هل يصبح القرار الإماراتي جزءاً من واقع سياسي ــ أمني في الخليج والمنطقة؟
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
واضح أنّ القرار الذي اتخذته دولة الإمارات العربية بتصنيف 83 منظمة وجمعية ومؤسسة كمنظمات إرهابية، يشكل في حدّ ذاته سابقة أمنية سياسية عربية، وعملية اتخاذ القرار وتطبيقه وتداعياته، هل ستطال المشهد الفلسطيني؟ وهل سينعكس هذا القرار على العلاقات الفلسطينية الداخلية، وكيف ستتصرف وتكون ردة فعل «حماس» على هذا القرار؟ فهي معنية به بشكل مباشر ولا يمكن لها ان تغض النظر عنه او تتجاهله، وخصوصاً أنّ حركة الإخوان المسلمين العالمية هي من ضمن المجموعات المصنفة إرهابية، وهو أمر مهم جداً لنا كفلسطينيين عامة، ولحركة حماس خاصة، فللحركة ارتباطات فكرية وتنظيمية وسياسية مع تلك الجماعة، وقرار الإمارات العربية إنْ كان يتناظر مع القرار المصري بإخراج حركة «الإخوان المسلمين» عن القانون في مصر، فإنّ القرار الإماراتي جرى التعبير عنه بشكل قانوني أعمّ وأشمل، بحيث يشمل المؤسسات والجمعيات الإغاثية المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين، وتحديداً في بريطانيا، ونحن نعرف جيداً بأنّ هذا القرار أتى ويأتي في إطار صراع المحاور العربية والإقليمية والدولية المشتبكة في اكثر من ساحة وميدان، فمصر والسعودية والإمارات العربية تصطف في محور واحد مقابل المحور القطري- التركي الإخواني، وسبق للسعودية ان سحبت سفيرها هي ودول مجلس التعاون الخليجي من الدوحة، وطالبتها بترحيل «الإخوان المسلمين» عن أراضيها، وكذلك إغلاق محطة «الجزيرة» الفضائية التي تمارس التحريض ضدّ السعودية والنظام المصري، وهدّدت تلك الدول بفرض مقاطعة شاملة على قطر بسبب ذلك، وقد استجابت قطر جزئياً للمطالب السعودية والمصرية والإماراتية، ورحّلت عدداً من قيادات الإخوان عن أراضيها، من اجل خفض حالة التوتر مع دول هذا المحور.
تداعيات القرار الإماراتي ستترك تأثيراتها بشكل مباشر على حركة حماس، وإنْ كانت الأمور وتعقيدها وطبيعة الصراع مع الاحتلال، قد تؤخر وتحدّ من تلك التأثيرات على حماس والساحة الفلسطينية، ولذلك لا يجوز عدم أخذ هذا القرار على محمل الجدّ، أو التقليل من اهميته، ولذلك فإنّ حركة «حماس» إذا لم تسارع الى إعادة صياغة البند الخاص في ميثاقها، والذي يؤكد على الارتباط الفكري – السياسي بينها وبين جماعة «الإخوان المسلمين»، نحو فك هذا الارتباط وهذه العلاقة، فإنّ القرار والقانون الإماراتي يعني شموله لحركة «حماس» مستقبلاً.
بعد القرار الإماراتي ثمة سؤال ملحّ وعلى درجة عالية من الأهمية، هل حركة «حماس» التي وظفت كلّ ماكنتها الإعلامية، وجيّرت كلّ مواقفها السياسية لصالح «الإخوان» في مصر، وأمدّتهم بكلّ أشكال الدعم، ضدّ النظام المصري الحالي، تمتلك القدرة والإرادة على أن تأخذ خطوات او قرارات ذات طابع استراتيجي، كأن تعمد حماس علانية إلى إلغاء ميثاقها الإخواني، لتعيد تقديم ذاتها كحركة فلسطينية مستقلة، لا صلة لها بأيّ تنظيم دولي، بعد مراجعة «فقهية» لمصلحة فلسطين الوطن والقضية، باعتبارهما فوق الجميع، وان الصلة بالجماعة باتت مرحلة من التاريخ، لا حاضر لها ولا مستقبل.
