الحرس الثوري يُطلق صواريخ تحذيرية على حاملة طائرات أميركية في الخليج غموض المعادلات يؤخّر التسوية الحكومية… ومخاطر العودة إلى المربّع الأول
كتب المحرّر السياسيّ
لا زالت التردّدات الناجمة عن القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، وما تلاه من تحضيرات للانسحاب من أفغانستان، تطفو على سطح الأحداث الدولية والإقليمية، حيث حلفاء واشنطن وخصومها على السواء يقيمون الحدث ويدرسون خطواتهم، ويقيسون خطوط وخطوات المواجهات والتسويات في آن واحد على قياس التوازنات التي يحملها القرار ومترتباته، أول الرابحين كان اليمن حيث تكرّست تسوية السويد بمفردات ومصطلحات جديدة فرضت نفسها على القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي غابت عنه تعابير غرق فيها القرار 2216 كحديث عن شرعية حكم منصور هادي ووصف حكومة صنعاء بالانقلابيين، ودعم تحالف العدوان على اليمن والتنديد بإيران، ليصوّب القرار الجديد بقوة التوازنات الجديدة مسار الخطاب الأممي بالاكتفاء بالحديث عن «أطراف متنازعة».
بالمقابل ثلاثة مستويات من التفاعل الإقليمي تجاه سورية، كان أبرزها إعلان الرئيس التركي رجب أردوغان عن تأجيل العملية العسكرية نحو شرق سورية لشهور، ما يعني التريث لمراقبة خيار ملء الدولة السورية لفراغ الانسحاب الأميركي قبل التفكير بخطوة عملية، فيما كان الأكراد يتوجّهون نحو دمشق طلباً للحوار تحت شعار كل الخيارات للتفاهم على الطاولة ومفتوحة، أما المستوى الثاني فعبرت عنه التعليقات الواقعة تحت الصدمة في تل أبيب رغم الإخطار المسبق، حيث لا زال الحديث من أعلى المستويات الأمنية عن غدر أميركي وطعنة في الصميم، وصلت حد تحدّث مسؤول أمني كبير سابق على القناة الثانية بلغة «لقد رمانا الأميركيون بين عجلات الشاحنات الروسية التي تجلب السلاح لسورية وحزب الله»، أما المستوى الثالث فقد عبرت عنه المعلومات المتواترة عن زيارات عربية جديدة إلى دمشق، برز منها بعد الحديث عن زيارة قريبة للرئيس العراقي إشارات علنية لزيارة قريبة أخرى لأمير قطر وثالثة يجري التداول بها لملك البحرين.
الحدث الإقليمي الأبرز كان إيرانياً بصواريخ تحذيرية أطلقها الحرس الثوري في مياه الخليج على حاملة الطائرات، حيث أفادت وكالة «أسوشيتد برس» بأن سفناً تابعة للحرس الثوري الإيراني أطلقت صواريخ باتجاه حاملة الطائرات الأميركية «جون ستينيس» التي دخلت مياه الخليج لأول مرة منذ عام 2001، وذكرت الوكالة أن السفن التابعة للحرس الثوري الإيراني كانت تتابع حاملة الطائرات ومجموعة السفن المرافقة لها عن كثب، وأطلقت صواريخ باتجاهها بالإضافة إلى تحليق طائرة دون طيار بالقرب منها، وبدت الخطوة الإيرانية تحذيراً شديد اللهجة لقيام واشنطن بحشد عسكري في الخليج على خلفية الانسحاب من سورية، والإيحاء بالقوة لحلفاء واشنطن، في نقاط ساخنة مع إيران.
