معرض بعنوان «نواويس سورية» للفنان نزار صابور تكريماً لمبدعين سوريين في المركز الوطني للفنون البصرية
لورا محمود
هو واحد من الفنانين الذين لا يسترخون مع بهجة الإنجاز ولا يكبّلهم النجاح مهما تلاقى مع الطموح، استطاع بمفرداته وأدواته التشكيلية التي تتجدّد في كل تجربة أن يرسم أيقونة روحية حقيقية، من الفنانين المواظبين على إقامة المعارض الفردية والجماعية. وأجمع أهم النقاد على أهمية وفرادة تجربته. واليوم يقدّم تجربة جديدة يكرّم فيها كبار المبدعين السوريين في مجالات عدة كممدوح عدوان ومحمد الماغوط وبسام كوسا وإلياس الحاج وسارة شما وكوليت خوري وغيرهم، معتبراً أنهم أيقونات، فأحاط رؤوسهم بأكاليل نورانيّة كأنهم قديسو هذا الزمن.. هو الفنان التشكيليّ نزار صابور الذي أقام معرضه الفردي في المركز الوطني للفنون البصرية في دمشق.
«البناء» التقت الفنان نزار صابور الذي تحدّث عن معرضه قائلاً: هذا المعرض هو آخر الأعمال التي اشتغلتها في السنتين الآخيرتين وهو بعنوان «نواويس سورية»، والناووس هو غطاء القبر الذي يضعون عليه وجوهاً وأيادي. وإذا تعمّقنا أكثر نجد أنه من القرن الأول إلى الثالث الميلادي كانت تُرسم وجوه الموتى على التوابيت وكانوا يؤمنون أنه بيوم البعث عندما تخرج الروح ستتعرّف إلى صاحبها.
وتابع صابور: لقد خطرت لي الفكرة في هذا الوقت بالذات بسبب الدمار والموت الذي نعيشه في سورية، لذا أردت أن أقول للآخرين إنّهم مهمّون بالنسبة لي وبالنسبة للبلد فهم قديسو هذا الزمن، وقد عانيت في البداية باختيار الشخصيات فإذا اردت اختيار شخصيات سورية متميّزة منذ خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم سوف يكون لدي 300 شخصية على الاقل لذا قررت أن أختار عشرين شخصية ثم ثلاثين فأربعين إلى أن أصبحوا 56 شخصية وأفكر أن أستمر بهذا المشروع لأنه توجد شخصيات سورية مهمة لكن لا استطيع أن ارسم الجميع يحتاج هذا إلى وقت فقد أخذت مني هذه الشخصيات الـ 56 فترة سنتين حتى أنهيها.
أما عن معيار اختيار الشخصيات فهو معيار ذاتي. فأيّ معيار موضوعي هو بأغلبه معيار ذاتي بمعنى أنني عندما اختار مثلاً الفنان بسام كوسا ليس لأنه قريب مني شخصياً بل لأنه أهم ممثل سوري اليوم.
وأضاف: على مدى ثلاثين عاماً أحاول أن أخلق كل سنتين أو ثلاث فكرة، لأنني اعتقد أن الفن لا يمكن أن يتوقف فهو مثل الموت ومثل الحياة دائم ومتجدّد لذا كل فترة أخلق فكرة ما وأجد أن هذا مناسب للحالة السورية الصعبة التي عشناها والتي لم يمرمثلها قسوة بتاريخ العالم.
وبالنسبة للكلام المكتوب على بعض اللوحات قال صابور: المكتوب هو لشعراء وكانت بالنسبة لي حلول سهلة وساعدتني جدا فكنت اختار بعض العبارات لمنذرالمصري أو نزيه أبو عفش أو للماغوط أو أدونيس مثلاً واكتبها بطريقة فنية تظهر اللوحة بشكل جميل. كما أنني أعتبر أن الغموض جزء أساسي بالفن. فالفن هو أن أطرح جمالاً لا أن أكرر جمالاً. فهذا يعني أنني لا أصنع جمالاً بل اقترح حتى لا يتحوّل الفن إلى فن معلّب، فالفن له علاقة بالأحاسيس الحية اليومية. فمواصفات الفن الحقيقي باعتقادي أن يحمل جانب من الغموض ومع تقدّم الوقت يجعلك تكتشف كل يوم شيئاً جديداً فيه. فالفن المباشر هو الفن المملّ بينما الغامض هو الذي نكتشف فيه كل يوم متعة ولذة ما وفكرة وحركة ما ويعيش مع الزمن أكثر والفن بهذا المفهوم هو الذي أوصلنا لما نحن عليه اليوم.
