حطيط: الأمين علي مرجع ثاقب النظرة سديد الرأي محلّ الثقة مرجعي الموقف واجب قانصو: علّمتنا العزم على بلوغ القمم… والمحبة والتواضع والعفوية والهدوء بزي: انتصرنا في سورية على الإرهاب وانتصرنا في العراق وسننتصر في فلسطين ولا أحد يمكنه منعنا من العيش بكرامة رعد: حبّذا لو يكون لنا في هذا البلد مجلس وزراء يمثل مؤسسة تتمثل مؤسسة الحزب السوري القومي الاجتماعي
النبطية ـ سامر وهبي ومصطفى الحمود
أحيا الحزب السوري القومي الاجتماعي وأهالي بلدة الدوير ـ النبطية، الذكرى السنوية الأولى لرحيل رئيسه الأسبق الوزير الأمين علي قانصو باحتفال تأبيني حاشد أقامته منفذية النبطية في النادي الحسيني لبلدة الدوير بحضور ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون النائب سليم خوري، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي بزي، وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي، ممثل وزير الدفاع الياس بو صعب العميد المتقاعد غسان قشوع، السفير السوري علي عبد الكريم علي، ممثل السفير الإيراني محمد جلال فيروزنيا القائم بأعمال السفارة أحمد حسيني، ممثل السفير الفلسطيني أشرف دبور حسين فياض، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، النواب: هاني قبيسي، أمين شري، علي عسيران وياسين جابر، كمال يونس ممثلاً رئيس حزب الاتحاد النائب عبد الرحيم مراد، بسام كزيلا ووفد ممثلاً رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، إبراهيم ياسين ممثلاً أمين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب د. أسامة سعد، عضو قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي في الجنوب سرحان سرحان ممثلاً النائب السابق وليد جنبلاط والنائب تيمور جنبلاط، الوزراء السابقين: د. فايز شكر، طارق الخطيب ومروان شربل، النائب السابق محمد برجاوي، رئيس حركة النضال العربي النائب السابق فيصل الداوود، عصمت العريضي ممثلاً رئيس حزب التوحيد العربي الوزير السابق وئام وهاب، رئيس المكتب السياسي في حركة «أمل» جميل حايك وعضو هيئة الرئاسة خليل حمدان والمسؤول التنظيمي في الجنوب نضال حطيط وعضو القيادة ملحم قانصو، أمين الهيئة القيادية في حركة الناصريين المستقلين – المرابطون العميد مصطفى حمدان، ممثل «التيار الوطني الحر» رمزي دسوم، مهدي مصطفى ممثلاً أمين عام الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد، أمين فرع حزب البعث العربي الإشتراكي في الجنوب أحمد عاصي، رئيس اتحاد بلدية الشقيف محمد جميل جابر، إمام بلدة الدوير كاظم إبراهيم ورئيس بلديتها محمد قانصو، رئيس الجامعة اللبنانية البروفيسور فؤاد أيوب، رئيس دائرة الجوازات والجنسية في الأمن العام العميد الركن حسن علي أحمد، مسؤول مخابرات الجيش في النبطية العقيد الركن علي إسماعيل ممثلاً مدير مخابرات الجنوب العميد فوزي حمادي، رئيس دائرة أمن عام النبطية الرائد علي حلاوي ممثلاً مدير عام الأمن العام، مدير أمن الدولة في محافظة النبطية الرائد طالب فرحات ممثلاً المدير العام لأمن الدولة، رئيسة «جمعية نور» مارلين حردان، وشخصيات حزبية وسياسية وتربوية وثقافية وإعلامية ومصرفية وبلدية واختيارية.
وحضر إلى جانب العائلة، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد، رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، وعدد من العمُد وأعضاء المجلس الأعلى والمسؤولين المركزيين رئيس هيئة منح رتبة الأمانة كمال الجمل والرئيس السابق للحزب حنا الناشف وحشد من القوميين والمواطنين.
استهلّ الاحتفال بالنشيد الوطني اللبناني ونشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي.
منفذ عام النبطية
وألقى منفذ عام النبطية في الحزب السوري القومي الاجتماعي المهندس وسام قانصو، كلمة تعريف وترحيب قال فيها:
الدوير التي تتكئ على حاضرة الجنوب ويتكئ الجنوب مع سواها على أديمها وطيبها ومواسمها .
ابو واجب من ثمار هذه المواسم وعنقود تدلّى من دالية وطن جذورها عطاء و يثار وتضحية وأخلاق .
عام على الرحيل… من قال انّ الشمس ترحل، قد يعتريها الكسوف لكنها تعاود الشروق مترعة بسطوع يركن في مدانا نوراً ودفئاً وعناداً.
ابو واجب جسد رحل عشقه هذا التراب، اعتمر برائحته التي فاحت في مطارحنا وخواطرنا نبلاً وصدقاً ووطنية وتاريخ نضال ووعياً و ثباتاً لا يلين.
ابو واجب ليس ذكرى او جسداً تلاشى، انه قوة ارتسمت في حراكنا ومثال للأمة الحية العظيمة التي تتميّز وتحتلّ منزلتها في التاريخ بما يتمثل فيها من غايات عظيمة تطفح بها نفوسنا.
أبو واجب ليس ذكرى ولا يمكن للقامة الوطنية القومية الاجتماعية ان يطويها الردى أو يلفّها النسيان، انه واحة تستظلّ بها نفوسنا وبالنيّر من فكرها يورق ربيعنا.
