حول معالم الخطة الأميركية المستهدفة محور المقاومة.. وآليات مواجهتها المفترضة 1
حسن شقير
لعلّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة في هذه الأيام، هو على الشكل التالي: ما الذي تخطط له أميركا – ترامب للمنطقة، وخصوصاً لدول وأطراف محور الممانعة فيها؟ وهل هناك من بازلٍ جديد تحاول أميركا تركيب قطعه فيها، ولكي تكتمل صورة مشروعها الجديد؟
صحيح أنّ دونالد ترامب ليس مخضرماً في السياسة، وصحيح أنّ سمة إدارته تتصف بعدم الإستقرار وعدم التناغم أحياناً.. لكن الصحيح أيضاً أنّ سياسات ونهج ترامب – المرشح والرئيس معاً -، لم يحيدا عن خطّ بياني، ينطلق من قاعدتين رئيسيتين، أولهما تتعلق بخدمة مشروع ترامب الرئيس ولولايتين متتاليتين غير منقوصتين، وثانيهما بخدمة «الهدف الأسمى» لديه، والمتمثل بمصالح الكيان الصهيوني، وبشكلٍ منقطع النظير.
انطلاقاً من ذلك، وعلى الرغم كلّ ما يُثار حول «غوغائية» ترامب و «تخبّط إدارته الإستراتيجية»، فإنّ سياساته الداخلية والخارجية، ومنذ ما يزيد عن السنتين، لم تكن يوماً إلاّ في خدمة هذين الهدفين الكبيرين.
لعلّ التشويش قد يصيب بعض المتابعين لتلك السياسات الأميركية في عهد ترامب، وهذا مردّه إلى كثرة التغييرات والتناقضات التي طبعت عهده في هذه المدة من ولايته، إلاّ أنّ ذلك الأمر لا يتنافى مع إمكانية استشراف معالم لخطةٍ تسير بها هذه الإدارة، والتي تأمل من خلال تنفيذها وقطف ثمارها، أن تصبّ في خدمة هدفي ترامب المركزيين فما هي معالم هذه الخطة؟ وهل يمكن تركيب قطع البازل فيها؟ وهل يمكن استشراف آليات المواجهة لدى الدول والأطراف المعنية بذلك؟
عودةٌ أميركية لتفعيل
استراتيجيات قديمة.. وبنكهات جديدة
أ ـ عقوبات قاسية على كافة القطاعات الإنتاجية، وذلك في محاولة متجدّدة لـ «تفليس المصرف المركزي للإرهاب»، بحسب التعبير الأميركي، وذلك بناءً على استراتيجية كانت قد نادت بها وزيرة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الأسبق بوش الإبن، كونداليزا رايس وهذا كله يترافق مع خطة خبيثة تعمل عليها أميركا – ترامب، بجعل إيران مستفيدةً مادياً من بعض أزمات حلفائها في ما بينهم أزمة حصار قطر ، مضافاً إليها منع خروج الساحات التي تشترك فيها إيران من مربع استنزافها، وذلك بغية جعل العوائد المادية تلك، لا تكفي إلا الحاجات الضرورية في تلك الساحات، يرافقها تقديم البدائل والإغراءات لحلفاء إيران الأساسيين مادياً وسياسياً ، عسى وعلّ أن تحدث عند هؤلاء الإستدارة المرجوة أميركياً وصهيونياً وبعض عربياً أيضاً سورية نموذجاً .
ب ـ تطويرٌ لاستراتيجية هيلاري كلينتون في ضرورة «تجميع العالم ضدّ إيران»، أو ما سمّي حينها بـ «تحالف الراغبين»، إلى تحالف جديد، مبني على رؤية جورج دبليو بوش، وذلك تحت شعار «من ليس معنا فهو ضدنا» فكانت مشاريع التحالفات القائمة والمنتظرة، تجسيداً لهذه الرؤية المتجدّدة، كالتحالف العربي للسعودية في اليمن، ومن ثم ما سُمي بالتحالف الإسلامي، وصولاً إلى التحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي العتيد، وصولاً إلى اقتراح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لعقد مؤتمرٍ في بولندا، في منتصف شباط المقبل…
ج ـ لم يكن الإشهار والتباهي الأخيرين لنتنياهو، ومن قبله رئيس أركان قواته السابق غادي أيزنكوت، حول مسؤولية الكيان الصهيوني بقصف «المئات من الأهداف الإيرانية في سورية».. وذلك في تحوّل عن سياسة الكتمان السابقة، إلاّ إيذاناً من العدو – وفي ظلّ العقوبات القاسية التي تطال أطياف الشعب الإيراني قاطبةً – بأنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة تفعيل استراتيجية وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس، والقائمة على ما أسماها بـ «استراتيجية تعرية الأعداء»، بحيث يهدف كسر الغموض الصهيوني ذاك، إلى محاولة للتوجه نحو الداخل الإيراني، وللقول لهذا الشعب بأنّ ما صرفه ويصرفه الحرس الثوري في سورية، وعلى امتداد العقود والسنوات الماضية، وبأموال الإيرانيين أنفسهم، ها قد جعلته وستجعله «إسرائيل» هباءً منثوراً، وهذه السياسة الصهيونية المتجدّدة لا بدّ سيصاحبها ضخّ إعلامي غير مسبوق، وذلك للعمل على دقّ الأسافين بين الحرس الثوري من جهة، وفئات وازنة من الشعب الإيراني من جهة ثانية.
خلاصة القول، إنّ قطع البازل الأميركي لكيفية التعامل مع إيران، تتقاطع في ما بينها في الكثير من المحطات، وفي زمنٍ تريده الولايات المتحدة مديداً في عمره، إلى حين تحقيق التجميع، التعرية، العزل، العجز ودق الأسافين وتجهيز البدائل ، والتي تحلم أميركا بعدها، بأن تخيّر إيران بين خيارين لا ثالث لهما، فإما الانتحار، وإما القتل، وبغضّ النظر عن الطريقة والجهة التي ستنفذ ذلك.
السؤال المركزي: كيف ستواجه إيران هذا السيناريو الأميركي، وهل من سبيل إلى عدم الدخول فيه، أو حتى الخروج من هذا النفق الأميركي المظلم؟
– في ما يتعلّق بـ «التفليس»، أفترض أنّ المواجهة الإيرانية لهذه الإستراتيجية الأميركية، ستتدرّج من الطرق التقليدية التي تتبعها الحكومة الإيرانية عادة، وذلك باتباع طرق الالتفاف السابقة والمبتكرة، إلى الانكفاء المقنّع في بعض الجبهات التي تستدعي إنفاقاً عالياً فيها… وصولاً إلى إيصال الرسائل الحازمة نحو الغرب، بضرورة تفعيل الآلية المالية المتفادية لنظام السويفت، وذلك بالتهديد بالعودة إلى وضع العالم أمام الخيارات الثلاثة، والتي تحدّث عنها الرئيس السابق باراك أوباما عشية توقيع خطة العمل المشتركة مع إيران في حزيران/ يونيو من العام 2015، والتي أجبرته السير بخيار الاتفاق تفادياً لحرب ممقوتة دولياً وغير مرغوب فيها أميركياً ومخيفة أوروبياً وهذا الأمر ربما سيكون كفيلاً بضرب استراتيجية «التجميع» الأميركية والتي تحدّثنا عنها سابقاً.
– في ما يتعلق بـ «التعرية»، والتي يُعتبر الكيان الصهيوني الأداة التنفيذية في إطلاقها على إيران، وخصوصاً في ما خصّ «تفعيل» الضربات العسكرية على تواجدها في سورية، وتبني سياسة «كسر الغموض» السابقة… وعليه، وضرباً لأهداف تلك السياسة الأميركوصهيونية الخبيثة، يفترض بأنّ إيران، ستلجأ بدايةً إلى سياسة توهين «الإنجازات» الصهيونية المدّعاة، وذلك ضمن خطة تجعل من كيّ الوعي معكوساً، ولدى الشارع الصهيوني، وليس لدى الشارع الإيراني.. إضافة إلى ذلك، يفترض أيضاً أنّ الجمهورية الإسلامية، ستطلق حملات توعية داخلية، حول أهمية التواجد في تلك الساحات، ليس فقط من باب ربط هذا التواجد بالصراع مع العدو الصهيوني من أجل فلسطين، إنما يفترض أن يتعدّى الأمر إلى تبيان وإشهار – وبالأدلة القاطعة، والملموسة، ومن الواقع المعاش في الإقليم، انعكاس هذا التواجد إيجاباً على الأمن القومي الإيراني، وهذا كفيل بعدم نقل المعركة إلى الداخل الايراني. أميركا والغرب يزعمون بأنهم في المنطقة لدرء خطر الإرهاب عن بلدانهم.. غير أنّ الإرهاب في سورية والعراق تباعاً، وما جرى في كلا البلدين، ولبنان أيضاً صناعة أميركية ـ صهيونية من دون أن ننسى بأنّ الإرهاب هو العامل الحيوي الأول لدى أميركا والكيان الصهيوني والذي يستخدم ضدّ دول الممانعة ولتفتيتها، وإيران من بينها حتماً .
– أما في ما يتعلّق بـ «التجميع»، فالاعتقاد هو أنّ الاستراتيجية الإيرانية المضادة لذلك، ستعتمد حتماً على الطريقة التي ستتبناها إيران في مواجهة «التفليس أعلاه».