وبالنسبة للتقنية المستخدمة في اللوحات أشار صابور إلى: أنا أعمل جداً على التقنية التي من خلالها يظهر الموضوع والمضمون. وأنا منذ سنوات أستخدم مواد طبيعية لها علاقة بذاكرتنا ولها أيضاً خصوصية. فأنا أستخدم العرجوم وهو من بقايا عصر الزيتون ووالدتي كانت تستخدمه للتدفئة سابقاً. فهناك رابط روحي بين شجرة الزيتون والعرجوم وكيف يتحول عملاً فنياً.
الأخرس
وبدوره تحدّث رئيس مجلس الإدارة في المركز الوطني للفنون البصرية غياث الأخرس عن أعمال الفنان نزار صابور قائلاً: كل ما كتب وكل ما قرأته يتقاطع في الإضاءة على تجربة صابور الناتجة عن مسارات فكرية متعدّدة، ومزاج لونيّ ينسجم معها إلى جانب تركيز تلك القراءات على بحث نزار في الشكل واللون والموضوع والإيجاز الذي يبرز بتكوينات لونيّة متغيّرة، ولكن شيئاً أساسياً في تجربته لم أقرأه عند أحد يندرج تحت عنوانين: الأول هو شفافية التقنية واللون وعندما أقول شفافية فإنني أقصدها بالمعنى الحرفي للكلمة لكنها بقدرما تكشف فإنها تزيد التجليّات البصرية لهذا الفنان غموضاً، بحيث أن أبعادها تبقى غير مدركة إلا بعد التعمّق في رؤيتها والعنوان الأخر والهام في جميع أعمال نزار أياً كان موضوعها وجغرافيتها هو الروحانية التي تسيطر على العمل وتنتقل بسلاسة إلى المتلقي، وكأن بحثه الوجودي في الفن يبث السكينة والسلام عند المتفاعلين مع أعماله والمركز سعيد باستضافة هذا المعرض المميّز.
معلا
أما الفنان والناقد التشكيلي طلال معلا فأشار لـ»البناء» بأن الفنان صابور تنقل في موضوعاته بحذاقة، ليبقى على ارتباط بالقيم الإنشائية والتلوينية المشتقة من الواقع النظريّ بقدرته على توليد المشاهد الحلمية بدءاً من صورة المدينة التي استحالت في أعماله إلى مخططات عموديّة تأولية تتقاطع مع الفراغ الافتراضي الذي يجعل من المدينة بؤرة للنظر والتفكّر في مصائر المقدرة البشرية على أن تُعطي صفات رمزية أو حقيقية للسراب الذي يلف الأشكال والأشياء المطلّة على عزلة المشاهد الذي تضيق خطواته بين القبور أو تقتصر قامته تحت ظلال ما يُوحي بالأشجار الليليّة، ولم تشكل المدينة كمكان يشد النظر إليه وإلى متناقضاته المختلفة، أكثر مما اعتبرها الفنان وعاء ينفي الرؤية ليحشد الأفكار الشرقية في أطرافه وليضحي بذاكرته اللونيّة اليوميّة على حساب وجد لونيّ متقشف في أغلب الأحيان يحيل إلى السكون الصارم الذي يشبه سكون أماكن العبادة حين تكون خالية من المتعبّدين.
صويلح
وبدوره تحدّث الشاعر والروائي خليل صويلح قائلاً إن أعمال نزار صابور ارتبطت بالأيقونة الشرقية كمعطى إضافي لبيئته الروحيّة الأولى، لكن من موقع مختلف فهو حرّرها من بُعدها الديني بحذاقة لافتة وأدخلها في نسيج الحياة اليومية فلم تكن الايقونة هدفه بحد ذاتها، بل كان مشروعه يتعلق باستخدام المعطيات المحلية في اللوحة فلجأ إلى بناء تعبيري يعتمد أشكال المرايا والخزائن والأبواب ومنحها بصمة روحانية تنتمي إلى بنائية اللوحة في المقام الأول أكثر منها عملاً تطبيقياً.
سيرة ذاتية
الفنان التشكيلي نزار صابور من مواليد اللاذقية عام 1958 تخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1981. هو أستاذ مساعد فيها ورئيس قسم الرسم والتصوير من عام 2005 إلى عام 2008. حاصل على دكتوراه فلسفة في علوم الفن جامعة موسكو عام 1990. له 30 معرضاً فردياً داخل سورية وخارجها. والكثير من المعارض المشتركة. كُرِّم أكثر من مرة وأعماله مقتناة في أماكن مختلفة من العالم.