«إنجازات» الطبقة الحاكمة؟
علي بدر الدين
التداعيات الناتجة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والدستورية المأزومة وغير المستقرة التي يشهدها لبنان منذ عقود خلت تؤشر إلى فشل جديد للنظام السياسي الطائفي وعجزه عن ترجمة وعوده وعناوينه وشعاراته بولادة نظام سياسي متطوّر وإصلاحي وتغييري، عله ينجح في نقل لبنان من مرحلة الترهّل والتخلّف والجمود إلى مرحلة أكثر نضجاً وانفتاحاً وإنتاجاً ومواكبة للتحوّلات التي تفرض نفسها بقوة على مستوى العالم.
وثبت بالتجربة أنّ الطبقة السياسية قديمها وحديثها والتي تعاقبت على حكم لبنان ليس وارداً عندها أن تعارض هذا النظام القائم أو تسعى الى تغييره لأنّ مصالحها الخاصة تقتضي استمراره وتجهد لتعزيزه وتمظهر الإيمان به في العقود الثلاثة الأخيرة، وبدا واضحاً وفاضحاً وجلياً انغماسها الكلي في اللوثة الطائفية والمذهبية والمصلحية، وهي التي شكلت ولا تزال عائقاً كبيراً أمام فرصة التغيير نحو الأفضل، وحالت دون نضوج أيّ حراك شعبي ينشده اللبنانيون ويتوقون إليه، ورغم كلّ هذه التداعيات فإنّ الطبقة السياسية تفاخر بنجاحها في إرساء دعائم هذا النظام وفي تعزيزها لنهج الهيمنة والتسلط والتمترس خلف حقوق الطوائف والمذاهب واستعمالها منصة تصويب وخط دفاع خلفي تلجأ إليهما عند احتدام صراع ديوك المصالح للإمساك أكثر بكلّ مفاصل السلطة أصولاً وفروعاً ومؤسسات وإدارات ومقدرات. وقد نجحت في خططها وفي تطويع بيئاتها الحاضنة وفي الحفاظ على مكاسبها. ما أتاح لها ومن دون أيّ عناء أو جهد قيادة سفينة البلاد والعباد وفق المسار الذي رسمته وبما يخدم مصالحها ويحكم سيطرتها على كلّ صغيرة وكبيرة، ومع أنها أنتجت واقعاً سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومؤسساتياً سيئاً ومأزوماً، ومستقبلاً غامضاً ومجهولاً على المستوى العام.
وها هي التداعيات المقبلة ترمي بثقلها وضغطها على مجمل الأوضاع في هذا الوطن المعذب، وعلى أبنائه الذين كتمت أصواتهم ويأكلهم الحرمان والإهمال واللامبالاة، وانتفت قدرتهم على فعل أيّ شيء سوى حماس التصفيق لزعمائهم. وهذا ما زاد الطين بلة ودفع الأمور نحو الأسوأ.
برزت «إنجازات» الطبقة الحاكمة في كثير من الاستحقاقات الدستورية والمحطات السياسية والوطنية والاقتصادية، بدءاً من انتخابات رئاسة الجمهورية التي لم تحصل إلا بعد مضيّ سنتين ونصف السنة، ثم الانتخابات النيابية التي شهدت فصولاً من التمديد لمجلس النواب وتأجيلها أكثر من مرة حتى رست بورصة القوانين الانتخابية الـ 17 على قانون انتخابي «نسبي» ولد بعملية قيصرية مكتملة ومشوّهة، مع أنّ المأمول كان الالتزام بالوعود التي أطلقتها هذه الطبقة لإنتاج قانون عصري وطني يلبّي بالحدّ الأدنى طموح غالبية اللبنانيين، لكن الهدف كان اعتماد القانون الذي يحقق مصالح هذه الطبقة ويعيد إنتاجها وانْ اختلفت القوانين والشعارات والأسماء والتكتلات والتحالفات الغريبة والعجيبة.
هذه «الإنجازات» أغرقت البلد بديون تقارب المائة مليار دولار، وراكمت الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والمعيشية وانعدمت الحلول لأزمات باتت مصدر قلق وتفقير اللبنانيين وهي لا تعدّ ولا تحصى. ورغم هذه الأوضاع المأزومة على كلّ الاصعدة والمستويات فإنّ الطبقة الحاكمة عجزت عن تشكيل حكومة مع أنها قد لا تغيّر في الوضع القائم الذي يزداد تفاقماً. ولكن وجودها أفضل من عدمه دستورياً ووطنياً وشعبياً. وهذا العجز له مبرّراته الذاتية والموضوعية لدى المعنيّين بتشكيلها، ومنها أنها تخلت عن قرارها لصالح آخرين خارج الحدود، وفقدت بالتالي الإمساك بزمام الأمور والمبادرة، خصوصاً في الاستحقاقات الوطنية الكبيرة. كما أنّ تداخل المصالح والارتهان للآخر عكس كلّ الصراعات بين الدول المعنية بالمنطقة على لبنان وبات أيّ استحقاق مطلوب، رهن التسويات والتفاهمات الإقليمية والدولية.
هذه الوقائع المؤلمة والمستجدات الغامضة وضعت لبنان في مستنقع عميق لا يمكن الخروج منه حاضراً أو مستقبلاً إلا بحصول معجزات داخلية وخارجية مع أنّ زمن المعجزات قد ولّى بعد أن اطفأ اللبنانيون محركاتهم وبعد أن استباحت الطبقة السياسية كلّ شيء في لبنان، وسلّمت أمرها وقرارها لمصالحها وللخارج.
ولا بدّ من انتظار المجهول المخبّأ في تقاطع المصالح الإقليمية والدولية أو في فكّ الطوق عن أصوات اللبنانيين الموجوعين لتجديد الحراك من أجل الوطن، ولانتزاع حقوقهم المكتسبة. أو عليهم انتظار القضاء والقدر، وكان الله بعون لبنان واللبنانيين.