لقد ورثت داعش السكين اليهودية والتركية وذبحت بها أبناء سورية كما ذُبح الأرمن
اياد موصللي
يحتفل المسيحيون في مختلف أنحاء الوطن بعيد القيامة، ويستذكرون ما قام به اليهود وأعوانهم وصلبهم للمسيح بعد ان ساموه سوء العذاب.
في هذه الذكرى المقدّسة التي تمرّ على أمتنا في مختلف كياناتها، من الشام إلى العراق والأردن ولبنان وفلسطين… نستعيد ما قاسته هذه الأمة من جرائم القتل والذبح والسحل التي مارسها اليهود الصهاينة وما سلبوه من البلاد وما حاولوا طمسه من حقيقة الأرض والشعب…
ونحن في آلام الجلجلة نقف أيضاً مشاركين قسماً من شعبنا تعرّض منذ مئة عام وفي مثل هذا التاريخ 23 نيسان 1915 الى أبشع مجزرة خطط لها اليهود ونفذها قادة من الأتراك تعود أصولهم الى يهود اسبانيا وفي مقدّمتهم كمال أتاتورك، ويقول بيير هابيس في كتابه الصهيونية والشعوب الشهيدة :
«ولد كمال في عام 1880 وهو يهودي من أصل اسباني وتعلم الاسبانية القديمة عن والده هو وعائلته، وهو من اتباع مذهب السبتاليين اعتنقوا الإسلام ليتخلصوا من الموت، وبالنظر الى أصله السامي منع عنه الألمان خلال حرب 1914 رتبة المارشالية التي كانت الجمعية الوطنية في أنقرة على أهبة منحه اياها عام 1929…»
ويتابع: «… كان كثيرون من قادة تركيا وجمعية «الاتحاد والترقي» من ذوي الأصول اليهودية أمثال حقي بك المستشار العام للسلطنة، جاويد، كاراسون، مدحت باشا، انور باشا، فوزي باشا رئيس أركان الجيش التركي وهو مجري الأصل اسمه كوهلمن… وظهرت الأصول اليهودية لمعظم قادة تركيا الذين شاركوا في عمليات إبادة الأرمن.. وفي مقدّمتهم طلعت باشا، الذي أصدر أمراً بوصفه وزيراً للداخلية الى مكتب مخابرات حلب في 15 أيلول 1915، وفيه يأمر بما يلي: «لقد سبق وأُعلن بأمر «لجنة الاتحاد والترقي» انّ الحكومة العثمانية قرّرت إفناء كلّ الأرمن الساكنين في تركيا مهما بدت مؤسفة الوسائل المؤدية الى الهدف المقرّر، يجب إطفاء صوت الضمير والمشاعر الخاصة الإنسانية وإنهاء عمليات إفناء الشعب، بدون أية مراعاة للنساء والأولاد والمرضى».
وتمّ تنفيذ مضمون البرقية بموجب التقويم العبري في 15 أيلول 5676 وعبّر اليهود عن فرحتهم بما حصل واعتبروا عام 5676 والثورتين الكبيرتين في التاريخ العبري 5554 5678 «هينة ليّنة كراحة الكف المنقوعة بالعسل».
بعد كلّ هذا علينا أن نعي دائماً أنّ ما يقوم به القادة الأتراك اليوم ضدّ سورية هو إتمام لما حاولته سابقاً جمعية الاتحاد والترقي، هذه الجمعية التي معظم قادتها من ذوي الأصول اليهودية.