لبنانياً، رغم أن كل شيء بدا يسير بسلاسة نحو تظهير التسوية الحكومية، ظهرت فجأة العقد التي رتبت التأخير، ورغم التفسيرات التقنية المتصلة بتبادل حقائب أو بكيفية تظهير توزير ممثل اللقاء التشاوري المفترض جواد عدرا، إلا أن مصادر متابعة قالت إن الأمر أبعد من التفاصيل وهو يطال قراءة التوازنات الإقليمية في لحظة حرجة تولدت مع الانسحاب الأميركي من سورية، لم تنجح القوى الحليفة لواشنطن بالتقاط الوقت الضيق الذي يتيحه للتسوية التي تم الاتفاق عليها، فترتب على الدلع والطمع والتمنع، فتورٌ في الحماسة على تقديم التنازلات، وجاء تريّث المرشح لتمثيل اللقاء التشاوري في الحكومة بالإعلان عن أنه إذا تمّ اعتماده فسيكون وزيراً يمثل اللقاء التشاوري، لتبرد همة اللقاء الذي كان قد أكد تبني ترشيحه ليفتح من جديد الباب للحديث عن اشتراط بقاء الاسم في لائحة المرشحين أمام رئيس الجمهورية بالحصول على تعهّد خطي بأن التمثيل سيكون لحساب اللقاء التشاوري وحمل توصياته مجتمعاً إلى الحكومة، بينما كانت الطلبات المتأخرة بتعديل حقائب حركة أمل وحزب الله، والسعي لاستبدال بعضها بوزارة الإعلام قد أثارت حفيظة الثنائي للتساؤل حول صدقية سير الرئيس المكلف بالتسوية لإخراج الحكومة إلى النور. وأبدت المصادر خشيتها من أن يعني ذلك عودة إلى المربع الأول مع بقاء الأمل باستدراك سريع يخرج الحكومة من عنق الزجاجة قبل يوم الإثنين المقبل.
رفض «الإعلام» وانتماء عدرا يؤخّران الولادة
لم يخرج الدخان الأبيض من بعبدا يوم أمس، إيذاناً بولادة الحكومة كما كان متوقعاً، بعد ظهور الشياطين في تفاصيل التوزيع النهائي للحقائب على القوى السياسية وسط رفض بالجملة تولي وزارة الإعلام، بينما لم تُعرف أسباب التأخير في تنفيذ البند الأخير من المبادرة الرئاسية لحل العقدة السنية، إذ لم يُعقد اللقاء بين رئيس الجمهورية واللقاء التشاوري والرئيس المكلف سعد الحريري كما تضمّنت المبادرة، إلا أن عراب التسوية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أوضح أنه لم يتم تحديد موعد لهذا اللقاء مشيراً في تصريح إلى «أنني لم أذكر اسم جواد عدرا بل إن أعضاء اللقاء التشاوري اقترحوا عدداً من الأسماء وأنا قمت بنقلها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ». وما أضاف المزيد من الإرباك والغموض والضبابية على المشهد الحكومي في ربع الساعة الأخير هو تريُّث «الوزير الملك» جواد عدرا في اللقاء مع اللقاء التشاوري، علماً أن الأخير وافق بالإجماع على أن يكون عدرا من الأسماء المرجّحة لتمثيلهم في الحكومة. ما يؤكد وجود خلافٍ على انتماء وولاء عدرا، وفي تصريح تلفزيوني، أوضح الأخير أنّ «احتراماً للأصول، يجب انتظار اختيار وموافقة رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل التصريح بأي موقف علني حول اختياري كممثل للقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين».
كما أوضحت أوساط بعبدا لـ «البناء» أنه لم يتم تحديد موعد للقاء بين «التشاوري» ورئيس الجمهورية بحضور الحريري في إطار المبادرة الرئاسية، مشيرة الى أن الرئيس عون تسلّم الأسماء من اللواء ابراهيم واختار ضمناً عدرا كحل مقبول من ضمن الأسماء الأربعة»، مشيرة الى توقعات بصدور مراسيم الحكومة مساء أمس. ولم تؤكد المصادر صدور المراسيم في نهاية الأسبوع، موضحة أن الأمر رهن نتائج مفاوضات الساعات الأخيرة على صعيد العقدة السنية وإعادة توزيع وتثبيت بعض الحقائب، فإذا سارت الأمور كما يجب فإن صدور المراسيم اليوم أو الأحد على أبعد تقدير على أن تلتقط الصورة التذكارية يوم الاثنين وتعقد بعدها أول جلسة لها في قصر بعبدا.
