ترامب والغولف… نظرية جديدة في السياسة الدولية!
سماهر الخطيب
ساهمت سياسات الإدارة الأميركية مؤخراً المصهورة ضمن عقلية مديرها التجاري في ضرب التناقضات الجيواستراتيجية، إذ لا يمكن التكهّن بسياسته «المونرية» التي تعتمد استراتيجية «أميركا أولاً» على حساب الدول بغضّ النظر عما إذا كانت حليفة أو معادية لها.
كما أدى وصول الرئيس دونالد ترامب إلى رأس الهرم الأميركي في السلطة وتسلّمه دفة القيادة إلى إثارة أمواج متلاطمة في بحر السياسة، وفق تناقضات تصريحاته وقراراته الصادمة وطريقة إدارته المبهمة والعصية على التنبؤ بها لتضاربها في ما بينها. يبدو من خلالها كما «سمسار العقارات» و «التاجر الفلهوي» يسمسر بسياسات وقرارات متناقضة ومتباعدة في ما بينها من حيث الدقة والحس السياسي لتبدو سياسته الخارجية بـ»لا عدو ولا حليف» أكثر ما يثير التساؤل والاستغراب، سعياً منه لإيجاد واقع جديد يتماشى مع المصالح القومية الأميركية.
فيما اختلطت قواعد اللعبة الدولية وتنافرت معها نظريات العلاقات الدولية وتشابكت آراء منظريها وباتت الساحة العالمية ضبابية الملامح ذات رؤية غباشية وكأنّ ترامب يريد إعادة رسم خارطته الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية من جديد، في معادلة ربحية، من خلال استراتيجية مصلحية عبر التلاعب بالمفاهيم النظرية في إطار لعبة سياسية، غالباً ما ستنتهي بالتعادل السلبي على حساب الشعوب.
ولكنها معادلة ولّى الرهان عليها، في نظرية الألعاب الصفرية. وما بين التوافق والتنافر وبين معضلة السجين باتت اللعبة واضحة المعالم منسوجة بخيوط واهية كـ»خيوط العنكبوت».
وآخرها إعلان الانسحاب من سورية، هذه الخطوة «الترامبية» المأسوف عليها من حلفائه الأوروبيين تهدّد الأهداف والمساعي الأوروبية المصلحية.
وفي كل اتصال أو لقاء سياسي لا ينسى ذاك التاجر إعلان مناقشة «التجارة الموسّعة». فهوس السمسار العقاري يسيطر على شخصيته ولم لا ما دامت الأموال تدر في الخزينة الأميركية. وهذا شفيعه لدى منتقديه ومحبيه.
إنما الهوس الأكبر هو «الغولف» وملعبه المتغني فيه بين الحين والآخر قد استحوذ بقواعده على النظرية الدولية وبات يحكم وفق قواعد «لاعب الغولف» الناجح!
وبالتمعن في إدارته التي حطمت الرقم القياسي في تغيير مسؤوليها بين الحين والآخر، لا تختلف عن تبديل «عصا الغولف» فتلك قاعدة لممارسة اللعب المتقن ولكل عصا دور تقوم به، ناهياً لتلك التبديلات ببعض الضربات الخفيفة غير القويّة، «وإلا تخرج عن قواعد اللعبة».
وهذا ما يفسر تغيير المساعدين له ضمن إدارته وتوجيه تصريحات خفيفة لمنتقديه ومحبيه.
كذلك، لا ينسى ترامب النظر إلى «لوح النتائج»، ليعرف ما إذا كانت هناك قوانين محلية عليه الانتباه إليها وهي القوانين المتعلقة بالمكان الذي سيلعب فيه.
كما ويعكس «الغولف» على المحافل والمنابر الدولية، عبر اقتراحاته عليهم القيام بما يمليه عليهم. وهي إحدى أهم قواعدها.
وفي إعلانه «أميركا أولاً» منذ توليه سدة الحكم قد وضع علامة على «الكرة» التي يلعب بها، وأخبر الجميع عنها لئلا يقتربوا منها بـ «أحذروا الاقتراب»!
والسير بخطوات معتدلة بين كل ضربة والضربة التي تليها هو ما يقوم به بين قراراته والمدة الزمنية التي يختارها لتنفيذ تلك القرارات.
ليتسنى له البدء بالتخطيط لضربة مقبلة، عندما يقترب من الهدف السياسي المرجو من ضربته السابقة، عن طريق دراسة أبعادها وما حركته من رياح سياسية وردود أفعال دولية.
وإذا ما كان غير مستعدّ لـ»الضربة»، فسنراه يطلب من غيره أخذ مكانه حتى يستعدّ وهذا ما رأيناه في إعلانه مسبقاً لتولي «الدول العربية» الدفاع عن نفسها!
وفي اتصاله مع نظيره أردوغان بالأمس، طبق تلك القاعدة «إذا وقفت كُرتك على خط لعب زميلك، فتبرّع بوضع علامة عليها، ولا تحدث أي ضجة عندما يكون أحد زملائك متحضراً لتنفيذ ضربته!».
وأهم القواعد المتبعة في سياسة ترامب «حفاظاً على السلامة العامة، لا تضرب الكرة عندما يكون احتمال أن تصيب المجموعة التي تلعب أمامك!».
لعبة الغولف تعدّ وسيلة مهمة للتخفيف من التوتر، وهي لعبة ترامب المفضلة تحتاج الكثير من التخطيط والتأنّي.
لكن هناك قوانين يجب الانتباه إليها من أجل ضمان الاستمتاع!.. لربما ترامب يخفف من توتره، ليزيد توتر الساحة العالمية.. ليستمتع بما هو بارع فيه…