انّ ما تعرّض له الأرمن من قتل وتنكيل هو بعيد كلّ البعد عن أخلاق أمتنا ومناقبية شعبنا، وهو يكشف اليوم كما كشف بالأمس الدور اليهودي بقناع تركي والتاريخ يعيد نفسه، وما يتعرّض له المسيحيون… أرمن وعرب، وكذلك المسلمون… سنة وشيعة، هو صورة واضحة عما خططه اليهود ليذبح الأرمن بيد الأتراك وتتكرّر الصورة في المذابح التي تجري في بلادنا بيد داعش واخواتها…
ففي عام 1640 1648 أمر السلطان التركي ابراهيم – بعد خسارته الحرب ضدّ البندقية التي كانت دولة مسيحية، بقتل جميع المسيحيين وذبحهم في البلاد التي تحت حكمه، وكان فاسقاً ماجناً مدمناً على الخمر.. فهبّ شيخ الإسلام وهو أعلى سلطة في ذلك الزمان ونهاه ومنعه لأنّ ذلك مخالف لتعاليم الإسلام وانّ عدم حماية أهل الكتاب ذنب وتقصير، وأصدر شيخ الإسلام التوصية التالية:
وصلى الله على سيدنا موسى كليم الله القائل:
«انّ أبغض الخلق الى الله تعالى من تكبّر قلبه وغلط لسانه وبخلت يده وساء خلقه، وصلى الله على أبي الانبياء ابراهيم الخليل الذي قال: «حسّنوا أخلاقكم ولو مع الفجار تدخلوا مداخل الأبرار، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعلى الناهجين نهجهم الداعين الى مكارم الأخلاق واتباع الحق والصواب».
فعلى هذا ينبغي للمسلمين الاتحاد والاتفاق وجمع الكلمة العمومية مع أهل وطنهم من أهل المذاهب والطوائف الأخرى المحترمين، حيث اننا نحن وهم على السواء في ما يضرّ الوطن او ينفعه، وانّ المصلحة العمومية واحدة ينفعهم ما ينفعنا ويضرّهم ما يضرّنا، وانّ الدين الاسلامي يقول: لكم ما لنا وعليكم ما علينا. قال رسول «الا من ظلم معاهداً او انتقصه او كلفه فوق طاقته او أخذ منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة»، وقال الإمام علي: «من كانت لهم ذمتنا فدماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا ودينهم كديننا، فلهذا يجب توحيد الكلمة معهم والاهتمام بكلّ ما يسرّهم ويؤول الى احترامهم وراحتهم وعدم الضرر والتعدّي عليهم والإيذاء بهم لا باليد ولا باللسان، فقد قال النبي «من قذف ذميا حُدّ له بسياط من نار يوم القيامة»، لأنّ عند اخواننا بني الطوائف الأخرى من الغيرة والحمية والمحافظة على الوطن ما عندنا حيث النفع والضرر سواء لنا ولهم. كما انه لا يجوز التعدي على أحد من الأجانب ورعاياهم حيث ان حكمهم حكم أهل الاوطان لدخولهم مستأمنين فلا يجوز التعدي عليهم. ويد الله مع الجماعة والتعاون على نفع الوطن وأهله بالطرق المشروعة وعدم التعدي على أحد من الطوائف الأخرى ومن الأجانب.
«وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان».
وبعد ذلك قام الجنود الأتراك وذبحوا السلطان ابراهيم الفاسق الجائر.
وعندما التجأ الأرمن بعد المذابح التي تعرّضوا لها الى بلادنا غضب قادة البلاد مما يحدث واعتبروا انّ ما يتعرّض له الأرمن والمسيحيون هو عمل مناف لتعاليم الدين وخلقياته.
بماذا وكيف يصف التاريخ ما جرى عام 1915، يقول المؤرّخون: «فاقت المذابح الأرمنية في سنة 1915 جميع ما وقع مثلها في أيام عبد الحميد وغير عبد الحميد، وفي أيام الاتحاديين أنفسهم سنة 1909، ووقعت هذه المذابح على اثر الانتصارات التي نالها الروس في أول الحرب العالمية على الترك، والتي لعب الأرمن فيها دوراً بارزاً واتهمهم الأتراك بمساعدة القوات الروسية.