بسبب طبيعة الارتباطات والعلاقات الفكرية والتنظيمية والسياسية بين «حماس» وحركة الإخوان المسلمين العالمية، لا اعتقد أنّ «حماس» ستقدم على خطوة من هذا النوع، فـ»حماس» وضعها القرار الإماراتي أمام خيارات صعبة لا تحسد عليها، فإنْ هي أقدمت على خطوة نوعية بالإلغاء، فلهذا القرار تبعات وتداعيات خطيرة على اوضاع حركة حماس الداخلية، حيث ان هناك تياراً قوياً فيها، قد يقدم على الخروج من الحركة، خاصة التيار المرتبط ارتباطاً وثيقاً بقطر وتركيا، حيث يستمدّ قراراته مباشرة من قيادة حركة الإخوان العالمية، وقد ظهر ذلك واضحاً في الحرب العدوانية «الإسرائيلية» الأخيرة على قطاع غزة، والجدل العميق الذي دار في صفوف الحركة حول القبول بالمبادرة المصرية او رفضها لوقف إطلاق النار والتهدئة، حيث كان هناك تيار في حماس من منطلق علاقته المحورية مع قطر وتركيا، يرفض أن تكون مصر الجهة الوحيدة الراعية لاتفاق التهدئة والهدنة مع دولة الاحتلال، ولذلك كان يغلّب مصلحة وأجندة هذا المحور على المصلحة الفلسطينية والوطنية، مقدماً إخوانيته على فلسطينيته.
وفي المقابل إذا قبلت حماس بأن تجري مراجعة وتعدّل في ميثاقها، بما يؤكد على استقلاليتها وفك ارتباطاتها مع حركة الإخوان المسلمين العالمية، لكي تتلافى عقوبات محتملة قد تفرض عليها في القريب العاجل جراء تماثلها مع حركة الإخوان المسلمين، هذا يعني تخلي الحركة عن هويتها الفكرية والسياسية والتنظيمية، وخصوصاً أنّ جزءاً من مكتب شورى حماس ومكتبها السياسي يشارك في اجتماعات ولقاءات مجلس الشورى لجماعة الإخوان المسلمين.
وضع شائك ومعقد، وفيه الكثير من الصعوبات بالنسبة إلى حركة حماس، فهي قد تجد نفسها في مأزق عميق وخطير، حتى على الصعيدين الفلسطيني والعربي، وخاصة اذا ما أصبح القرار الإماراتي جزءاً من واقع سياسي امني في الخليج والمنطقة، حيث سيصبح من الصعوبة على الدول العربية التعامل مع حركة حماس، حيث أن أغلب الدول العربية ستلتزم بالقرار، وهي تستمدّ قرارها من أميركا أولاً، وجزء من الدول العربية، سيتعاطى مع القرار من منظور مصالحه وما يحصل عليه من دعم مالي ونفطي إماراتي – سعودي، وآخر سيكون مجبراً على الالتزام وإلا سيكون تحت طائلة المحاسبة والمساءلة.
كذلك على الساحة الفلسطينية، سينعكس الأمر على التعامل والعلاقة ما بين سلطة رام الله وحركة حماس، وبالتالي هذا القرار وهذا الواقع المستجدّ، من شأنه أن يفرط عقد ما يسمّى حكومة الوفاق الوطني المتعثرة أصلاً، حيث سيكون محظوراً على حماس ان تكون جزءاً منها، وكذلك محظوراً على السلطة الفلسطينية حتى التعاطي معها، وهذا سيعقد ويصعّب حدوث انفراج جدي في قضايا المصالحة وإنهاء الانقسام وحكومة الوفاق الوطني والوحدة الوطنية وحتى التهدئة والإعمار.
القرار الإماراتي يضع حماس تحت اختبار وخيار جدي وصعب، فهل ستغلّب حماس فلسطينيتها ووطنيتها على أيديولوجيتها وإخوانيتها؟ أم ستستمرّ على نفس نهجها ومنوالها وتتحمّل تبعات ما قد يحدث؟
Quds.45 gmail.com