عودة إلى الذات
طال التذبذب في حركة سهم البوصلة، وكأنه يعلن باحتجاج عن عجزه تحديد صحة الاتجاه.
هنا ظهر السؤال بإلحاح: هل العيب في صناعة الأداة أم أنّ الأرض مادت ما عادت تحتمل النكران من بني الإنسان؟
تحمّلت قسوة دبيب خطواته فوق أديمها، وسترت في جوفها واحتوت أجداث من غيّبه الممات.
عاملته بكلّ احترام وهو اليوم يظهر لها العداء من فوقها وتحتها وبكلّ الاتجاهات، فاختلف فيها نظام الدوران، وما كان قاعدة صار استثناء فقط.
بعدما ظهرت من جديد قدرات وإمكانيات تعيد إلى الذهن أخبار زمن المعجزات، لكن مع اختلاف مسبّبها والهدف منها. ففي الماضي كانت لترسيخ مسلّمات أتت في زمن التنزيل والأنبياء بغرض حفظ الأمن والسلام وأحقية العيش المشترك بين الأنام. واليوم ضاع الأمان وغادر السلام وعمّت الفوضى في معظم الأنحاء بفعل مجموعات تدّعي الآدمية وتستنبط أبشع السبل لإسالة أنهار من الدماء وارتكاب إبادات جماعية تقشعر لها الأبدان، لم يرَ لها مثيل في الجاهلية وعند آكلي لحم البشر ومصّاصي الدماء.
هنا يأتي الجواب: العيب فينا نحن البشر، فالله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويسنّ شرائع مخالفة لها. إنما النفوس خلت من لمسة حبّ تُذهب عنّا الألم، وهمسة محمّلة بالودّ تدفع الهمم، والحنان ما عاد لوجوده من أثر، فقست القلوب، وما عاد للرحمة فينا من أمل، وما عاد العقل يميّز بين الجدّ والهزل.
لنُعد إلى نفوسنا الحبّ والحنان، لأننا إذا بقينا على هذه الحال سنقرأ على دنيانا السلام.
رشا المارديني