أبو واجب كتاب سطوره خطها قلم عنيد بأصالته، انه قلم حياة ورؤية صائبة مؤيدة بصحة العقيدة.
ابو واجب امتطى العناء منذ الصبا مدجّجاً بفكر الزعيم وعلى منكبيه كلّ أوجاع الأمة.
نعم.. احبّ الموت لأنه احب الحياة واحببتم الحياة لأنكم احببتم الحرية وأحببتم الموت متى كان الموت طريقاً الى الحياة.
في يومك، في الرابع من تموز وعلى مسافة من الثامن من تموز، يوم استشهاد الزعيم سنظلّ نهتف ونردّد أننا على هديك وخطى الزعيم باقون لأنه «لا الشدائد تميتنا ولا الأهوال تزعزع إيماننا ولا قوة على وجه البسيطة تقدر ان تردّنا عن غايتنا.
أبا واجب ستظلّ تحيا فينا ونجمك لا يأفل، حسبه قبس عصيّ على الخفوت ووجهك السموح سيبقى مدداً لبسمة ألفناها وعشناها، رحلت عن عالمنا لكنك استقريت أيقونة موشاة بالخلود.
العميد حطيط
وألقى العميد الركن المتقاعد الدكتور أمين حطيط كلمة رثاء جاء فيها:
عام ونيّف قد مضى على الرحيل الجسدي للصديق الحبيب والأخ العزيز علي قانصو فقد غاب رفيق العمر كما كان يحلو له ان يناديني، غاب علي قانصو جسداً ولكنه استمرّ في النفوس والبلدة والوطن والأمة أثراً وذكراً لا يمكن ان تمحوه السنون.
علي قانصو الظاهرة المميّزة في نشأتها وارتقائها وتقدّمها في دروب العلم والسياسة والاجتماع والصعود في معارج الالتزام الوطني والقومي هو اسم وشخص وموقع ثابت، ليس في قلوب ذويه واخوانه ورفاقه ومحبّيه فحسب بل أيضاً وفي نفوس كلّ من عرفه او سمع عنه يذكرونه في كلّ ظرف وموقف من الظروف والمواقف التي كان له باع فيها في دوائر حركته المحلية والوطنية والإقليمية. كيف لا وفي سيرة الأستاذ علي ومساره ما يجعله علامة فارقة في مجتمعه ورمزاً من رموز هذا الأمة المعطاء التي لا تتهيّب الصعاب والتي يكبر عندها التحدي ويعظم عندها الطموح كلما اشتدّ اختبارها وعظمت محنتها والأخطار التي تهدّدها.
ففي الصغر لم تثن علي قانصو الحاجة المادية عن تحصيل العلم بل كانت لديه الإرادة والهمّة وغنى النفس الذي تمتع به كان في ذلك أكبر من عوائق الحاجة التي اعترضت طريقه وفرضت نفسها عليه لكنه رفض الخضوع لها والاستسلام أمامها وحوّل التحدي الى فرصة، وخط بذلك نمطاً سلوكياً بات مثلاً يُحتذى من قبل كلّ من أعاقته الظروف المادية عن تحصيل العلم. وقد شكل مع ثلة من أقرانه في البلدة جيلاً طليعياً في التعلّم والتعليم وساهم في بذر البذار المميّز لتكون الدوير بلدة مميّزة على صعيد التحصيل العلمي والارتقاء الوظيفي، وأني أكاد أقطع الآن بأنّ حبيبنا أبا واجب فخور مغتبط وهو يتابع من عليائه ما تحققه بلدته الدوير من نجاحات وتفوّق، ويطرب مزهواً وهو يرى انّ في الدوير من صنّف ضمن العشرة الأوائل في الثانوية العامة او الشهادة المتوسطة، وانّ خريجي الجامعات من مستوى الإجازة الى الدكتوراه باتوا الآن بأعداد تستدعي الفخر والإعجاب.
أقول انّ الأستاذ علي يطرب بذلك لأنه أحب العلم والمتعلمين وشجع عليه وكان من مزاياه او خصاله الحميدة والحميد من خصاله كثير… كان من خصاله التشجيع على العلم والحث عليه وتقديم أيّ معونة مقدور عليها لأيّ طالب مساعدة في دروب التحصيل العلمي…
علي رجل النجاح يفرح بالناجحين وليس للحسد والغيرة في نفس علي مكان وموقع… فهو ينافس ولا يعرقل ويشجع على العمل ولا يؤخر من لديه همّة وإرادة لعمل… لقد كان علي نقيضاً لكلّ حسود حقود لأنّ قلب علي لا يعرف إلا الخير للآخرين.
أقول الخصال الحميدة وأعني في ذلك ما أقول، فعلي تميّز بالتواضع وكان رائداً في الوفاء، أما البذل في سبيل الامة وقضاياها والتضحية من أجلها فهو أمر يحدّث فيه ولا حرج، ومن جميل ما كان يبهر في شخصية الأستاذ علي أبو واجب هو قدرته على التكيّف والتحرك في الدوائر التي تستدعي وجوده او عمله في نطاقها…
فإذا عرض في الدائرة البلدية ما يستوجب التدخل، مدّ يده مسارعاً للعمل والتلاقي مع أيدي الخيّرين الآخرين من أبناء البلدة وتعاونوا على إخراج الحلول السليمة لمعضلة عرضت او لمشكلة برزت، فعلي رجل العمل في فريق والتعاون مع الجماعة. ولم يكن فردي الرأي أناني السلوك.
