كتاب ميلادي مفتوح من المطران حنا إلى رئيس الجمهورية
أرسل المطران عطالله حنّا، مطران سبسطية للروم الأرثوذكس – القدس الشريف، كتاباً ميلادياً مفتوحاً لرئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون جاء فيه ما يلي: فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في بهاء الميلاد وبركاته، من وطن مسلوب إلى صفقة القرن المشبوهة، من أرض تفجّرت عليها بالتجسّد الإلهيّ ينابيع السماء الأزليّة فتدفقت على الأرض ضياء، من مغارة بيت لحم حيث «الطفل في المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان»، كما أنشدت السيدة العظيمة فيروز، أصلّي، وأرفع من أجلكم أطيب الدعاء، لكي تحلّ بركات العيد المطلّ عليكم وعلى عائلتكم الكريمة وعلى شعب لبنان الحبيب والعظيم، مصليًّا من أجل أن ينهض لبنان من كبوته، وينتصر على محنته، ويتجلّى بإرثه، ويرنو إلى مستقبله بخطى ثابتة لا تلين ولا تستكين. فنهضة لبنان برئاستكم رجاء لنا ولشعوبنا وللإنسانية جمعاء، كما نصلّي معكم يا فخامة الرئيس من أجل إحلال السلام في سورية والعراق وفلسطين، من أجل المشرق كلّه لكي يستقرّ في السلام وتنتهي المآسي فيه وتعيش الشعوب بإخاء.
فخامة الرئيس، أتوجّه إليكم في ذروة اللحظات الأليمة التي نشهدها في فلسطين، ليس فقط كرئيس لجمهورية لبنان، بل كزعيم لمسيحيي المشرق العربيّ، ونحن نفتخر بأن تكونوا أنتم بالذات على تلك الصفة، بما حباكم المولى الكريم من صفات حميدة راقية وعقل استراتيجيّ بليغ، لأناشدكم بالتدخّل السريع لدى المحافل الدوليّة والعربيّة والإقليميّة، من أجل حماية ما تبقّى من مسيحيي القدس وفلسطين، والتفاعل في الوقت عينه مع مسألة المسيحيين المشارقة، وقد مُحق المسيحيون محقاً تراجيديّاً في العراق، وكادوا يسحقون سحقًا كاملاً في سورية، لولا قدرة الجيش العربيّ السوريّ بقيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد متحالفًا مع المقاومة وروسيا وكافة أصدقاء سورية في العالم في الصمود والبقاء ومن دون نسيان دعمكم لحربه على الإرهاب بمواقفكم العالية المستوى ورفضكم بالمطلق الحرب على سورية وتشريعكم للقتال الاستباقيّ على أرضها، فيما ولا يزال مطرانا حلب الحبيبان بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم مخطوفين، وفيما وجودنا نحن في فلسطين قد تدنّى إلى ما دون الواحد في المئة. فهل يُعقل أن يتدنّى وجودنا إلى هذا الدرك الرهيب في أرض الميلاد والجلجلة والقيامة، في أرض كانت الرحم لانبلاج الخلاص، وفيها انطلقت المسيحية إلى الأمم؟ ماذا يبقى لنا وماذا يبقى للمسيحية المشرقيّة وماذا يبقى للإنسانية كلها إذا انتهى هذا الوجود الجوهريّ والتكوينيّ في فلسطين المحتلّة بشقيه الإلهيّ والتاريخيّ؟ هل نتخيّل كنيسة المهد وكنيسة القيامة مجرد لوحتين متحفيتين باهتتين مسلوبتين؟
في فرح الميلاد يا فخامة الرئيس يعتصرني الألم، ويوجعني أن تبقى فلسطين الجرح غير المندمل بسبب بقائها تحت الحراب الإسرائيليّة تطعنها من كلّ حدب وصوب، تطرد الناس من بيوتهم وتشردهم في الليل الحالك. كيف لي أن أحتفل بالميلاد في بيت لحم، وهيرودوس الغاشم لا يزال يطارد صبيتها ويقتلهم حتى يقتل المسيح الطفل المولود في المغارة؟ كيف لي يا فخامة الرئيس أن أفرح بالعيد، و»إسرائيل» لا تزال تصلب صاحب العيد وتعلّقه على خشبة الظلم، والأمم تقايض على حساب وجودنا؟ وما صفقة القرن سوى المثل على لعبة المقايضات على حساب فلسطين. هوّدوا مدينة السلام، وهم يجعلون «إسرائيل» وطنًا يهوديًّا قوميًّا، سابين تراب فلسطين المحتلّة ومقدّساتها المسيحيّة والإسلاميّة وسالبين هويتها العربيّة والوطنيّة، وضاربين بعرض الحائط كلّ تنوّع بهيّ يعزّز السلام. إسمح لي يا فخامة الرئيس بالقول، إن من تآمر على فلسطين تآمر على سورية والعراق ويتآمر على الأردن مثلما تآمر على لبنان، ويشاؤونه أرض لجوء ونزوح وليس وطنًا لبنيه مسيحيين ومسلمين