وكانت الطريقة التي صار إقرارها في هذه المذابح ان تعمل السلطات التركية أول الأمر على نفي الأرمن بالجملة من بلادهم وقراهم، ثم يرسلون في قوافل لا سلاح لديها، ولا قوات فيها تحت رحمة عصابات من الأشقياء صار اختيارهم لهذه الغاية.
وكان على العصابات ان تبدأ بذبح الأرمن في طريقهم الى المنفى، وكانت القوات التركية ورجال الدرك يقومون أحياناً بمساعدتهم في هذه المذابح.
وقد قتل في الطريق ألوف الأرمن من رجال ونساء وبنات وشباب، وكان من ينجو من الرجال والأولاد يُصار الى استخدامه في الجيش… واما النساء والفتيات فكان يصار الى قتل بعضهن، والبعض الآخر يوزع على العائلات التركية المختلفة ليقوموا بالخدمة. وقد استطاع كثيرون من الأرمن الفرار الى الروس.
الأرمن في سورية ولبنان
وصل فريق من المنفيين الى سورية فأكرمهم أهلها، وعاشو فيها مرتاحي البال.
ولا بدّ لنا من ان نذكر هنا انّ أهالي سورية هبّوا وسارعوا الى فتح منازلهم واستقبال النازحين من الأرمن وتضميد جراحهم ومأساتهم وشدّ أزرهم، وأقام الأرمن في سورية ونشأت حبال المودة والاخاء بين الوافدين وأهل البلاد، وشجع الترحيب وحسن المعاملة الأرمن على الإقامة مستفيدين من كلّ المساعدات التي قدّمت لهم، وسرعان ما أثبتوا وجودهم وحسن تعاملهم مع أهل البلاد وتحاشوا المساس بخصوصيات الناس، وأعطوا ولاء كاملاً للأرض التي أقاموا عليها، ومُنحوا الجنسية السورية وانخرطوا في الوظائف المدنية والعسكرية حتى وصل منهم قائد قوى «الدرك» الجندرمة في الأمن الداخلي وكان يدعى «هرنت»، وكان من أبرز القادة الأمنيين السوريين، وهو الذي قاد رجال الدرك وهم القوة العسكرية الوحيدة الموجودة آنذاك عام 1945 وجابه الجيش الافرنسي عندما هبّت سورية تطالب بالاستقلال وجلاء الجيش الفرنسي عنها والذي تحقق في 17 نيسان عام 1947.
كما برز منهم سياسيون وشاركوا في الانتخابات ودخل مجلس النواب أعداد منهم وكذلك الوزارة.
أما في لبنان فقد لعب الأرمن دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية وشكلوا ثقلاً في الحياة السياسية وبقوا على مسافة واحدة من جميع المكونات، فلم يستفزوا مشاعر أحد ولم يشاركوا في الأحداث الداخلية بل دفعوا ثمناً باهظاً بسبب موقفهم هذا، إلا أنهم لم يتراجعوا عن هذه الأخلاقيات وقد أحبّهم الجميع واحترموا من قبل الجميع، واتسم الأرمن بالصدق في تعاملهم وحسن أدائهم، صدقوا في المعاملة وصدقوا في الحياة السياسية وبرز منهم نواب ووزراء وقادة جيش، ولهم ارتباطهم العاطفي بانتمائهم فاندمجوا في مجتمعهم، ويمتاز الأرمن عن غيرهم بأنهم ورغم تحسّسهم بأرمنيتهم كقومية انبثقوا منها إلا أنهم لم يتخذوا من تجذرهم العرقي سبباً للتنكّر للأرض التي احتضنتهم والشعب الذي آخاهم ليشكلوا نواة قومية منعزلة، لقد كانوا قومية متجانسة في البوتقة الاجتماعية الكبرى وانصهروا فيها. وكما قال سعاده: في الوحدة القومية تنصهر العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة، لقد تفاعل الأرمن مع محيطهم الاجتماعي الذي وجدوا فيه وتجانسوا مع المجموعات الأخرى التي عاشوا معها وتفاعلوا وكوّنوا مشاركين حضارة وسطروا تاريخاً ورووا بدمائهم الأرض التي أشادوا عليها وطناً أحبوه وأحبهم ومنحوا هذا الوطن حبهم وولاءهم فكانوا بكلّ ما فعلوه وتصرّفوا يصدرون عن إيمان نابع من شعورهم بأنهم جزء من وطن يشدّهم اليه ولاؤهم لدولة لا تقوم على العصبيات والعنصرية الهوجاء. أمة هي نتاج سلالي كوّنته سلالات متعددة جاءت إلى هذه المنطقة بالهجرة او بالحروب وتفاعلت مع بعضها مكونة هذا المجتمع الذي يشكل تاريخه وحضارته جوهر بقائه.
