الحصول على بصمتنا المُتَفرّدة في البَهْجة!!..
د. فايزة حلمي
عندما يتعلّق الأمر بالعمل، فإننا نميل إلى أن نكون، استراتيجيين للغاية في نهجنا، إننا نفكّر بشكل مكثّف في الأماكن التي قد تكمن فيها مواهبنا وفُرَصنا، فنحن نمضي سنوات وثروة في التدريب، ونكرّس طاقات استثنائية وسنواتنا الأكثر نشاطاً للتقدّم في السِّلم ونراقب بيقظة وغيْرة تَقدّم منافسينا.
معظمنا شديد التواضع حول ما نستمتع به حقاً، لذا ما نقوم به في ساعات فراغنا يتميّز بتشابهه بملل، نذهب للتريّض لأننا نسمع أن هذا يكون ممتعاً، ندعو الضيوف لتناول العشاء والتحدث عما يتحدّث عنه الجميع، عطلة نهاية الأسبوع لدينا، تماماً نقضيها مثل جميع زملائنا، وفي النهاية نموت مع مشاعرنا التي لم يتمّ استكشافها، ولكي ننقذ أنفسنا، نحتاج إلى ما يعادل طفرة فنيًة، ساعات فراغنا، نتمنى بأن تكون الشيء السهل، ولا نتوقع أن يكون هناك تعقيد في هذا الجزء مِن الحياة. فنحن نريد الاسترخاء والمرح ونميل إلى تَصَوّر أن العقبات الوحيدة أمام هذه الأهداف قد تتمثل في الوقت والمال، نحن نتبنّى أسلوبًا ترحيبيًا ونتعامل بسهولة مع اقتراح الآخرين دون تدقيق في بعض الأحيان، ودون تفكير، ينتهي بنا المطاف في التكرارات المُمِلّة.
ما قد نفتقده لسنوات عديدة هو الثمن الحقيقي لإهمالنا أنفسنا، ننسى أن حياتنا الآن أقلّ بكثير مما يجب أن تكون عليه، لأننا نَصِرّ على أن نكون عشوائيين، في الوقت الذي يجب أن نكون تحليليين مخلصين، نحن نتمسّك بأن نسترشد بالتلقائية الشائعة والمشوّشة، بينما ينبغي لنا استخدام العقل والتفكير المستقل نحن أكثر بؤساً مما يجب أن نكون، لأننا لا نستطيع أن نهتمّ ببهجتنا بجديّة أكبر، ونحن لا نفعل ذلك، لأننا نفتقر بشكل مُؤثر ومُدَمّر للتفكير بشأن تفرّدنا، ونفترض أن ما سيعمل لصالح الآخرين سيعمل لصالحنا أيضًا، ولا يحدث هذا بسهولة لأننا لا نراعي تفرّدْنا.
والتصحيح لهذا الغياب المكلف للغاية، للعقل المُهْتَم، يأتي مِن: «تاريخ الفنّ»، ما نُسَمّيه فناناً عظيماً هو شخص، أولاً وقبل كل شيء، تَعلّم أن يأخذ سعادته على مَحْمَل الجد، معظم الفنانين الشباب لا يفعلون ذلك، إنهم يحبون الفنّ بالطبع، لكنهم لا يبحثون عميقًا في ما يخصّهم: فمنهم يعكس ما يميل إليه الآخرون من حولهم في عصرهم ودائرتهم الخاصة، إنه فنّ الأشخاص الذين لا يملكون القدرة على أخذ سعادتهم على مَحْمَل الجد، هناك متعة هنا بالتأكيد في عَمَلِهم، ولكن ليست متعة مع أي جذور عميقة في شخصية الفنان..
لكي تصبح فنانًا بهذا المعنى لا يتعلق أولاً وقبل كل شيء بالاكتشاف التقني، بل يتعلق بقوة البقاء وفيَّاً لذاتِك، معظمنا، لا يمارس الفنّ، لكننا نشارك في الأعمال المتعلّقة بإرضاء أنفسنا، كما يجب على أي فنان، وبالتدريج، فقط إذا كنا محظوظين، نتوصل إلى أن طريقتنا المميّزة لجذب المتعة، من الطبيعة، والكتب، والأفلام، وحفلات العشاء، والملابس، والسفر والحدائق العامة وما إلى ذلك، تَحْمِل بَصْمة، وجدولاً زمنياً فريداً مِن سماتنا الفردية الخاصة، فالساحِر يشبه الفنان في امتلاك حضور ذهني، للدفاع عن الأذواق الخاصة به، وخاصة، عند خروجها عن التيار الرئيسي، يفكر المرء، في هذا الصدد، مثل الفنانين الكبار، بقوة التفاصيل لتوليد السعادة الخاصة به.
وللأسف، معظمنا، على النقيض من ذلك، متواضع بشكل مصيري حول ما نتمتع به، لا نجرؤ على إظهار الاكتشافات الخاصة بنا، لذلك، ما نقوم به في ساعات الفراغ لدينا يتميّز بأنه مجهود مُبَعثر، ولإنقاذ أنفسنا مِن الملل، يجب أن نكون مستعدين، في جميع المجالات في مساعينا الترفيهية، لأن نكون مُستفيدين بشكل مُختلف، إذا كان علينا أن نستخدم أنفسنا فقط كنَجْم هادِ أو نقطة مرجعيّة، فنتساءل: ما شكل حفل العشاء؟ ماذا نأكل؟ عَمَّا سوف نتحدث؟ أين نجلس؟ ما الذي استفدنا منه، نحن الذين سنموت في غضون بضعة عقود وسوف نكون كما لو لم يكن لنا وجود أبدًا.
ولنتساءل، أيّ مِن مُتعنا الشاردة حتى الآن، قد نجرؤ على التركيز عليها بحيث تدور أيامنا حَوْلها؟ ماذا يمكن أن نتعلم أن نقول له «لا»، ونَمْضِي قدماً؟
إننا في العديد من المناطق، لَسْنا أنانيين بما فيه الكفاية، نحن لا نولي أيّ اهتمام مناسب لطبيعتنا غير العادية والنادرة، لا نعطي تعبيرًا خارجيًا لأحاسيسنا الحقيقية، لا نعطي عطلات نهاية الأسبوع ووقت فراغنا بصمة شخصياتنا، نحن نقتل تفرُّدنا خَوْفاً مِن أن نكون غريبين، إننا نقضي الكثير مِن حياتنا القصيرة في الدفاع عن فكرة مستحيلة مَفادها: «أننا إلى حد كبير مثل أي شخص آخر!».
مستشارة نفسية وكاتبة/ مصر.