وإذا كان حراك في المنطقة يستدعي وجود صاحب الكلمة والرأي فإنّ الأستاذ علي كان في طليعة المتحركين بحثاً عن حلّ او رسماً لمخرج وطريق، اما على الصعيد الوطني فقد كان الأمين علي معلماً ومرجعاً ثاقب النظرة سديد الرأي محلّ الثقة مرجعيّ الموقف…
والآن باتت هذه الدوائر تفتقد الصديق الأستاذ الأمين الوزير علي قانصو، فقد أحدث غيابه الفراغ الذي شعر به الجميع خاصة من عاصر علياً وعايشه في أدائه وسلوكه، ما يجعلنا ندعو كلّ من قدّر فقيدنا الغالي في أدائه ولمس مدى ما كان يسدي من خدمة ويوفر من عناء، يجعلنا ندعو للعمل من أجل سدّ الفراغ وتعويض الخسارة، وهنا لا بدّ من ان نسجل وبارتياح معتبر، نسجل ما تبديه عائلة ابي واجب زوجته وأبناؤه من استعداد للقيام ببعض مما اضطلع به علي من واجبات ونرى ان في سعيهم هذا جزءاً من وفاء لمسيرة علي وتاريخه.
أخي علي… مرّ العام الأول على رحيلك ثقيلاً ولكن حمل بعضاً مما كنت تصبو إليه او تعمل من اجل تحقيقه، على أكثر من صعيد، وبقي ويبقى الكثير مما يجب فعله.
واعرف يا أخي انّ روحك الآن مغتبطة وهي تواكب تطور المقاومة التي أحببت والتزمتها نهجاً وسلوكاً، فهي تقوى وتراكم أسباب القوّة، وقد فرضت على العدو قواعد اشتباك ومعادلات ردع لم يتحسّب لها يوماً، وهي بعد ان عطلت لديه قرار الحرب وجعلت جنوبنا العزيز محلاً للأمن والأمان، فلديها الجديد الآن وجديدها ما كنا نتحدث عنه ونتساءل عما إذا كان سيحلّ في يوم قريب، جديدها ثلاثة: بنك أهداف مميّز سيوقف قلب «إسرائيل» عن العمل، وقدرة على خوض القتال التحريري على أرض الجليل المحتلة، وثقة مبنية على علم ومنطق وواقعية بأن يصلي قائد المقاومة في القدس.
أما سورية التي عشقتَ فإنها رسّخت انتصارها في هذا العام وأقفلت الطريق أمام أيّ احتمال للعودة للوراء، وصحيح انّ العدوان عليها لم يتوقف… لكن الصحيح أيضاً أنّ محور المقاومة التي تشكل فيه القلب والقلعة الوسطى بات رقماً صعباً في معادلة القوى الدولية وركناً لا يمكن تجاوزه في هيكلية النظام العالمي قيد التشكل على أساس المجموعات الاستراتيجية، وبات له حلفاء دوليون يتبادل معهم أسباب القوة والمناعة.
رحمك الله أيها الأخ الصديق الحبيب واهنأ حيث أنت واطمئن لمستقبل الأمة التي أحببت وانعم بإنجازاتها القائمة وانتصاراتها الآتية.
كلمة العائلة:
وألقى الدكتور واجب علي قانصو كلمة العائلة، وجاء فيها:
إلى الأب والمعلم والقائد والسياسي الحكيم، إلى رجل المقاومة والعزة والكرامة، كلّ الوفاء والتحية والرحمة.
تتشوّق إليك الكلمات، وتغمرك القصائد والأشعار، يا من عشقت النضال والحرية، وكنت الفارس في ميادينها تصول وتجول على جوادك الأغرّ، وتمشي في مناكبها: أباً، معلماً، سياسياً وقائداً…
أبي الغالي، سندي…
أريدك أن تسمع نحيب قلبنا الذي بكاك بصمت لأنك غادرتنا بلا وداع، أريدك أن ترى بؤسنا من بعدك، وحزننا عليك، ولوعتنا على فراقك، ودمعتنا التي تجمّدت في الأحداق.
أيها العظيم… أريدك أن تعي أنّ كلّ الناس بكوك، صغيرهم وكبيرهم، بكوك لأنّ لكلّ واحد منهم حكاية معك، كلهم يبادلونك المحبة، كلهم يبادلونك الإحترام، لأنك في خاطرهم الأب، والأخ، والمحب، والصديق.
لقد عرفك الناس، فكنت خلّ الناس، كنت المثقف الكبير، والعقل الرزين، والمحاور اللبق، والمتحدّث البارع، والقارئ النهم، والباحث المقدام عن أسرار المعرفة أينما وجدت. تعلّمنا من وصاياك: الصبر على نيل المكاسب، والعزم على بلوغ القمم. تعلّمنا من حكمك: المحبة والتواضع والعفوية والهدوء، ذاك الهدوء الأشبه بالعاصفة الراكدة في صحراء رملية، تلك العاصفة المباركة كلامك اللطيف الذي ما جرح أحداً قط.
واليوم أيها الغالي نرى نفسنا من دونك رجالاً لا أضعف منّا أحد. رحلت عنّا فتجمّدت في مآقينا تموّجات الحلم، وتعطل في قلوبنا خفقان الأمل، وراح يراودنا ألف سؤال: «لو لم يكن لنا أب مثلك، لو لم يكن في الساح رجل بقدرك، كيف كان حالنا؟»
أبيت أيها المقدام، إلا أن تجمع في حياتك بين شخصيات ثلاث: المعلم والحزبي والسياسي.