الأرمن في العراق
وما ينطبق على الأرمن في الشام ولبنان ينطبق أكثر في العراق، ففي العراق مجموعات كبيرة من الأرمن ولعلّ قرب العراق من الحدود التركية وسرعة اللجوء اليه ساعدت على الإقامة، إلى جانب الترحاب والنجدة والنخوة التي قوبل بها الأرمن، ولعلّ من مفاخر العراقيين انّ كثيراً من الأطفال اليتامي الذين فقدوا أهلهم كفلتهم عائلات عراقية وربّتهم مع أولادها فنشأ كثيرون منهم لا يعرفون أهلاً لهم سوى هؤلاء ولم ينكر العراقيون على من ربّوهم أصلهم ودينهم لذلك لا تستغرب اذا وجدت أرمينياً يحمل اسماً عراقياً ويقول لك انّ أصله أرمني وهو مسيحي وذاك حامل الاسم نفسه هو عربي ومسلم وهو أخاه في الرضاعة والنشأة ومثل هذا كثير في العراق والمناطق الشمالية مثال كركوك، وزاخو والموصل.
وهناك تجار كبار من هؤلاء يعتزون بالعائلات التي احتضنتهم وحفظت لهم تاريخهم.
والأرمن في العراق لهم كنائسهم وتجمعاتهم ونواديهم، مثال: نادي الشبيبة الأرمنية ونادي الجمعية الخيرية الأرمنية ولهم فرقهم الرياضية.
في العراق تجد الأرمن أكثر اندماجاً في الحياة اليومية والعادات والتقاليد وشاركوا في كلّ التفاصيل واشتركوا في الحروب وقدّموا كثيراً من الشهداء ونالوا أوسمة البطولة، وبرز منهم أسماء رجال أعمال كباراً.
وترى الأرمني يأكل الدليمية والتشريب والباجة بأصابعه ويشرب من الكأس مشاركاً شارباً آخر عكس عوائد الشام ولبنان ويُكنّى بأسماء عربية «كابوا علوان مثلاً وهو خسروف خورين أوانيس» من كبار التجار ورجال الأعمال ويتحدثون باللهجة العراقية العامية أو كما يسمّيها بعضهم بلهجة «العامة» ويضعون «العرقشينة» طاقية على الرأس ويأكلون اللبلبلي والباقلة والجاجيك مازات مع المشروبات الكحولية ويلبسون الدشداشة وينتعلون في أقدامهم «النعال» عراقيون في كلّ شيء فإذا درستهم اجتماعياً فلا فرق بينهم وبين العرب العراقيين في ايّ شيء رغم احتفاظهم وتمسكهم بتراثهم وانتمائهم إلا انّ كلّ الأرمن أعطوا حبهم للأرض التي احتضنتهم واعتبروا انّ أرمينيا أمهم وبلاد العرب والدهم…
لقد كان الأرمن ولا زالوا رمزاً لما يمكن لشعب ان يحققه كما قال الشاعر الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر