حتى العام 2020: عقلنة الترامبية أو إزاحتها
حسن شقير
لا يمكن لأيّ مراقب ومتابع للقضايا الدولية في العالم، بأن يمرّ مرور الكرام على ظاهرة الممارسة السياسية للرئيس دونالد ترامب في سنيّه الثلاث الأولى من حكمه، وكأنه، كأيّ رئيس أخر مرّ في تاريخ أميركا البعيد والقريب، سواء أكان هذا الرئيس ديمقراطياً أو جمهورياً.. وهذا مردّه إلى أنّ هذا الرئيس «الغريب« فعلاً، قد أوجد – ومن خلال ممارساته السياسية -، داخلياً وخارجياً، ظاهرةً يمكن تسميتها بحق، بأنها «الظاهرة الترامبية« في الممارسة السياسية للولايات المتحدة الأميركية الجديدة.
ليس من مقاصد هذه العجالة، البحث عن الأسباب التي دفعت بهذه الظاهرة إلى واجهة السياسة الأميركية، فهذا الأمر قد تخطاه الزمن.. وليس المقصود منها أيضاً الحكم على هذه الظاهرة، وذلك من خلال تقييم أثرها وتأثيرها الاستراتيجي على مكانة الأمبراطورية الأميركية في العالم، فهذا بحث كنّا قد كتبنا حوله سابقاً.. ولكن، ما نحن بصدده حالياً، يتمثل في معالجة قضية تتمثل باستشراف تقدير الموقف لدى من يمكن تسميتهم اليوم بأنهم «ضحايا« الترامبية في العالم، من دول وأقطاب وأطراف وقوى، مارست عليهم هذه الظاهرة – ومنذ سنوات خلت -، الصلف والعجرفة، السياسية والإقتصادية، وبأبشع صورها!
هذه الظاهرة – إنْ كتب لها الإستمرار وقطف الثمار منها -، فإنها مرشحة لأن تصبح ظاهرة سياسية راسخة في الممارسة السياسية لأميركا في العالم، وسواء أكان ذلك مع ترامب اليوم، أو حتى مع غيره من الرؤساء اللاحقين له في البيت الأبيض، وسواء أكانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، فالأمر حينها سيان.
إذاً… فالقضية لدى هؤلاء الضحايا، ليست قضيةً هامشية، عابرة، يمكن التغاضي عنها لديهم، وذلك كونها ظاهرة، لا يمكن التعويل على محوها من خلال تلك التجاذبات السياسية الحاصلة حالياً في الداخل الأميركي، فهذا الأمر بعيد عن المنطق.. لا بل أنّ تقدير الموقف من هؤلاء جميعاً – أيّ ضحايا الترامبية -، سيكونون مجبرين على التحرّك في هامش زمني لا يتخطى شهر تشرين الثاني من العام 2020، تاريخ الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، فهؤلاء ليس لديهم خيار سوى واحد من اثنين، فإما العمل على عقلنتها – وإنْ قسراً-، وإمّا إزاحتها في التاريخ المذكور أعلاه، وذلك بأقلّ الخسائر الممكنة لديهم…
هل يمكن تحقيق ذلك فعلاً؟
لنبدأ أولاً من الحدث، من إيران، والتي واجهت، وتواجه تلك الظاهرة ضمن المعادلة التي اختصرها المرشد، وبكلمتين اثنتين «لا حرب ولا تفاوض«، وذلك طبعاً ضمن الشروط الأميركية للتفاوض.. وعليه فإنّ هذه المواجهة، يبدو أنها ستتمّ من خلال هامش بين حدّين، فإمّا إعادة أميركا إلى رشدها السياسي في التعاطي مع الجمهورية الإسلامية، وإمّا العمل على إزاحة هذه الظاهرة – ليس بالأيدي الإيرانية طبعاً -، ودائماً ضمن ذلك السقف الذي حدّده مرشدها الأعلى.
