وجهة نظر
حسين مرتضى
في شرق سورية حلقة جديدة من مسلسل إرهابي أميركي طويل، أطلقت فيه الولايات المتحدة الأميركية آخر صيحاتها، والتي لم تكن أبعد من ثلاث نقاط، انتشال «داعش» من شرق الفرات تحضيراً لمعارك أخرى في مناطق مختلفة، وتعويم «قسد» على سطح إنجاز وهمي، فيما أبقت واشنطن تحالفها في شرق سورية تائهاً في دوامة الانسحاب وإعادة ارهابيّي داعش الى دول ذلك التحالف.
المسلسل الأميركي تتشعّب فيه المشاهد يوماً بعد يوم، فالنصر الوهمي الذي تحاول الإدارة الأميركية تمريره، ضمن حلقات المسلسل، يعلم القاصي والداني أنه جاء بعد إدراج الشمال ضمن أولويات الجيش السوري في هذه المرحلة، وأنّ الجيش في طريقه لتحرير ما تبقى من أراض سورية، في تلك البقعة الجغرافية إنْ كان من الإرهاب، أو من القوات التي تتواجد كقوة احتلال، مع ترك باب الحلول السياسية مفتوحاً أمام الجميع، لذلك تسابق واشنطن الزمن كي تعلن عن إنهاء تواجد داعش في بقعة جغرافية شرق سورية، وتمرير هذا الإعلان لإخفاء التحالف الوثيق بينها وبين ذلك التنظيم الذي يشكل بالعلم العسكري «قوات أميركية بديلة»، وأحد أسباب سباقها للزمن، هو استكمال سحب قادة المسلحين من تلك المنطقة مصحوبين بالغنائم وأطنان الذهب، وهذا ما كان في الأيام القليلة الماضية حيث نفذت المروحيات الأميركية عملية إخلاء لمسلحي داعش مع صناديق كبيرة، من منطقة الدشيشة بريف الحسكة الجنوبي، الصناديق هذه لم تحمل سوى الذهب، الذي تمّ نقله عبر شاحنات تابعة لداعش قبل أيام من اقتحام آخر احياء بلدة الباغوز، نحو بلدة الدشيشة شرق الشدادي، وسبقته بساعات عملية إخلاء أخرى من أطراف بلدة هجين، ما يؤكد أنّ كلّ عملية كانت لهدف مختلف عن الأخرى، فعملية هجين كانت بهدف سحب قادة داعش الذين أرشدوا الأميركي على مكان تواجد الذهب الذي سرقوه من الموصل العراقية ومدن سورية، بالطبع ذلك يأتي ضمن استكمال تنفيذ الاتفاق الذي تمّ بين داعش وقسد والولايات المتحدة، في الباغوز ومحيطها، بغية حماية تلك المجموعات من ضربات الجيش السوري الذي كان يتحضّر لإنهاء تواجدهم بالتعاون مع القوات الرديفة والحشد الشعبي من الجهة العراقية، بالتزامن مع تجميع الإرهابيين الاجانب في حقل العمر النفطي، وذلك على غير عادة «قسد» أن ترسل من يخرج من مناطق داعش الى مخيم الهول، تمهيداً لحلقة جديدة من المسلسل الأميركي الذي ستكون فصوله عبارة عن ضغط على حلفائها في التحالف أو في أوروبا، ضمن إطلاق فكرة عودة الإرهابيين الأوربيين لبلادهم، ما يدفع تلك الدول في دوامة الخلافات الأمنية مع واشنطن التي تتفرّغ بدورها للاصطياد والحصول على مكاسب سياسية في سورية والعراق، ضمن تكتيك بات مكشوفاً للجميع ما يفتح باب التساؤل عريضاً، كيف وصل كلّ هؤلاء الإرهابيين الاجانب إلى سورية؟
الوقائع التي تتكشف كلّ يوم عن وجود هؤلاء الإرهابيين، تثبت بالدليل القاطع أنّ الحكومة التركية وأجهزتها الأمنية مكّنت وسهّلت حركة الإرهابيين الأجانب والأتراك عبر الحدود إلى سورية للقتال إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي، فالمسافة الممتدّة على طول 822 كيلو متراً على جانبي الحدود السورية التركية، كانت مسرحاً لعمليات إدخال السلاح والإرهابيين الى الداخل السوري، وبحسب المعطيات فإنّ اتفاقاً ضمنياً بين داعش والمخابرات التركية، يقضي بتسهيل حركة أفراد التنظيم الإرهابي انطلاقاً من المطارات حتى الحدود.
الدم البريء الذي سفك في عتمة ليل على الأرض السورية، على مدى سنوات الحرب المفروضة على البلاد فعل فعله فالدول الداعمة والمصنّعة للإرهاب والتي جهدت على مدى سنوات عمر الأزمة على مدّ الحرب السورية بهذا الوقود من إرهابيّين وسلاح ومسلحين، بدأت بالحديث عن هجرة الإرهابيين المعاكسة، حيث لم تعد أيّ دولة في العالم بمنأى عن السحر الذي انقلب على الساحر، حتى لو اجتهدت واشنطن بإقناع العالم بأنّ الدور الوظيفي لداعش قد انتهى، إلا أنّ الهجرة التي نتحدّث عنها تأتي بعد حرص الولايات المتحدة على أرواح آلاف إرهابيّي داعش، والخبراء منهم في عالم الجريمة المنظمة، والذين استقدمتهم عبر تركيا من كلّ أصقاع الأرض، ستدخل أوروبا وحلفاء أميركا في دوامة أمنية جديدة، لن تنتهي بوقت قريب، ضمن منطق حركة الواقع وتسلسل الأحداث.