ففي عملك الوظيفي كنت معلماً، وربيب التربية والتعليم، وحامل القلم ولواء المعرفة، ثم مناضلاً متحزّباً لفكر معتدل يرى الوطن من نافذة القلب، ويرى الهوية انتماء وعروبة، ويرى القومية دماً يسري في العروق، وشعاراً ينبض في الشريان: «قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود».
وبعدها اختارتك السياسة رجل دولة عظيماً، وسياسياً حكيماً، فكنت بحق المؤتمن والأمين على الأنفس لأنك صاحب ضمير حيّ ينبض بموروثات حميدة تلك التي تربّيت عليها وترعرعت. تقلّدت مواقع العمل الوزاري والسياسي ومارست مهامك بكلّ جدارة ومسؤولية، وعرفت كيف توازن بين ولائك السياسي وموقعك في خدمة المصلحة العامة متمتعاً بالجرأة والمناقبية والإلتزام الاجتماعي، مدافعاً عن حقوق كافة الشرائح الاجتماعية.
إنّ أروع ما في الحياة أن يكون للإنسان معلم، وواعظ، وسياسي حكيم، لكن ما هو أشدّ روعة، هو أن يضمّ هذا الراعي الصالح المؤتمن على البلاد والعباد بين ذراعيه أبناءه، ويتحمّل معهم مشقات العيش، ويشعر بحالهم، ويرأف بهم… فلم تبخل على وطنك وأهله عزم ساعديك، بل كنت تستجمع حبّات عرق جبينك لتسقي بها تربة لم تنس بعد لحظات العناق الأخير.
نعم، لقد كنت كذلك وأكثر، لقد تحمّلت أيّها القيادي المناضل مسؤولية إعداد أجيال اعتبرتهم عيالك، أنصفتهم أخوة لك، وشاركتهم صنع غدهم ومستقبلهم، فمنحتهم محبتك الخالصة، لتكون هذه المحبة ثقتهم بأنفسهم وبمن حولهم، ولكنك تركتهم ورحلت.
أبعدت عنهم الكراهية والحقد خوفاً أن يشبّوا على عادات السوء، وأردتهم أن يكونوا مثالاً في الصدق والأخلاق والنبل والكرامة فكانوا، ولكنك تركتهم ورحلت.
حرّرتهم من كلّ تعصّب طائفي، حتى تجعلهم يتعاونون مع الجميع ليكونوا في المستقبل آباء وأمهات صالحين فكانوا، أو لم تكن دائماً من الداعين إلى بناء مشروع الدولة العادلة والقوية والقادرة، وتقويض النظام السياسي الطائفي المولد للأزمات؟ ولكنك تركتهم ورحلت.
واليوم أيها المعلم، عرفنا طعم كلامك، وطيب عباراتك، وقيمة وصاياك. لكنّك بعيد عنا، راحل بالجسد باق بالروح. رحلت وتركتنا كالطير المذبوح، كالجنح المكسور، كالسفينة التي فقدت شراعها، كالشجرة التي اجتثت من جذورها. فلعلّك أيها العظيم تنظر بحالنا، وعلّنا من بعدك نستطيع أن نحيي تلك الشجرة التي تهاوت فينا، في وطننا العزيز لبنان، وأشرفت على الموت، فتعود مخضرّة فتزهر وتعقد وتغلّ أحسن ثمار.
حملت المجذاف بعناء، وشمّرت عن زنودك الجبارة لتنقل سفينة الحرية رغم الشطآن الهوجاء إلى مرسى آمن… لأنك تحب وطنك، وتعشق ترابه. أوصلت السفينة وقهرت الأمواج لكنّك رحلت.
رحل الأمين علي، لكن المسيرة لا تتوقّف. علي قانصو أنجب رجالاً، وترك وراءه رجالاً، والشعلة لن تنطفئ، والمجذاف لن ينكسر، ما دمنا هنا أشدّاء نحمل المسؤوليات على قدر الأفعال والهمم.
ويبقى النضال على مرّ الزمان كالجمر الراكد تحت الرماد، فأنتم الجمر وشهداؤنا الأبرار رماده، أنتم الغد وهم ماضيه، أنتم الشّعلة النورانية وهم القنديل العتيق… بكم تصنع الأمجاد، بكم تكتب خواتم الحرية، وبكم يحيون من جديد.
اليوم وغداً وكلّ حين، سنضيء الشموع قرباناً لك، ونجثم قبالة طيفك المبارك علّ الوحي يأتي من السماء، فتخاطبنا روحك الطاهرة، وتمتدّ إلينا يداك ملوّحة إلينا بالعودة. لأننا مشتاقون إليك، وبنا حنين إليك. لبناننا يفتقر إلى أمثالك، سياستنا تفتقد وعظك الحكيم ورأيك السديد، وعقلك النيّر الذي ينقذنا مما نحن فيه من تدهور وتأزّم وتشتّت وضياع، فعد إلينا.
عد إلينا مع النسيم العليل، مع الشمس الدافئة، مع الطيور العائدة إلى وكناتها، عد إلينا ولو في ساعات حلمنا، لأنّ من دونك لا يحلو العيش، ولا تحلو الدنيا، ولا يهنأ وطننا.
قائدنا ومعلمنا، مضى إلى العلياء، لكنه يرانا من فوق، فيفرح قلبه، وتتفتح أساريره، إن رأى فينا رجالاً في ساحات الوغى، إن رأى فينا بحارة نخشى على السفينة من الغرق، إن رأى فينا نسوراً لا تهاب الصعاب، إن رأى فينا لبنانيين زادهم الحرية والنضال.