ويُذكَر أن مراسيم الحكومة الحالية صدرت يوم الأحد في 18 كانون الأول 2016.
أما سبب التأخير بحسب مصادر مطلعة لـ «البناء» فهو تريّث «اللقاء» بحسم موقفه من المرشح عدرا والاجتماع به والاتفاق معه قبل زيارة بعبدا ولقاء الرئيسين عون والحريري. ولفتت المصادر الى أن «المشكلة المتبقية بعد حسم الاسم التوافقي هو على من سيكون محسوباً؟ هل سيكون حصرياً ممثل اللقاء التشاوري كما يُصرّ الأخير أم من حصة وتكتل رئيس الجمهورية أم مستقلاً؟ وأكدت مصادر للـ»أو اتي في» أن «سبب عدم لقاء جواد عدرا باللقاء التشاوري هو رفضه أن يكون طرفاً باللعبة السياسية وهو يريد أن يكون من حصة رئيس الجمهورية لكن دون أن يُحسب على فئة سياسية معينة».
أما اللقاء التشاوري فتمكّن من إعادة تماسكه وتوحّده بكامل أعضائه بعد الانقسام في الموقف حيال اسم طريقة إخراج التسوية، بتأكيده أن «اللقاء وخلافاً لكل ما اُشيع في اليومين الماضيين موحّد بأعضائه الستة وموقفه موحّد». وعقب اجتماع عقده نواب «اللقاء» في دارة النائب فيصل كرامي، اشار الأخير في بيان مُقتضب الى «أن اللقاء وخلافاً لكل ما اُشيع في اليومين الماضيين موحّد بأعضائه الستة وموقفه موحّد»، مطمئناً الى «اننا ملتزمون بمبادرة عون والتي تتضمّن ان يتمثل اللقاء في حكومة الوحدة الوطنية بوزير حصراً من حصته»، معتبراً «ان الحكومة يمكن أن تولد بعد ساعة واحدة اذا صفت النيّات لدى جميع المعنيين بولادتها، وأؤكد لكم هنا ان نيّة اللقاء التشاوري صافية مئة بالمئة».
أما النائب قاسم هاشم فأعلن بعد انتهاء الاجتماع أن «مَن سيُمثلنا في الحكومة سيكون ممثلاً حصرياً للقاء التشاوري في كل الظروف». ورأى «اننا نحن من سهّل تشكيل الحكومة إلى أقصى الحدود»، وأضاف: «فليفتشوا عن الآخرين الذين يستولدون العقد في اللحظات الأخيرة». وشدّد قاسم على ان «الاسم الذي سيختاره رئيس الجمهورية ميشال عون نوافق عليه ويمثل اللقاء».
وعلاوة على تعثر المرحلة الأخيرة من المبادرة الرئاسية يبدو أن خلط أوراق بين الحقائب يدور في كواليس التفاوض على خطوط عين التينة بيت الوسط كليمنصو وميرنا الشالوحي، حيث رفضت معظم الأطراف عرض الرئيس المكلف لها بتولي حقيبة الإعلام، لا سيما الرئيس نبيه بري مفضّلاً وزارة البيئة أو الزراعة بينما رفض حزب الله استبدال الشباب والرياضة بوزارة أخرى كما رفض النائب السابق وليد جنبلاط استبدال الصناعة بالبيئة، وسط رفض التيار الوطني الحر الإبقاء على وزارة الاعلام من حصته.
وإذ ربطت أوساط مراقبة بين تريّث رئيس الجمهورية بتنفيذ الشق الأخير من المبادرة بدعوة اللقاء التشاوري الى بعبدا وبين طرح الوزير باسيل استبدال الإعلام بوزارة أخرى للتيار، ما فُسر على أن عون يمنح باسيل بعض الوقت لتحقيق مكاسب إضافية في ربع الساعة الأخير، وكشفت مصادر متابعة لتشكيل الحكومة لقناة «أن بي أن» أنه «فيما يتم الإيحاء أن العقدة هي لدى اللقاء التشاوري ، لناحية ضرورة اعلان المرشح عن اللقاء جواد عدرا التزامه باللقاء، يبدو أن هناك عقدة مستجدّة أحدثها وزير الخارجية جبران باسيل ، هي التي حالت دون تشكيل الحكومة اليوم، وذلك برفض باسيل تسلّم وزارة الإعلام، ما قد يخلق عدم توازن في التشكيلة الحكومية، بشكل أن يصبح هناك وزير دولة بدلاً من واحد، من الحصة الشيعية، وهو ما لن يقبل به الثنائي الشيعي، بحسب ما أكّدت المصادر.
