محاكمة افتراضية
يكتبها الياس عشي
في عام 1994، وبعد اتفاقية أوسلو، وبعد أن كثر الحديث عن التطبيع مع العدو اليهودي، نشرتُ مقالاً تحت عنوان «محاكمة افتراضية»، هذا بعض منها:
المشهد الأوّل
ـ المكان: مكان ما في العالم العربي.
ـ الزمان: قد يكون بعد سنوات. ونحن اليوم قد وصلنا إليها بعد زيارة نتنياهو إلى سلطنة عُمان .
ـ المتهم: كاتب ما زال يصرّ على أنّ فلسطين جزء من هذا العالم العربي، يمثُلُ أمام القضاء.
المشهد الثاني
ـ النائب العام يقرأ المقالة السياسية التي تدين صاحبها، مؤكداً أنّ ما جاء فيها مخالف لاتفاقيات التطبيع التي تمّت بين الدولة العبرية والبلد الذي ينتمي إليه المتهم. سيدي القاضي.. يقول الكاتب بالحرف الواحد: إنّ ما يجري على أرض فلسطين…
ـ القاضي مقاطعاً: هل قال: أرض فلسطينُ؟ انتهت المحاكمة… اسجنوا هذا المارق خمس سنوات.
المشهد الثالث
ـ المتهم يعترض ويسأل القاضي: هل تعتقد، سيدي القاضي، أنّ نسبة الأرض إلى فلسطين هي جريمة؟
ـ القاضي: نعم.. جريمة وبدعة! كانت فلسطين أرضاً ووطناً قبل أن يتهاوى ملوك العرب وأمراؤهم ورؤساؤهم ويعطوا مفاتيحها لليهود.
المشهد الأخير
ـ مداخلة المتهم:
سيدي القاضي.. سأقول لكلّ المقنعين الذين يحكمون في هذا الوطن الحزين.. سأقول للأشجار والرياح وشقائق النعمان.. أن هاجروا.. اتركوا جذوركم.. فالعالم العربي صار هو السجن.. وإسرائيل هي السجّانة.. وأن لا مكان لإنسان يكتب وعيناه مغروزتان في الشمس. سيدي القاضي.. خمس سنوات في سجن معلّب خير من سجن كبير ترى فيه حتى الوردة وقد فقدت نكهة الضوء، وتوقّفت عن التضوّع.