وها نحن في رحاب تموز الفداء، تموز الانتصار، نجدّد العهد بأننا ثابتون على خط المقاومة وحفظها وحفظ تضحياتها وشهدائها، والالتفاف حولها ونشر ثقافتها، لأنها غيّرت وجه التاريخ ولأنها تعبّر عن إرادة اللبنانيين الذين يريدون لبنان، إضافة الى ترسيخ وتعزيز التنسيق بين الجيش والمقاومة، تثبيتاً لمعادلة الجيش والشعب والمقاومة.
وسيبقى هتافنا مدوياً: «من فلسطين لبيروت… شعب واحد لا يموت» و»من الشام لبيروت… شعب واحد لا يموت».
كلمة حركة أمل
وألقى النائب علي بزي كلمة حركة أمل وجاء فيها:
«المناضلون المجاهدون المقاومون، الذين ولدوا في زمن الاحتلال أو في زمن الاحتراق أو في زمن الحرمان حملوا أرواحهم على أكتافهم وذابوا في أديم الأرض أصالة ونظافة وطهارة واستقامة، وتمكّنوا من الحياة حتى الموت وربحوا دائماً أحلامهم. علي قانصو من هؤلاء، من القامات التي توضّأت بأثمان التراب من العقيدة التي حرست ليلنا وتعبنا بأنوار عيونها، من السيرة الحسنة الذي اكتسب سمعته بعرق حرفه وحبره ودمه، من ملح عيون الأرض ونكهة العزّ والواجب والشرف والإباء.
ها أنا أفتح بوابة الدمع لزوبعة النسور وأكّفن لون الغياب بسيف الضوء ومرايا الكلمات، كلّ الحروف انطفأت على حبرها للذين صنعوا من تعبهم قناديل، عجنتهم الأيام لكنهم ما زالوا حتى في رحيلهم وفي غيابهم أشدّ حضوراً يحملون على أكتافهم الحقول والفصول والمدى ودفاتر القرى وعطر البساتين.
أبو واجب وقع أقدامنا يزدهر في كتب الأبطال وسير الشهداء لتحفر سواعدنا قنوات الماء والأمل، ألم يقل سعاده «نرى في الحياة متاعب ونرى أننا قادرون على حمل المتاعب، إننا نحب الحياة لأننا نحب الحرية ونحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة».
تماما كما قال مؤسس أفواج المقاومة اللبنانية وحامل أمانتها «نزرع أجسادنا في الأرض لكي يكون القطاف هو التحرير»، وقال سعاده «إنْ كنتم ضعفاء وقيتكم بجسدي وإنْ كنتم جبناء أقصيتكم عني وإنْ كنتم أقوياء سرت بكم إلى النصر، إنّ فيكم قوّة لو فعلت لغيّرت مجرى التاريخ»، هذه هي الثقافة وهذه هي المدرسة وهذه هي الرسالة وهذه هي العقيدة التي انتمى إليها الأخ والصديق ورفيق الدرب أبو واجب الذي كنتُ من أشدّ المعجبين بشخصه وعلمه وتواضعه ونزاهته، وكان دائماً وأبداً في المواقع المتقدمة في وطننا ومجتمعنا وأمتنا، أصالة ونظافة وطهارة، فكراً وعقيدة ومقاومة».
أضاف النائب بزي: «هناك أناس كثيرون يشكل حضورهم غياباً وهناك أناس يشكل غيابهم حضوراً، والراحل علي قانصو واحد من هؤلاء الذين شكل غيابهم حضوراً في الدوير وعلى مساحة الوطن والقرى المقدّسة على حدود فلسطين وبلاد الشام وفي زوبعة النسور وفي العقيدة القومية الاجتماعية وفي خط المقاومة والممانعة وفي صناعة أعراس العزة والكرامة والانتصارات.
هذه هي المدرسة، مدرسة الشهداء والشرفاء والأحرار الذين ذات يوم علّمنا إمامنا موسى الصدر «إذا التقيتم العدو الإسرائيلي قاتلوه بأسنانكم وأظافركم وسلاحكم مهما كان سلاحكم وضيعاً». وانبثقت قوافل المقاومين على اختلاف أسمائهم وعلى اختلاف أعلامهم لأنّ المقاومين تجمعهم راية واحدة واسم واحد ودم واحد هو علم وراية ودم العزة والحرية والكرامة والسيادة والاستقلال.
وأردف: «نقول هذا الكلام في زحمة التحديات وفي دقة وخطورة المشهد السياسي الذي يعيشه البلد والذي تعيشه المنطقة، نقول لكلّ المستويات السياسية في لبنان، تعالوا إلى كلمة سواء في ما بيننا وبينكم، دمنا دم واحد، حرفنا حرف واحد، حبرنا حبر واحد وهمّنا همّ واحد ووطننا لبنان هو وطن واحد.
ارتقوا بأدائكم وسلوككم وممارساتكم وأفعالكم وأقوالكم إلى مستوى دقة وخطورة هذا المشهد السياسي الراهن. يكفينا جلداً للذات ويكفينا نكداً ونكايات، لا يُبنى الوطن على سياسة التجاذبات والانقسامات والاصطفافات والسمسرات. قدرنا أن نكون كما كنا في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل صمام أمان وأداة شمل وجمع لكلّ المستويات السياسية في لبنان من أجل أن نبني المزيد والمزيد من التفاهمات لكي نكرّس دعائم الوحدة الوطنية الداخلية والاستقرار العام والسلم الأهلي والانتظام العام لكافة مؤسسات هذه الدولة.