وكان الرئيس الحريري عقد لقاءً مع الوزير باسيل في بيت الوسط بحثا خلاله توزيع الحقائب. وأكدت مصادر الحريري أن «لا أحد يرغب بتولي حقيبة وزارة الإعلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري رفضها، ولا أحد قبل بالتنازل عن حصته لصالح فريق آخر ليأخذ الإعلام وهذا الموضوع كان موضع نقاش بين باسيل والحريري».
في المقابل أكد رئيس الجمهورية أن تشكيل الحكومة بات أسرع من المتوقع، موضحاً «أن هذا التشكيل يتطلّب في لبنان بعض الوقت، لأن النظام اللبناني توافقي ويوجب إشراك الجميع في حكومة الوحدة الوطنية العتيدة». وشدّد أمام زواره على «أن مسار الإصلاح سيستكمل، بعد إقرار عدد من القوانين الضرورية، و»ان المشاريع الكبرى التي اعتمدتها خطة النهوض الاقتصادي سيتم الانطلاق بها فور تشكيل الحكومة».
غير أن اللافت هو ما أعلنه الرئيس سعد الحريري من إجراءات «إصلاحية» قاسية وغير شعبية ستتخذها حكومته العتيدة، تنفيذاً للشروط الدولية لمقررات مؤتمر سيدر، لا سيما تخفيف دعم الدولة لقطاع الطاقة ما يعني ارتفاعاً كبيراً بفاتورة الكهرباء وأسعار المحروقات ما ينذر بانتفاضة شعبية في وجه الحكومة الجديدة بدأت ملامحها يوم الأحد الماضي والتي ستتكرر يوم الأحد المقبل في العاصمة بيروت وسط توقعات بتوسّع دائرة الحراك لتشمل أحزاباً سياسية جديدة وقوى شعبية مستقلة من مختلف المناطق اللبنانية. تصريحات الحريري تطرح سؤالاً كبيراً: هل سيتحمل المواطن عبء الإجراءات الاصلاحية مقابل التزام المانحين الدوليين بالدعم المالي للبنان؟ وإذ أكد الحريري انه يعمل جاهداً للانتهاء من موضوع الحكومة قال خلال المؤتمر السنوي الخامس الذي عقدته «ايندافور ليبانون» والجمعية الدولية للمدراء الماليين «لايف»، في فندق «فور سيزنز» – بيروت: «علينا أن نخفض دعمنا لقطاع الطاقة من ملياري دولار إلى صفر اعتباراً من العام المقبل بقيمة 600 مليون دولار تقريباً. وحين يصبح لدينا كهرباء 24 على 24 ساعة سنرفع تعرفة الكهرباء، وهذا أيضاً سيوفر لنا المزيد من العائدات، كما أن طرح خطة الاتصالات يفترض أن يقدم لنا المزيد من العائدات اعتباراً من العام 2019. وفي الوقت نفسه، أنا أؤمن أننا إذا قمنا بهذه الإصلاحات وعملنا بجهد لتنفيذ عدد من المشاريع التي لدينا في العام المقبل، وإذا تمكّنا من صرف مليار دولار على هذه المشاريع وإذا فعّلنا جباية الضرائب لدينا، فإن النمو سيرتفع تلقائياً. وعلينا ان نرفع نسبة الجباية من 19 إلى 24 أو 25 . وهناك جهد كبير يبذل في وزارة الطاقة لأجل لذلك. أنا لا أريد أن أزيد الضرائب ولن أزيدها».