سبقتنا…
محمد أسامة سعد الدين
أخي الغالي وصديقي الصدوق:
لا أجيد الكتابة، ولست بارعاً في التعبير عن مكنونات نفسي وروحي، ولا أرثي من يسكن وجداني ويعشش في تلافيف دماغي لأنك لست غائباً أبداً، ولا أجيد المنمّق من الكلام ولا السجع ولا الشعر ولا حتى النثر ولا أملك ملكة الكتابة.
ضيقي وحزني، وفراغ وقتي الذي كنت تملأه ولطف معاملتك وطرافة حديثك وقبل كلّ شيء حبك لكلّ ما يضفي المرح والسرور وحلو النكتة عندك دفعني لأخط كلمات.
لم تكن لي فرصة العمل تحت إدارتك إلا خلال السنتين الماضيتين سريعاً، واللتين شاء الله أن لا تكونا أكثر ولا أطول… اتفقنا أن أداوم معك طيلة النهار منذ بدايته وحتى مغادرتك مكتبك مساءً وأن أكون تحت تصرف العمل إنْ طلبتني ليلاً، وكنت أعتب عليك أن تترك لي المطلوب من عملي على مكتبك صباحاً لأتابعه وأنجزه لأنك كنت تحرص على عدم إزعاجي بالقدوم ليلاً ومراعاة كيف أعمل منذ ثلاثين عاماً، إلا لمهام محدّدة تعدّ على أصابع اليد الواحدة وللضرورة.
انتظر قدومك صباحاً لأقدّم لك ما أنجزت، وكنت أطرب لسماع مديحك عما أنجزت، وكنت أسرّ أيما سرور لأعرف بأني وعيت وعرفت ما طلبته مني، وعما كنت تقوله عن عملي، وعن الثقة الكبيرة التي أوليتني إياها في العمل… أعرف لو أنك تقرأ ما ذكرت لكانت ابتسامتك عريضة على وجنتيك، وأسمعتني ما أحب سماعه منك، ولكنها الطبيعة البشرية.
تعوّدت على مثابرتكم ومتابعتكم الحثيثة لأمور العمل بتفاصيله، وحثكم على خلق روح المبادرة الخلاقة لدى العاملين معك، وهو دافع أساسي لديك لتطوير العمل الذي كلفت بالقيام به من خلال موقعك الذي أراد سيد الوطن أن تكون فيه، وكم الفخر والشرف الذي كنت تشعر به من خلال الثقة المعطاة لك، كنت دائم السعي إلى تجويد العمل وتطويره.
متابعتك بصدق للأمور الإنسانية والشخصية للعاملين في الجبهة، كانت إحدى واجباتك واهتماماتك، وسؤالك واستفسارك عن أحوالهم لتحلّ ما تستطيع، وما أكبر ما كنت تستطيع، ولم تكن تغفر لي عدم معرفتي بأحوال أخوتي العاملين في الجبهة، وكانت إحدى أهمّ مهام عملي الذي كلفتني به، وكنت لا تحبّ أن تسمع كلمات الشكر من الذين قدّمت لهم، لأنك كنت تؤمن بأنه واجب عليك، والأهمّ ألا يشعر من قدّمت له الخدمة بأية منّة منك.
كنت دائم التواصل مع العاملين في الجبهة بزيارة مكاتبهم والسماع منهم دون الانتظار أن يأتوا إلى مكتبك أو يطرقوا بابك. كذلك الزائرون الذين يتوسّمون مساعدتك ممّن لا يستطيعون الوصول إلى من يحلّ معاناتهم، كنت خدوماً وأخاً وأباً للجميع، وتقول إنّ هذا ما تعلّمته من سيد الوطن.
جهدك وساعات عملك الطوال للقيام والنهوض بالجبهة والعمل بإخلاص المحب للوطن، والوفي لسيد الوطن للأمانة التي كلفك بها، ولقاءاتك الدائمة مع السادة الأمناء العامين لأحزاب الجبهة، خارج الاجتماع الدوري الأسبوعي، للوقوف على أمور ما يهمّ الأحزاب في العمل ونشاطاتهم وفعالياتهم وإعادة نبض الحياة لهذه المؤسسة، لما يعنيه ذلك من فهم لخصوصية هذا العمل ودوره في الحياة السياسية في خضمّ الحرب الكونية على الوطن.
ما تفرّدت بقرار من خلال موقعك في الجبهة، وتشاورك دائم مع السادة الأمناء العامين لأحزاب الجبهة للوصول إلى القرار المشترك الذي يعكس روح ميثاق الجبهة والتشاركية مع أحزابها، عملك كان مدروساً ومبرمجاً ومنظماً لكلّ فعاليات وأنشطة هذه الأحزاب، ولا أستغرب ذلك فأنت البعثي الأصيل، المؤمن بمبادئ وأهداف حزب البعث العربي الاشتراكي وبالقائد المؤسّس للجبهة الرفيق الخالد حافظ الأسد.
ديدنك حب الوطن وسيادة قراره ووحدة ترابه وإيمانك أكيد بالنصر، وولاؤك ووفاؤك مطلق لرمز الوطن وقائده الرئيس بشار الأسد.
هذا ما عرفته عنك وتعلمته منك من خلال عملي بقربك، وأذكر أنه وفي أول يوم عمل لي في الجبهة طلبت مني أن أقرأ وأحفظ ميثاق الجبهة ونظامها الأساسي، ليكون دليل ومنهاج عملي.
كرّست بداخلي مفهوم العمل المؤسساتي رغم العلاقة الشخصية والصداقة الطويلة التي تربطني بك، وحثثتني على ممارسة هذا المفهوم وبث هذه الروح في جو العمل وبعلاقتي مع زملاء العمل، وغرست لديّ مفهوم العمل ضمن الفريق الواحد، الفريق الذي عملت جاهداً على تشكيله برفده بكوادر من مؤسسات الحكومة للقيام بالعمل المطلوب ضمن الجبهة.
كنت متفائلاً محباً وودوداً ومنفتحاً على الجميع من داخل الجبهة وخارجها، غايتك تطوير وإنجاح العمل الذي كلفك به سيادة رئيس الجمهورية العربية السورية رئيس الجبهة الوطنية التقدمية.
أخي وصديقي: سبقتنا في كلّ شيء… وغادرتنا باكراً…