وتابع بزي قائلاً: «لقد سئم وملّ اللبنانيون لغة التعصّب والتطرّف والفتنة والتحريض، يريدون زعامات وقيادات مسؤولة تتفنّن في صناعة الخير العام لعموم الناس ولهذا البلد. يتطلع اللبنانيون إلى قيادات حكيمة تدافع عن مصالحها في أن تعيش حياة حرة عزيزة وكريمة. تقشفنا بالأمس خلال جلسات مناقشة الموازنة، تقشفنا في كثير من البنود التي لها علاقة بالنفقات، فلنتقشف في ما يتعلق بلغتنا وخطابنا السياسي الطائفي المذهبي العصبي والتحريضي ونرتقي جميعاً إلى مستوى ما يتطلع إليه كلّ اللبنانيين بغضّ النظر عن أسمائهم وطوائفهم ومناطقهم وانتماءاتهم.
نحن نعتزّ ونفتخر أننا ننتمي إلى هذا الخط، خط الحوار والوحدة والعز والكرامة والسيادة والاستقلال وهو نفس الخط الذي انتمى إليه المرحوم العزيز علي قانصو، قدرنا أن نواجه التحديات والأزمات، وكلما اشتدّت هذه التحديات نتوحّد ونواجه، انتصرنا في سورية على الإرهاب الدولي وانتصرنا في العراق، وسننتصر في فلسطين ولا أحد يمكنه أن يمنعنا من العيش بكرامة، أتقدّم بالتعازي إلى الرفاق في الحزب السوري القومي الاجتماعي وإلى عائلة الفقيد والى محور المقاومة باسم كلّ الشرفاء وباسم رئيس مجلس النواب نبيه بري وباسم حركة أمل».
كلمة حزب الله
وألقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد كلمة حزب الله قال فيها:
«قد يمكن للدهر ان يطوي الليالي والأيام لكنه لا يستطيع ان يطوي مناقب الرجال ومواقف الرجال، أبا واجب واحدٌ من الرجال الرموز الذين لا تطوى مناقبيتهم ولا مواقفهم، هو المربّي الودود والصديق الصدوق، هو المناضل والمعلم وهو صاحب العقيدة والالتزام، هو صاحب الصدقية في ترجمة عقيدته وثوابته الوطنية والقومية. لا يمكنك الا ان تحترمه وتحبه لأنه كان رجل صدق في ما يقول وفي ما يتحرك من أجله وفي النضال من أجل الأهداف التي يقتنع بها».
أضاف: «كان شريكاً مخلصاً وفياً ومؤتمناً على أسرار وعلى وقائع وعلى نضالات وعلى أهداف.
أبو واجب حضوره يتسع بعد عام من غياب جسده، يتسع داخل أسرته ويتسع داخل بلدته ويتسع داخل حزبه وبين رفقائه وأصدقائه وشعبه.
نستحضره عند كلّ ملمّة وعند كلّ مفترق، هو إبن حزب مؤسّسة، ويسرّني بكلّ ثقة ووضوح ودون مجاملة أن أقول إنّ الحزب السوري القومي الإجتماعي هو حزب مؤسسة يستطيع أن يدّور خلافاته وأن يحيك من التصوّرات التي تنتاب أعضاءه وقياداته، يحيك مشهداً جميلاً يعبّر عن وحدة في المنطلق والهدف والرؤية، التنافس مشروع لكن ليس على حساب العقيدة ولا على حساب الأهداف، حبّذا لو يكون لنا في هذا البلد مجلس وزراء يمثل مؤسسة تتمثل مؤسسة الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولا تتعطل جلساتها عند كلّ حادث أو كلّ مشكلة أو كلّ ملمّة تصيب البلد برمّته تهدّد سلمه الأهلي، تعكّر صفو استقراره الداخلي، تهدّد وحدة بنيانه وبنيته، حبّذا لو يكون لدينا في هذا البلد مجلس وزراء يمثل مؤسسة حقيقية تستطيع أن تتجاوز التنافسات والنزاعات وتحيك مشهداً وطنياً جميلاً للبلد ولأهله ولكلّ أجهزته وإداراته».
وتابع: «ليس المقام أن أتحدث بتفاصيل كثيرة عن حياة العزيز الراحل لكن ما كان يربطنا به هو وحدة الهدف ووحدة الاتجاه وصدقية الالتزام بالهدف وبالاتجاه. قيل له في سهرة قروية كما تناهى إلى سمعي، لما تنحاز إلى المقاومة يا أبا واجب، قال لأنّ المقاومة تشبعنا عزاً وكرامة. وهذا الموقف هو ما نحتاج إليه في هذا البلد الذي يتهدّده الخطر الوجودي من عدو صهيوني شرس مدعوم من قوى دولية استكبارية نافذة ومن قوى إقليمية ترتضي أن تكون أدوات في خدمة المشروع الاستكباري للتسلط والهيمنة على منطقتنا.
