«صفقة القرن الأميركية – الإسرائيلية» لن تمرّ…
أسامة العرب
تكشفت في الأونة الأخيرة، التصريحات والإيحاءات كما الاستعدادات العملانية من جانب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطرح خطة شاملة تتضمّن حلاً للمشكلة الفلسطينية قيل عنها إنها ستكون، بمثابة «صفقة القرن» لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، رافق هذه الاستعدادات والتصريحات الموحية بهذا الشأن، جملة من التحركات واللقاءات السياسية على مستوى القيادات الفاعلة والأساسية التي لا علاقة لها بتقرير واقع ومستقبل هذا الصراع أمثال الرئيس الأميركي ترامب، الرئيس الروسي بوتين الذي سيلتقي نظيره الأميركي في لقاء قمة بينهما سيجري في فنلندا اليوم 16 الحالي . أيضاً لقاءات تمّت بين بوتين ورئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو وبعض المسؤولين الدوليين والشرق أوسطيين كما الخليجيين. كلّ هذا جرى ويجري في أجواء حامية ودموية عبّرت عنها مسيرات وانتفاضات للفلسطينيين في قطاع غزة، قمعها الإسرائيليون بالحديد والنار، لكنها استمرت متصاعدة وبوتيرة عالية وهي تنبئ بإرهاصات لبروز انتفاضة شاملة وحرب بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، ستكون امتداداً واستكمالاً لانتفاضات وحروب سابقة جرت في السنوات الماضية.
كلّ هذا برز وتصاعد مع إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة لـ»إسرائيل» ونزع حق الفلسطينيين بأن تكون قبلتهم كما العرب وسائر الناس من مسيحيين ومسلمين في أوروبا وأميركا والعالم كله. الأمور كلها تسير بخطى صهيونية وتشجيع أميركي لإحقاق «صفقة القرن» مع خطوات متسارعة للصهاينة بهدف تهويد القدس كاملة وإرساء إجراءات لصبغ المدينة بصبغة احتلالية بحتة عبر تزييف تاريخها وجعل المقدسيين أقلية. وقد استغلت «إسرائيل» إلى أبعد حدّ عملية نقل السفارة الأميركية إلى القدس لفرض واقع تهويدي وديموغرافي على الأرض في المدينة، وذلك من خلال سياسية الترانسفير الصامت ضدّ العرب المقدسيين، ومن الناحية العملية وضعت مخططات «إسرائيلية» تستهدف جعل اليهود أكثرية ساحقة في الجزء الشرقي من القدس المحتلة عام 1967، بحيث ستعتمد الزيادة المقترحة لليهود في المدينة على استيعاب اليهود المقبلين من الخارج، عبر فتح قنوات للهجرة اليهودية الكثيفة بعد تراجعها من الدول الأوروبية. يترافق ذلك مع تنامي بناء المستوطنات الإسرائيلية في كامل الكيان الصهيوني على حساب المناطق الفلسطينية، ما يجعل تطبيق «صفقة القرن» مسألة أميركية – صهيونية مدروسة وممكنة في ظلّ غياب الإرادة العربية بالتصدي لهذا المخطط وإفشاله. لكن الملاحظ هنا أنّ هناك استعدادات عربية خليجية وغير خليجية لدى العديد من الدول لتمرير هذه الصفقة وإنجاح أسس تثبيتها.
تعتمد هذه الخطة – الصفقة على منح الفلسطنيين دولة مسخ يفقدون معها قبلتهم القدس وتصبح ضاحيتها أبو ديس هي العاصمة البديلة. كما سيتمّ تجريد هذه الدولة من سلاحها وفرض كلّ المستوطنات القائمة كأمر واقع يتمّ التعامل معها كوحدة جغرافية وديموغرافية متكاملة مع سيطرة للصهاينة على مقاليد الأمور.
الجدير بالذكر أنّ هذه الدويلة المزمع فرضها ستخسر جزءاً كبيراً من القدس التي ستكون قد تعرّضَت لحملة تهويد عبر الاستيطان، حيث تقدّر دراسات أنّ مجموع سكان المدينة من اليهود هم تسعمائة ألف يهودي خلال العام 2018، فهم مائتا ألف مستوطن في القدس الشرقية التي تضمّ نحو 48 ألف وحدة سكنية للفلسطنيين، حيث صدرت أوامر بهدم 22 ألفاً منها في الآونة الأخيرة. وللمتابع أنّ الكيان الصهيوني يستغلّ أجواء نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وتحوّلات المشهد العربي وحالة الانقسام الفلسطيني، لتمرير مخططات بتصعيد وتيرة الهدم والاستيطان ومصادرة مزيد من الأراضي والعقارات والمحال التجارية في مدينة القدس.
شكل خنق غزة والتضييق على شعبها، وهو عنف لا انقطاع فيه، مفصلاً أو جزءاً من مسار خطة «صفقة القرن». لقد جرى عبر سنوات الإقتتال الفلسطيني – الفلسطيني وبروز الصراع بين «حماس» والسلطة الفلسطينية في رام الله تمرير المخطط الأميركي -الصهيوني، مع ما رافقه من وعود في زمن إدارة أوباما لحلّ الصراع العربي «الإسرائيلي» وفقاً لخطة السلام العربية التي جرى تبنّيها في قمة بيروت عام 2002.
تلك كانت مسؤولية حماة الحق الفلسطيني من العرب المتواطئين بالتغاضي عن حروب غزة وخنقها، وعدم تحقيق وحدة الفلسطينيين أمام كلّ الهجمات الصهيونية السابقة.
هذا صحيح لكن ما يجب أن ندركه أنّ الأميركي كانت له اليد الطولى في إحباط كلّ محاولة جدية لدى الفلسطينيين ودول المحاور العربية لإحقاق هذه الوحدة والاقتراب من حلّ الصراع العربي ـ «الإسرائيلي».
ولكن ما دام الهدف السياسي الصهيوني الأصلي الذي لا يقبل التغيير لم يتحقق بكامله بعد، فإنّ عملية السلام «ليست سوى خدعة لكسب الوقت كما كانت دائماً». وفي هذا الإطار، تأتي عملية «صفقة القرن» التي يتطلب الأمر سنوات لإقرارها، كسيناريو جديد من سيناريوات المطبخ «الأميركي – الصهيوني» لتمييع أيّ حلّ جدي يحفظ الفلسطيني ببلده. إنّ الحلّ الحقيقي يتطلب تفكيك الظلم، وليس بالعودة إلى العام 1977، بل إلى العام 1947 والتصالح مع الحقيقة بالعودة إلى أحداث 1914 – 1917 ومؤامرة وعد بلفور. فلم تكد الحركة الصهيونية، وهي حركة عنصرية، تضع أنظارها على فلسطين بصفتها دولة استيطان تقوم على دعوى الأحقية الجينية، حتى أصبح الوصول إلى نتيجة غير تلك المأساة التي نشهدها راهناً مسيحيلاً.
إنّ الإرهاب وهو العنف الموجه ضدّ المدنيين – هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن بواسطتها إخضاع شعب راسخ الجذور، وتجريده من إنسانيته، وإخراجه من أرضه. ولن تنفع أيّ صفقة في هذا القرن أو في المستقبل من حلّ الأزمة برمّتها. وإذا بدا أنّ هناك نية لإبداء تنازلات لإنجاز هذا الحلّ فسيكون على الصهيوني ومن ورائه الأميركي دفع أكثر نسبة من فاتورة الحل العتيد! غير ذلك ستكون كل الصفقات واهية ولن تمرّ!