رؤية أميركية لأسباب انطلاق معركة إدلب
حميدي العبدالله
لاحظ كثيرون أنّ ردود فعل الولايات المتحدة حول العمليات التي بدأها الجيش السوري ضد ّالجماعات الإرهابية في إدلب ومحيطها، والتقدّم الذي حققه، لم يواجَه بمواقف شبيهة بتلك التي اعتادت عليها الولايات المتحدة عندما كان الجيش السوري يقوم بفتح معركة مع الإرهابيين في منطقة ما من المناطق السورية لتحريرها من الإرهاب.
إذ كان من المعروف أنّ الولايات المتحدة والمسؤولين فيها يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، ويدفعون حلفاءهم الأوروبيين وفي المنطقة ويجنّدون وسائل إعلامهم وإعلام حلفائهم للهجوم على الدولة والجيش السوري وحلفائهما.
اختلاف ردّ فعل الولايات المتحدة وحلفائها الذي كان هذه المرة أدنى منه بالمقارنة مع المرات السابقة لا يعود إلى أنّ الولايات المتحدة قد سلّمت بشرعية ما يقوم به الجيش السوري، بعد أن أعطت الفرصة الكاملة لتركيا لتنفيذ اتفاق سوتشي الذي كان من المتوقع أن يؤدّي تطبيقه إلى تحسين الاستقرار والأوضاع الأمنية وتجنيب المنطقة حرباً ضروس، ولا لأنّ من يسيطر على إدلب ومحيطها هي تنظيمات إرهابية وفق للقوانين المعمول بها في الولايات المتحدة.
إنّ أسباب ردة فعل الولايات المتحدة التي جاءت، على الأقلّ حتى الآن، أدنى من ردود فعلها السابقة تولت شرحه الصحافة الأميركية، صحيفة «واشنطن بوست» أشارت في مقال نشر بتاريخ 9/5/2019 إلى أنّ الرئيس الأميركي لم يتحرك كما كان يفعل في السابق، وأضافت أنّ «تغريدة» من الرئاسة لم تصدر، ولو صدرت مثل هذه التغريدة «سيكون لها تأثير حقيقي على الأرض». أما لماذا لم يبادر الرئيس الأميركي إلى تغريدة يطالب بوقف عمليات الجيش السوري فتجيب الصحيفة على هذا السؤال قائلةً: «هناك الكثير يحدث الآن في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تتعامل إدارة ترامب مع أزمة إيران المتصاعدة، وإطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، والمفاوضات التجارية الصينية المهزوزة، ومحاولة الإطاحة بالنظام الفنزويلي» وترى الصحيفة أنّ هذه العوامل والتحديات هي التي غيّرت أولويات الولايات المتحدة، وبالتالي وضعتها في حال لا تستطيع معه العودة إلى مواقفها القديمة التي كانت تتخذها عندما يقوم الجيش السوري بتحرير منطقة سورية من سيطرة الإرهابيين. بهذا المعنى تخشى الولايات المتحدة إنْ أطلقت موجة جديدة من ردود الفعل الكلامية الحادة المشابهة لردود سابقة أن يورّطها ذلك في مواجهة في ظلّ ظرف تواجه فيه تحديات على جبهات عديدة، في الوقت الذي استعدت فيه سورية وحلفاءها لمواجهة احتمال أن تعرقل الولايات المتحدة أيّ عملية عسكرية بهدف حماية الإرهابيين، حيث باتت كلفة اللجوء إلى العرقلة أعلى من الكلفة التي كانت تتحسّب لها في الفترات السابقة.
هذه العوامل هي التي تفسّر طبيعة ردّ الفعل الحالي للولايات المتحدة وحلفائها حول ضرب الإرهابيين في إدلب ومحيطها.