«إسرائيل» تقرأ بدقة خطابات السيد نصر الله في عاشوراء
جهاد أيوب
لم يكن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك يحبّذ خطابات السيد حسن نصر الله، ولا يستمع إليها، وكان حينما يعلم بذلك من الفضائيات اللبنانية التي يحبّ مشاهدتها يسارع ويسأل من حوله: «هل تحدث عن مصر؟» ويأتيه الجواب كما يشتهي أن يسمع رغم حساسية المرحلة والظروف الحرجة والهامة التي يخطب فيها السيد، وهذه هي الحال عند معظم الحكام والمسؤولين والقيادات في العالم العرب، يرافق ذلك عدم القراءة والمتابعة التي تفيدهم وتثقفهم وتعلمهم أصول اللغة والحكم، ولا عجب إنْ غابت المتابعة لخطابات السيد وما يقوله عند غالبية مراكز القرار العربي، فانشغالاتهم تكمن في أمكنة أّخرى لا علاقة لها بقضايانا المصيرية وبالصراع مع الصهاينة.
في المقابل نجد العدو الصهيوني مستنفراً، وطالباً من المؤسسات الفكرية والعلمية والسياسية والمخابراتية والعسكرية والنفسية قراءة كلّ حرف وحركة وجملة جاءت على لسان السيد حسن، وبكل تفاصيلها دون ترك أي خطوة وحركة وقول ونفس، وهذا دليل قاطع على أنّ أهل الكتاب لا يؤمنون بكتابهم، وأهل القضية لا تهمّهم قضيتهم، وأهل الحدث والأرض باعوا أرضهم وما عليها لغريب يعمل على إسعادهم في النهار ويسرقهم في الليل، أما العدو الذي اغتصب الأرض، وسرق خيراتها، وشرّد أهلها، وتحدّاهم في عقر دارهم يتركونه يسرح ويمرح من دون رقيب أو مدافع عن شرفهم وعرضهم، لا بل ترك الأعراب جمحهم إلى اللهو والشهوة والجنس والغناء الماجن، والفن الرخيص وصناعة ثقافة العبيد وإعادة عقارب التاريخ إلى عصر الجاهلية إذا رفضت مجاراتهم في أفعالهم وشهواتهم وتصرفاتهم، مما ثبّت الصهاينة في أرض اغتصبوها، وترك لهم تقرير مصير شعوب الأرض التي احتلوها وما حولها إلى حين خرجت بندقية المقاوم فتأمروا عليها!
خطابات السيد حسن نصر الله في عاشوراء لاقت الصدى الكبير عند العدو، الذي سارع إلى فتح باب قراءتها وتحليلها والاستفادة منها، ومعرفة فك رموزها وما هو خلف عباراتها، ومناقشتها في وسائله الإعلامية، وما انتهى السيد منها حتى كانت التعليقات مباشرة ومبنية على علم ومعرفة وخوف وقلق، فالعدو هنا لا يتعامل مع السيد كما يتعامل مع غالبية حكام العرب من حيث عدم المصداقية وعدم الوعي السياسي، بينما مع السيد الأمور مغايرة، وحساسية البوح تختلف كلياً وذلك لأهمية المتحدث وخطورة ما سيؤول إلى المتلقي من تداعيات ما بعد الخطاب وخلاله، فهو أي العدو يدرك خطورة ما سيقوله السيد، ويخاف من كلّ جديد يطرحه في تهديداته ومواقفه وردوده، فهذا العدو الذي كان يؤمن بأنه يستطيع أن يحتلّ لبنان بفرقته الموسيقية وجد في مقاومة أصغر بلد عربي ما لم يجده في كلّ خطابات وجيوش الأنظمة العربية وقادتها، وجد أنّ النصر حصد من شباب قليل آمن فتعب فقرّر فانتصر، وجد في قائد لا يريده أغلب حكام العرب، ويعملون على تشويه صورته أنه إن قال نفذ، وإن وعد كان في مستوى الوعد، وإن قرّر النصر فالنصر آت آت آت…
هذه حقائق أربكت العدو ومن معه ومن يجاريه أو يوافقه على قتلنا في العرب، وجعلتهم يعيشون الخوف من رفع أصبع السيد، فما هو حالهم من وعوده ومنطقية كلامه، وصدقية تنفيذ تهديداته، ومصداقية مفرداته، وحركة أصبعه؟
وربما أهمّ ما جاء كردّ على خطاب السيد حسن الأخير كان على لسان وزير الحرب هناك: «علينا أخذ كلام السيد بمسؤولية لأنه صادق وينفذ ما يعد به، وكلّ ما قاله حتى الآن أصاب فيه وحصل، وتهديداته الأخيرة وجب عدم تعاملنا معها باستخفاف، والأهمّ أنّ حزبه في لبنان يعمل ويخطط ويزداد قوة»…
ولا نزال نذكر خلال حرب تموز 2006 كيف طالعتنا وسائل الإعلام الصهيونية باستبياناتها التي تؤكد أنّ 85 من الصهاينة يصدّق ما يقوله السيد نصر الله، ولا يصدّق كلام حكامهم وقادتهم، وهذا يعني أنّ مصداقية وشخصية السيد غزتهم في عقر احتلالهم، وأيضاً أجريت عشرات الاستبيانات والاحصائيات في مصر وتونس والمغرب وبلاد الخليج عن أهمّ شخصية قيادية عربية صادقة فكانت النتيجة لصالح السيد، رغم انّ السلطات الحاكمة في كلّ مرة تتدخل لوضع رئيسها في المرتبة الأولى كما فعل مبارك وبن علي وغيرهما.
لكلام السيد حسن نصر الله عند الصهاينة وقعه وقوة تأثيره بعد أن جرّبوه، لذلك يسارعون إلى قراءة تفاصيله بدقة وعناية، ويعملون على تفكيك رموزه رغم وضوح الصورة، فالعدو لم يتعود من بعض قادة العرب على الوضوح، والكلام المباشر وفي الصميم، اعتاد المراوغة، والمراوغة عند السيد محال، اعتاد الكذب والكذب عند السيد محال، اعتاد الخيانة والاستخفاف بشعوبنا والخيانة عند السيد كفر، والاستخفاف بالناس من أعمال الشياطين، والشيطان عند سيد المقاومة لن يجد مقعده بل سيحارَب لأنه هو من الشرك والشرك يعني التعامل مع «إسرائيل»!!
خطاب السيد يُدرس عند العدو، ويتمّ التعامل معه بدقة، أما في لبنان وفي بلاد العرب يتسابقون للردّ والهجوم عليه من دون معرفة أو حتى من دون أن يستمع من يهاجمه إليه!!