم يسبق لها أن مارستها. ويمكن أن يقال الشيء ذاته عن قطر.
ويعني ثانياً أن الملك عبد الله الذي زار الكويت يوم الثلاثاء بات بعد هذه الحزمة من المساعدات أقل تقيداً بالمملكة العربية السعودية مما يظنه كثير من الناس. لا يتمتع السعوديون بسطوة على الأردن كما قد يتهيأ للبعض بسبب العناوين الإخبارية التي تحدثت عن مبلغ 2.5 مليار دولار.
نعم، هناك ما يقرب من 400 ألف أردني يعملون في السعودية وتحويلات هؤلاء تعادل ما يقرب من 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للأردن. ولكن الأردن لديه الآن مصادر أخرى من التمويل، من دول خليجية أكثر قربا من القضايا التي تهم الأردن مقارنة بمواقف الملك سلمان. وأقول الأردن، وليس الملك نفسه، لأن ذلك في حد ذاته بات عاملاً مهماً.
لا بد من تغيير الصيغة السياسية
يدرك الملك عبد الله أن شرعيته لا تعتمد على شراء دعم شعبه. وأكثر من أي وقت مضى منذ أن وصل إلى العرش، لابد أن يأخذ بالاعتبار إرادة الشعب بشأن التوجه السياسي للمملكة.
إن احتجاجات الأسبوع الماضي واستمرار التوتر مع عشيرة بني صخر، التي ألقي القبض على زعيمها فارس الفايز يوم السبت بعد أن طالب بتغيير سياسي، يشكلان معاً تحذيراً موجهاً إلى الملك بأنه لم يعد بإمكانه افتراض أن بإمكانه ضمان الولاء المطلق من قبل شعبه، وهذا هو الفايز ينتهك قاعدة غير مكتوبة حينما تجرأ بشن هجوم شخصي على الملك في العلن.
لم يكتف بالقول إنه يريد تغيير الصيغة السياسية، بل أضاف: «لن نقبل بك يا عبد الله ملكا ورئيس وزراء ووزير دفاع وقائد شرطة ومحافظاً، بحيث تكون أنت كل شيء. لقد أصبحت نصف إله، بموجب هذا الدستور، ونحن العبيد».
ما يراه الأردنيون بات مهما، وهذا أيضاً عامل يقيد قدرة سلمان على فرض سطوته على الأردن لأنه كملك مستبد لا يدرك معنى المجتمع المدني ولا الرأي العام.
كما ذكر فارس الفايز الملك بأن عائلته جاءت من الأرض التي أصبحت الآن تسمى المملكة العربية السعودية. لمزيد من الدقة، الأردن هو كل ما تبقى من المملكة التي كانت عائلته تديرها في يوم من الأيام. وقال: «هذا بلدنا وهذه أرضنا، وأنت جئت من الحجاز، أنت وأبوك وجدك، وأبي هو الذي رحب بجدك، فأنت مدين لنا، ونحن لا ندين لك بشيء».
وهذا هو المعارض السياسي المخضرم ليث شبيلات قد فرك الملح في جروح الملك حين صرح لصحيفة «الأخبار» اللبنانية بأن الأردن قد أطيح به كخادم عسكري مطيع لإسرائيل لتحل محله السعودية. وقال: «كان الأردن حليفا لإسرائيل برتبة عميد، ولكن رتبته الآن خفضت إلى ملازم وتمت ترقية المملكة العربية السعودية إلى رتبة فريق».
تهديد وجودي
مثل هذه التحديات العلنية لسلطة العائلة الملكية ليست وليدة الصدفة، بل هي تذكير للديوان الملكي بأن الرأي العام في الأردن لا يمكن شراؤه بسهولة هذه الأيام.
لأسباب مختلفة، يجمع الناس في الأردن، سواء كانوا من شرقي الأردن أو من أصول فلسطينية، على رفض الرعاية السعودية للمطلب الإسرائيلي بأن يتخلى اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم في العودة إلى وطنهم.
فهذا وحده ينظر إليه على أنه يمثل تهديداً وجودياً لاستقرار الدولة الأردنية، ولكن ثمة تهديدات أخرى أيضاً. في أقل تقدير، يمثل اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة غير مجزأة لدولة إسرائيل تحدياً خطيراً للرعاية الهاشمية للأماكن المقدسة في القدس وكذلك للمطلب الفلسطيني، المدعوم من قبل جامعة الدول العربية، بأن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية.
وسواء رغب في ذلك أم لا، هذه قضايا لا يمكن للملك عبد الله أن ينحني بشأنها. فشرعيته تتوقف على دوره كراع للأماكن المقدسة، والآن أكثر من أي وقت مضى.
يوجد لدى المملكة العربية السعودية من الأسباب ما يجعلها تعتقد أن موجة جديدة من الانتفاض الشعبي في الأردن يمكن أن تنتقل بسهولة عبر الحدود. كما أن الأهمية المتعاظمة لكل من الكويت وقطر كفاعلين خليجيين مستقلين وكمتبرعين للأردن من شأنها أن تمنح الملك عبد الله الفرصة لإعطاء الإصلاح السياسي في الأردن فرصة. أما إذا لم يستغل هذا الظرف، فقد لا تسنح الفرصة ثانية من بعد.