ترامب يجتاز القطوع «الديمقراطي» الإسرائيلي
روزانا رمّال
لم يسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هجمات الحزب الديمقراطي واغلب القوى المحلية المؤيدة له ووسائل إعلامية قادت معارك مباشرة بوجهه أثناء حملته الانتخابية من هجوم مماثل عليه، ربما يكون الأعنف منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة إثر انتهاء القمة التاريخية بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي. وترامب الذي سرّب عشية القمة توقعات لهجومات من هذا النوع أصر على اللقاء لا بل قدّم نموذجاً من الجنوح نحو ممارسة استقلالية القرار الحزبي الجمهوري من دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الاعتراضات التي ترأسها الديمقراطي الذي أسس لبوادر التعاون الأميركي الروسي بعد أزمات المنطقة وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري الذي نجح في ثنائيتين استثنائيتين «كيري لافروف» و«كيري – ظريف» أنتجتا اتفاقاً تاريخياً مع طهران نقضه ترامب نووياً.
يقول كيري إن بعض المحادثات بناءة مع واشنطن، فحتّى لو كانت لدينا خلافات عميقة. فهذه هي الدبلوماسية، الا ان ترامب حسب رأيه استسلم لتضليل بوتين بخصوص الهجمات على الديمقراطية الأميركية، واصفًا تصريحاته امام بوتين بأنّها «ليست كلمات رئيس يحمل قضية أميركا إلى العالم، فكيف يمكن أن يهتمّ بأوروبا أو بسورية ، ويفهم نهج بوتين المعروف جيّدًا بمهاجمته للديمقراطيات من أجل تعزيز مصالحه؟». تساؤلات كيري منشأها إيحاءات الرئيس بوتين التي دافع فيها عن الديمقراطية الروسية خلال الحديث من جهة، وهي رسالة قرأها الأميركيون بمنحاها السلبي تجاههم، وثانياً مهاجمة ترامب للديمقراطيين من على منبر هلسكني، واعتبار أن هناك من يحاربه من الداخل وانه يخوض حرباً ويخاطر من اجل السلام. الأمر الذي اعتبره الحزب الديمقراطي إهانة لنصف المجتمع الأميركي أمام عدو تاريخي هي روسيا.
يؤكد الرئيس ترامب أن العلاقة مع روسيا تحسّنت وأنها ستتحسن أكثر في المستقبل. وأن روسيا لم يكن لها أي تأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وأن ثقته كبيرة جداً بأجهزة الاستخبارات الأميركية . واللافت بالمؤتمر الصحافي أن الحديث عن مرحلة الانتخابات الرئاسية والعودة الى الوراء. وهو الأمر الذي يشكّل إحراجاً كبيراً لترامب أراده مكشوفاً امام المعني الأساسي الرئيس بوتين، ما ظهر كرسائل مباشرة للحزب الديمقراطي انه طوى هذه الصفحة وأنه لن يخشى بعد اليوم الحديث عن هذا الملف ليلفت الرئيس بوتين بدوره الى نوع من رغبة الى وضع هذا الملف نهائياً جانباً. واذ به يتدخل لشرح العمل الاستخباري شارحاً لأحد الصحافيين كيفية العمل مع ما طرح حول رسائل الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون ما فهم على أنه تدعيم لموقف ترامب، لكن ما الذي تغير؟ سؤال يطرح نفسه. وهل فعلاً استطاع ترامب أن يتحلى بشجاعة كاملة بهذا الحجم بدون متابعة داخلية لم تكن موجودة الأشهر الماضية تجاه الروس، حتى أن القمة السابقة لم تحمل مكاشفة من هذا النوع شكلاً ومضموناً وإيحاءات؟
الاجوبة تكمن في قراءة الموقف الداخلي الأميركي وتعقيداته من منظار التحديات التي يواجهها أي رئيس أميركي من بينها الحزب الخصم أي «الديمقراطي». بحالة الرئيس ترامب وما يعنيه ذلك من مساءلة الكونغرس ومحاولة تعطيل مهمته لتحقيق خسارة في الاستحقاق الرئاسي المقبل ومنعه من تجديد أربع سنوات أخرى، وهو الأغلب، أهم الاهداف الديمقراطية، حيث شكلت مسألة التعاون الروسي مع ترامب اثتاء الانتخابات الاتهام الدسم القابل للتشكيك في النتائج. اما التعقيد الثاني او التحدّي الذي يواجه اي رئيس اميركي فهو العلاقة مع «إسرائيل» وبالتحديد اللوبي الإسرائيلي اليهودي الذي يحوي أكثر مفاصل البلاد تأثيراً ونفوذاً من رجال أعمال ومالكي قطاعات إعلامية عدة ومنافذ على الحياة الأميركية العامة، ومنهم مَن بيده تهديد الاقتصاد الأميركي عملياً إذا لم يتم التعامل مع مصالحهم، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في كل انحاء العالم، حيث النفوذ الأميركي بجدية تسمح بحمايتهم. ورفع هذه المصالح الى سلم الاولويات، كيف بالحال مع المصلحة الإسرائيلية في الكيان الذي يجاور أكثر الأماكن توتراً في العالم ويحيط به أعداء تاريخيون؟
الأكيد أن الرئيس دونالد ترامب مرتاح جداً اليوم لهذه النقطة. وهو الأمر الذي يجعل منه واقفاً بجرأة امام بوتين ليخاطب الداخل قبل الخارج بأجندته السياسية تجاه روسيا. وما صفقة العصر المفترضة كنهج سياسي تجاه القضية الفلسطينية أولاً ونقل السفارة الأميركية الى القدس ثانياً، إلا مؤشر على استجلاب الرضي الإسرائيلي بأطره الواسعة، حتى حصل أخيراً على اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يمين نتنياهو بأنه «لم يعمل أي رئيس أميركي لمصلحة إسرائيل، كما عمل الرئيس ترامب».
العلاقة الخليجية الأميركية التي بدورها صبت لصالح «إسرائيل» والتطبيع المنشود يضاف اليه تمويل خليجي، لكل ما يتقاطع مصلحياً مع «إسرائيل» لجهة استهداف إيران وحلفائها ومن ضمنها الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع طهران صار مضموناً. وعلى هذا الأساس نجح ترامب بترويض «إسرائيل» وجعلها بالمقابل جزءاً لا يتجزأ على طاولة البحث الأميركية الروسية. وهنا لا يجب التغاضي عن كلام ترامب في المؤتمر الصحافي التاريخي الذي جمع فيه بين روسيا و«إسرائيل» في مجال مكافحة الإرهاب وساوى فيه المسعى الأميركي الروسي أيضاً في المجال نفسه. وكل هذا مؤشرات لعلاقة ورؤيا أميركية من منظار آخر في هذه المنطقة.
وبالمحصلة… نجح ترامب بعبور واجتياز القطوع الديمقراطي الإسرائيلي الكبير.. بسلام!