المقاومة هي الخيار الذي ارتضاه وعاش من أجله وسَعُد للتضحية من أجل تحقيق أهدافه المشروعة، كما أننا نواجه عدواً تكفيرياً أراد أن يمزق بنيان وطننا وأن يمزق سورية، لكن عزاءنا اليوم برحيلك يا أبا واجب أنّ سورية خرجت من محنتها قوية موحدة معافاة، ممتدة وموغلة شرقاً ونافذة ومؤثرة في المعادلة الإقليمية والدولية، سورية التي ناضلت معها ومن أجل حمايتها، سورية اليوم هي ظهير المقاومين وظهير المناضلين والقوة المتبقية والرصيد المتبقي لنا من أجل استعادة فلسطين كلّ فلسطين».
وقال:» في حضرة أبي واجب نستحضر الشرف والمناقبية وعلوّ الهمّة، ونستحضر صدق النضال من أجل خدمة المستضعفين وإقامة الحق وتظهير العقل وإلغاء كلّ منافذ التمييز العنصري في ما بين المواطنين في وطن واحد.
إنّ اتفاق الطائف الذي كان تسوية ارتضاها اللبنانيون، خطوة على طريق إلغاء الطائفية السياسية، مقتضيات الوفاق الوطني الذي نص عليه، من المفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار من أجل التخفف قدر المستطاع، وفي كلّ ظرف وآن، من النزعة الطائفية والمذهبية عند المسؤول وعند المواطنين.
ونحن في الحقيقة لا نجد تفسيراً لمن يتمسك بتفسير خاص لمقتضيات الوفاق الوطني فينزع به نحو تعزيز التمثل الطائفي والمذهبي في هذه البلاد، بكلّ الأحوال نحن من مدرسة «حاور أصدقاءك» لتصل إلى النتائج، وإنما التزم تضحياتك في وجه عدو استراتيجي يهدّدك ويهدّد كلّ أصدقائك».
وختم: «ارقد بسلام يا أبا واجب… فكلّ المناضلين قد عرفوا قدرك وساروا ويسيرون على نهجك، وتحية لأسرتك ورفقائك وحزبك القومي الاجتماعي».
كلمة «القومي»
وألقى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد كلمة جاء فيها:
أبا واجب
حضرة الرئيس الأمين
رفقاؤك، الذين تشاركت معهم الانتماء ومسيرة النضال.
الحلفاء والأصدقاء الأوفياء الذين صدقْتهم وصدقوك.
الأهل والأحبة الذين أحببتهم وأحبوك
ها هم اليوم، يجتمعون في بلدتك الدوير، وبين أهلها، إحياءً لذكراك وقلوبهم تفيض بمشاعر الأسى.
الكلّ يفتقدك يا أبا واجب.. فقد كنت دائم الحضور، إنساناً مفعماً بالطيب، لا يتأخر عن واجب نضالي، ولا ينأى عن خدمة عامة.
افتقدناك، ركناً من أركان حزبنا الذي ترأسته في مراحل صعبة… قائداً فذاً، بمواقفه ووقفاته، عميق الإيمان بالنهضة فكراً وعقيدة وصراعاً.
سرت على خطى المعلم، أنطون سعاده، بثبات وعز وشموخ على الطريق عينها التي سلكها الشهداء، القادة منهم والمناضلون.
كنت دائم الحضور، في مواقع القيادة والمسؤولية، وزناً واتزاناً، جُرأة وشجاعة، موقفاً وصلابة، علماً وإحاطة، ثقافةً وبلاغة، إلماماً ودراية، تواضعاً ومناقبية.
دائم الحضور يا أبا واجب، ثباتاً على المبادئ وإيماناً بحتمية الانتصار.
دائم الحضور في حزبك، لأنّ أجسادنا قد تسقط، أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود.
أبا واجب، أيها الأمين الحبيب
أن نتحدث عن مزاياك وصفاتك، عن مآثرك ونضالك، عن سيرتك ومسيرتك، فهذا أقلّ الواجب إحياءً لذكراك. ولكنْ أنت من كان يحرص ويُشدّد على أهمية الموقف في كلّ المناسبات. الموقف الذي سخّرت له المنابر ونذرت حياتك للتعبير عنه.
نعم، يا حضرة الأمين، الموقف سلاح، والسلاح موقف، وبهذا السلاح، نقاتل عدوّنا لنحرّر مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لنحرّر الجولان، لنحرّر فلسطين كلّ فلسطين ولنستعيد كلّ شبر مستلب من أرضنا.
لذلك، حذار من أن يُصوّب أحد، علا شأنه أم صغر، أن يُصوّب سهام غدره على عناصر قوّة لبنان، لأنّ السهام سترتدّ على مُطْلقيها.
لبنان انتصر على العدو بعناصر قوّته، بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، وعناصر القوة هذه، تحمي لبنان من غدر العدو وأطماعه.
أيها الحضور الكريم،
حين تكبر التحديات، تسقط كلّ الاعتبارات، داخلية كانت أم خارجية. ولا يبقى إلاّ اعتبار أوحد، هو الدفاع عن أرضنا وصونُ كرامة شعبنا وحفظُ سيادة أمتنا. هذا هو قرارُنا، هذا هو خيارنا، مهما اشتدّت الضغوط والحصار ومهما كانت العقوبات التي تُفرض علينا، فما تُسمّيه أميركا عقوبات، ما هو إلاّ اعتداءات عدوانية موصوفة ضدّ الدول والشعوب الحُرّة وانتهاكٌ للقوانين الدولية.
نحن مع قوى عديدة، قاومنا العدو وعملاءه، قاتلنا الإرهاب والتطرف، وقدّمنا الشهداء دفاعاً عن لبنان وحريته وسيادته. لذلك نحن معنيون بتحصين هذا البلد، بالوحدة والإخاء، بالإصلاح والتقدّم، بحرية الرأي والتعبير، وبكلّ ما يعزز الاستقرار ويصون السلم الأهلي.
