ترامب يترنّح بين مطرقة الروس وسندان الإيرانيين وتحرير الجولان قاب قوسين…!
محمد صادق الحسيني
كل شيء يتحرك في غرب آسيا يشي بانتصار تاريخي لمحور المقاومة سيتمّ الإعلان النهائي عنه قريباً، ما يجعل الأحادية الأميركية تشهد انكساراً مدوياً هو الأول في تاريخ هذه الإمبراطورية القصيرة العمر…!
كلّ مشاريع أميركا الكبرى من الهيمنة على العراق الى إسقاط الدولة الوطنية السورية إلى منع المقاومة من ولوج هيكلية الدولة اللبنانية بعد فشل الفصل بينها وبين جمهورها، الى تغيير النظام في إيران، إلى السيطرة على باب المندب وإعلان السعودية شرطي الخليج والجزيرة العربية، كلها باءت بالفشل وأصبحت واشنطن عاجزة تماماً عن أيّ تغيير في هندسة جغرافية العالمين العربي والإسلامي…!
لذلك لا تطوّرات دراماتيكية قريباً في السياسة الأميركية، لا في سورية ولا في إيران ولا في العراق ولا حتى في اليمن، بعد أن أذعنت واشنطن المهزومة بضرورة التساكن مع موسكو الوارثة للنصر العالمي على الإرهاب، واستحالة وقف تعاظم نفوذ القوة الإيرانية الصاعدة وصلابة وتماسك محور المقاومة في كلّ الساحات…!
حتى اليمن، نعم حتى اليمن، الذي يتقدّم بخطوات واثقة ليصبح سيد البحر الأحمر، وقريباً الجزيرة العربية بعد أن أخرج القوى العظمى المعادية من كفة الحرب المفروضة عليه إلى كفة سحب بن سلمان ومشروعه الجهنّمي من التداول وفرض معادلة النصر لسيد الجغرافيا والقوة الميدانية…!
في المقابل ستسعى القوة الروسية الصاعدة في إقليمنا العربي والإسلامي على خلفية نصرنا الكبير وتالياً زيادة وزنها في العالم إلى اقتناص الفرصة الذهبية هذه لإفشال كلّ مخططات الأميركيين الهادفة إلى محاصرة موسكو في مجالها الحيوي القارّي أو إيجاد شرخ بينها وبين بكين أو منع تحالفها الاستراتيجي مع محور المقاومة ومع طهران بشكل أساسي..!
هذا الاحتكاك الحلزوني بين واشنطن وموسكو على أراضي بلادنا هبوط الأميركي وصعود الروسي يمكن ان يؤدّي مستقبلاً إلى حرب رمضان او تشرين جديدة ستُكرَه واشنطن على تحمّلها وهي التي تشتهيها موسكو بينما نتحفز لها نحن العرب والمسلمين لاسترجاع الجولان، فيما ترتعد منها القاعدة الأميركية على اليابسة الفلسطينية المسماة «إسرائيل» لأنها تجعل أعداءها التاريخيين الوجوديّين على بعد خطوات من القدس وتحرير فلسطين…!
لهذا كله ولتفصيل كثير يعرفه الداخل الأميركي يبدو دونالد ترامب مربكاً أمام عدوته التاريخية الثورة الإسلامية الإيرانية، أيحمل عليها من أجل إسقاطها كما يتمنّى ويشتهي وهو العاجز أمام أيّ حرب، أم يدعوها لحوار أشبه بحوار الكوريين لا من أجل شيء إلا لأن الحوار بلا نتائج مبهرة أحسن من الحرب بلا نتائج مبهرة، كما تقول له كلّ مراكز دراساته وتكتب صحافة بلاده..!
وحتى نقترب مما يختزن في خلفية ترامب وهو يتحرك متخبّطاً تجاه منطقتنا وإيران، نسوق لكم خلاصة مقالين مهمّين لكاتبين أميركيين معنيين بموضوع بحثنا…
الأول: قال الكاتب الأميركي جين براندولار Gin Brandollar في مقال له نشر في مجلة «ذا ناشيونال انتريست» The national interest، تحت عنوان لن يكون هناك اتفاق إيراني نووي ثانٍ، إنّ احتمالات إعادة التفاوض مع إيران على اتفاق جديد معدومة ومن غير المرجّح على الإطلاق ان يحظى الرئيس الأميركي حتى بصورة مع الإيرانيين في وقت قريب.
الكاتب هو مدير دراسات الشرق الأوسط في المجلة المذكورة أعلاه. خدم كضابط مشاة في البحرية الأميركية بين سنة 2009 و2016 في كلّ من أفغانستان وغوانتانامو والخليج.
وأما الثاني فهو سينا توسّي Sina Tossi، الباحث في شؤون إيران والشرق الأوسط، كتب في مجلة «ذا ناشيونال انترست» The national interest بتاريخ 29/7/2018 مقالاً تحت عنوان: «سياسة ترامب الأميركية محكومة بالفشل». أهمّ ما جاء فيه:
– إن خطاباً ثورياً ألقته سيدة إيرانية في شهر أيار عام 1946 في مدينة خورامشهر نادت فيه إلى تأميم شركة النفط الإيرانية AIOC، حسب تقرير للقنصل البريطاني في تلك المدينة آنذاك.
– تأمر الولايات المتحدة أسلاف بومبيو في «سي أي آي» مع بريطانيا لإسقاط حكومة مصدّق التي أمّمت النفط الإيراني.
– كلام بومبيو لتجمّع الإيرانيين، المتماهين مع التفكير الأميركي، الذي عُقد في لوس انجلوس قبل أيام، يُعيد الى الذاكرة ما قام به أحمد الجلبي والمجلس الوطني العراقي من تضليل لجورج بوش وإقناعه بأنّ غزو العراق لن يكون أكثر من نزهة، ولكن النتيجة كانت كارثة إنسانية وتراجعاً استراتيجياً كبيراً للولايات المتحدة.
وعلى ما يبدو فإنّ سياسة ترامب تجاه إيران تسير في الاتجاه نفسه التراجع الاستراتيجي .
– يُخطئ ترامب إذا اعتقد أنّ بإمكانه إجبار إيران على تغيير سياستها وذلك لسبب بسيط، ألا وهو أنّ أغلبية الإيرانيين وبغضّ النظر عن اختلافاتهم الداخلية أو حكومتهم يرفضون تدخل الولايات المتحدة في شؤون بلادهم. وهذا يعود الى قناعات شعبية إيرانية عمرها أكثر من 100 عام، حول أنّ هدف الدول الغربية هو السيطرة على مقدرات الشعوب.
– اذا كانت واشنطن تريد دعم طموحات الشعب الإيراني فعليها الاعتراف بأنّ ذلك لا يمكن أن يتمّ عبر عنتريات ترامب وحلفائه المستبدّين في الإقليم، وإنّما عن طريق تغييرات سياسية جذرية تعني في سياسة واشنطن تجاه إيران – أيّ الابتعاد عن المواجهة .
كلا المقالين إنْ دلّا على شيء، فإنما يدلان على انّ الإدارة الأميركية سواء اختارت الحوار أو الوعيد، فإنّها لن تحصد سوى الخيبة، ذلك لأنّ طهران وحلفاءها على مستوى الإقليم والعالم باتت اليد العليا لهم إنْ في المنطقة أو في العالم…!
فإنْ هرب ترامب من خيار الحرب من الإيرانيين، فإنه سيحاصر بتفاهمات الروس معه والتي تقول له بالحرف الواحد: لقد خسرت الحرب الكونية وعليك التسليم بالموازين الجديدة، إضافة لخوض حرب عالمية أخرى مع حليفنا الصيني الذي لن تغنينا عنه كلّ إغراءاتك، وإنْ قرّر الذهاب الى المواجهة مع الإيرانيين وإنْ بالواسطة، فإنّ الإيرانيين سيكونون على أتمّ الاستعداد لمحاصرته في الزاوية الحرجة التي تجعله معزولاً عالمياً لافتقاده كلّ مبرّرات الحرب على إيران بالمعايير الدولية المعروفة، ما قد يستفزه لخوضها بالوكالة فتحضر فلسطين فوراً…!
ما يعني أنه بات عملياً بين مطرقة الروس وتفاهماتهم معه التي قد تجعله بعد فترة وجيزة وجهاً لوجه في معركة مصير مع الصينيّين الذين يحفرون له من شنغهاي، أو سندان الإيرانيين الذين قد يدحرجونه خطوة خطوة الى حرب بالوكالة باتجاه فلسطين، والتي أقلّ ما سينتج عنها كما قلنا آنفاً، تحرير الجولان وإبعاد نفوذ الأميركيين مقادير إضافية من مياه المتوسط الساخنة إنْ لم يكن إخراجها كلياً من المنطقة!
بعدنا طيبين قولوا الله…