وبناءً على ذلك، فإنّ تقدير الموقف يفترض، بأن تناور إيران فوق الحزام بدايةً، وليس تحته، وذلك باعتماد استراتيجية مواجهة يمكن من خلالها العمل على عقلنة تلك الظاهرة بحدّها الأدنى.. وهذا ما بدأت به إيران فعلاً، وبالأمس القريب، وذلك بوضع الخطوات العملية لانتهاج مسار عملي في الردّ المناسب على خروج ترامب من الإتفاق النووي، فكان بيانها الأول متمثلاً بإعلان الرئيس روحاني للبرنامج والمهل الزمنية سواء أكانت موجهة للأوروبيين، أو حتى لأميركا نفسها.. وعليه، فإنه، وفي حال عدم الإستجابة من قبل أولئك، فإنّ التلويح بالتدرّج الزمني في الانعتاق التصاعدي من مندرجات خطة العمل المشترك، يستبطن في طياته تصعيداً إيرانياً مقصوداً في زمن محسوب بدقة، وذلك ضمن استراتيجية إيرانية ذكية في العمل على تفعيل سياسة تضييق الخيارات أمام ترامب -المرشح، وفي زمنه الإنتخابي الصعب من ولايته الرئاسية المتبقية والمبتغاة، وعليه، فإنّ ترامب سيكون مخيّراً حينها بين فتح باب الحوار النووي مع إيران مجدّداً، وذلك ربما يكون عبر القناة الأوروبية، فتكون حينها إيران في موقف تفاوضي أفضل، الأمر الذي قد يجعل من الترامبية المتوغلة تنكفئ قسراً نحو العقلنة.. وأما الخيار الآخر لدى ترامب، فيكون خياراً انتحارياً في مواجهة القرارات الإيرانية النووية – وربما غير النووية – المتسارعة جداً في هذا الزمن القصير والصعب.. الأمر الذي قد يجعل من نتائج هذا التوجه الترامبي، مدماكاً أساسياً في جرّ من يمتلك القدرة على المحاسبة في الداخل الأميركي، للتوجه نحو إزاحة تلك الظاهرة، وبشكل نهائي، ولكن ليس باليد الإيرانية، إنما بالأصوات الأميركية في ذاك العام المفصلي.
في المحصلة، فإنّ المجابهة الإيرانية – الأميركية، وفي ما تبقى من هذا الزمن حتى خريف العام 2020، ستكون سمتها التسارع المحسوب بالأيام، ووفقاً للتوقيت الإيراني.
لا يقتصر الأمر في مواجهة هذه الظاهرة على إيران، إنما سيكون الثلاثي الدولي، والممتدّ من روسيا إلى الصين، وصولاً إلى كوريا الشمالية، معنياً بتلك المواجهة أيضاً، وخصوصاً أنّ هذا الثلاثي يخضع لعمليات ابتزاز واستنزاف ترامبية متواصلة، فلربما يلعب هؤلاء مع ترامب لعبة الزمن الصعب نفسه، كتلك التي ستلعبها إيران معه… وعليه فإنّ تقدير الموقف حول آليات المواجهة مع الجنوح الترامبي، ربما يكون أيضاً بتفعيل بوتين وتشي وأونغ استراتيجية تضييق الخيارات في التعاطي مع ترامب، وذلك بغية دفعه نحو اتخاذ القرارات الحاسمة في زمنه الانتخابي الصعب، وبتوقيت آسيوي محسوب بدقة في عمليات التفاوض الحاصلة معه من قبل هؤلاء جميعاً، الأمر الذي قد يحشره – وبقوة -، بين سندان العقلنة من جهة ومطرقة الإزاحة من جهة أخرى، ومن دون أيّ هامش لديه في القدرة على المناورة خارجهما، وذلك أيضاً وفقاً لتسارع الخطوات والسياسات المحسوبة بدقة لدى هذا الثلاثي – الضحية
ليست آليات المواجهة مقتصرة عند أولئك في العالم، فتطورات المشهد اليمني، على دول التحالف السعودي، قد تجعل من ذاك الزمن الترامبي الصعب، زمناً ملتهباً للأسواق النفطية، وما لذلك من أثر سلبي على الناخب الأميركي، وخياراته وتوجهاته الإنتخابية المقبلة، مما قد يدفع العباءة الترامبية لتلك الحرب العدوانية عليه، أن تحشر في زمن انتخابي صعب يفرض عليها الاختيار أيضاً وأيضاً.. ولربما تكون صفقة القرن، والتي ينوي ترامب طرحها في البازار السياسي في وقت ليس ببعيد، والتي يأمل من خلالها أن تكون رافعة انتخابية له عند الناخب الأميركي واليهودي، فلربما تكون التطورات التي قد ترافقها وتعقبها على الساحة الفلسطينية وما يحيط بها، قد تجعل لتداعياتها أثراً مباشراً على خيارات ترامب ونتنياهو على حدّ سواء.
بكلمات معدودة، من الآن وحتى العام 2020، سيكون على عاتق «ضحايا« الترامبية في العالم، مجتمعين أو منفردين، عقلنة هذه الأخيرة أو إزاحتها من المشهد السياسي نهائياً في الولايات المتحدة الأميركية، فالمسألة لدى هؤلاء ولديها أيضاً، مسألة خيارات لا بدّ منها…