الموت حبّاً في دمشق
كتب الشعراء كثيراً عن الموت حبّاً في الحبيبة. الموت لأجل الأرض.. لأجل قضية لأجل الوطن.. لكن أن تُترجَم حرفياً هذه المقولة حباً في دمشق، فهذا أمر يشبه قصص الأساطير العتيقة..
دمشق بحزنها بكربها بكل هذا الدمع والخطر الذي جعلها الغرب في تقييماتهم أخطر مدينة العالم.. شهدت حباً بل عشقاً من نوع خاص في الأيام الفائتة..
الفنانة الألمانية أورسولا باهر.. فنانة قُدِّر لها أن تحمل الجنسية الألمانية وروحها سورية..
فنانة وثقت تفاصيل الحرب بلوحات نستطيع وصفها بأنها كاميرا سريّة رافقت الجيش بكل خطواته.. كاميرا تمتاز بأنها تستطيع سبر أغوار القلوب والآهات والتحدي والحزن والفرح..
وثقت الفنانة أورسولا.. المجازر التي وقعت في سورية.. وبطولات الجيش العربي السوري وعنفوانه وقدسية رسالته.. بشكل مذهل.. حتى لا تكاد أن تسمع أصوات الرصاص في مطار أبو الضهور.. وتشمّ رائحة العرق من الجنود المحاصرين..
تستطيع رؤية الدولارات التي تنهال على المرتزقة لتدمير سورية واستهداف الجيش بكل مواقعه..
فنانة أم قديسة.. ؟ أم روح هائمة حباً في سورية.. رافقت كل صرخة ألم وكل شهقة فرح حين الانتصار.. أم أنها عاشقة هربت من قصص الخيال وحطّت بيننا لتقدّم أعظم رسالة في الحب في الوفاء للقضية.. في إرادة التحدّي.. في التغريد خارج السرب.. في حب الحقيقة حتى الموت..
أورسولا التي نذرت أن تموت في دمشق.. أن تقدّم روحها المنسكبة في لوحات أذهلت كل مَن رآها.. أتت من ألمانيا بمرضها، بضعفها الجسدي.. كي تغني أغنية الوداع في دمشق.. أغنية الخلود التي نسجت اسمها في سورية أيقونة عشق لا تنسى..
أتت أورسولا وحققت حلمها النذر بمعرضها التوثيقي عن الحرب.. ثم رقدت بهناء في الأبدية..
وكأنها تقول للموت أمهلني بعض ساعات كي أقدّم رسالتي للسوريين.. كي أنشد نشيد الحب لسورية وللحقيقة.. واحترمها الموت لقدسية رسالتها وإرادتها.. فكان لها ما تمنّت.. بعد ساعات من معرضها.. تسلّم أورسولا الروح بهدوء وسعادة..
فهنيئاً لسورية بهذه العاشقة.. وهنيئاً لك أورسولا سيحتضنك التراب الذي أحببته وآمنت به.. وسيخلد ذكرك في وجدان السوريين للأبد..
هيفاء فويتي
سورية