نعم، نحن مع مشروع الدولة، دولة المواطنة والمساواة، دولة قوية قادرة وعادلة، ترعى شؤون الناس وتحقق العدالة الاجتماعية.
نعم، نحن نريد لبنان، نطاق ضمان للفكر الحر، ولكن نريده أيضاً، نطاق ضمان للكرامة الوطنية والعزة القومية.
إنّ العقاقير الطائفية والمذهبية سامة وقاتلة، لأنها وصفة مكفولة من الخارج الاستعماري لتجزئة بلادنا وتفتيتها.
النظام الطائفي المتوحش، القائم على أساس نظام الملل والنّحل، يبني مزرعة ولا يبني دولة، وهو بارع في إحباط أيّ محاولة للإصلاح.
مع نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية، لا تنتظروا حلولاً اقتصادية واجتماعية ولا تنتظروا علاجاً للأزمات المعيشية والبيئية والصحية وغيرها… فنظام المحاصصة، هو «دراكولا» لبنان… مصاص دماء لا يتورّع في أية لحظة عن ابتلاع لقمة عيش الفقراء.
لبنان بحاجة إلى جراحة إنقاذية، تنقذه من آفة الطائفية والمذهبية ومن فيروس الفساد، وهذا لا يتمّ إلاّ باحترام الدستور وتطبيقه، بدءاً من السير بقانون انتخاب يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية الكاملة ومن خارج القيد الطائفي، إلى إلغاء الطائفية بشكل تامّ، إلى تحقيق الإنماء المتوازن من دون تفرقة ولا تمييز بين منطقة وأخرى، الى تعزيز العلاقات بين لبنان وسورية.
هذه بنود واضحة في الدستور. حين تُطبّق نصل إلى دولة المواطنة، ويتوقف المسار الانحداري الذي يُوصل البلد إلى هاوية سحيقة.
ولكن، ما هو مؤسف، أنّ الحكومة اللبنانية لا تطبّق الدستور، وتُراكم المشكلات والأزمات، ولا تتحمّل مسؤولياتها تصدّياً للأوضاع الصعبة والمأزومة فتزيد الأوضاع تفاقماً.
كيف لهذه الحكومة أن تجد حلاً لأزمة النازحين السوريين، وهي تمتنع عن الحوار مع الحكومة السورية بهذا الشأن؟ ويخالجنا الشعور يوماً بعد يوم أنّ بعض أجنحتها ينفذ إملاءات خارجية!
المطلوب وقف الاستثمار اللا إنساني، الداخلي منه والخارجي في معاناة النازحين السوريين، وعلى الحكومة مجتمعة، أن تُسارع الى خطوات عملية في هذا الاتجاه، لأنّ التعامل مع السوريين، نزوحاً ويداً عاملة، يحمل في بعض الأحيان سمة العنصرية والكراهية، وهذا أمر خطير.
إنّ تطبيق القوانين مطلب وضرورة، ولكن ماذا عن تطبيق الدستور؟
لبنان لم يعد يحتمل مزيداً من الأزمات، فلماذا يسعى البعض الى إشراكه في مخطط تحويل العمالة الى نزوح؟ هذا تحدٍّ خطير نضعه برسم المعنيين جميعاً.
أما الشق المتعلق بالفلسطينيين في مخيمات لبنان، فإننا نسأل الحكومة، هل الإجراءات التي تطالهم بذريعة تطبيق القانون هي من مسؤولية فريق سياسي، أم هي مسؤولية الحكومة مجتمعة؟
إنّ دعم حق العودة ورفض التوطين، يكونان بتحسين أوضاع الفلسطينيين الحياتية في المخيمات، وبمنحهم حقوقهُم المدنية والاجتماعية، أما خلاف ذلك، فهو سيْر على طريق الإجراءات الأميركية التي بدأت بقطع التمويل عن وكالة الأونروا لإنهاء دورها، تماهياً مع «صفقة القرن» لتصفية المسألة الفلسطينية. فهل يستطيع لبنان أن يتحمّل هذا الوزْر بل هذه الجريمة الموصوفة؟
لبنان ملتزم بدعم حق العودة ورفض التوطين، والفلسطينيون في لبنان، لهم معاملة خاصة، بمعزل عن قانون تنظيم العمالة الأجنبية، والأولوية الأساس هي هذه المعاملة الخاصة. لا زجرهم بقوانين تؤدّي الى إحدى نتيجتين، إما تهجيرهم مُجدّداً، أو أن يتمرّدوا فتلجأ الدولة اللبنانية الى القضاء على التمرّد. وهذا قد يكون عامل تفجير للأوضاع في لبنان.
لذلك، نحن ندق ناقوس الخطر ونطالب الحكومة بتحمّل مسؤولياتها، حتى لا يقع لبنان في الأفخاح المنصوبة له.
أما فلسطين، وهي جوهرُ قضيتنا القومية، فإنها تواجه خطر التصفية، لأنّ «صفقة القرن» تحوي كلّ ما سبقها من مؤامرات منذ وعد بلفور المشؤوم إلى اليوم. ولذلك فإنّ المواجهة يجب أن تكون شاملة وواسعة. وهذه المواجهة تتطلب إعادة الاعتبار الجماعية لخيار الكفاح المسلح، للثوابت التي تأسّس عليها النضال، والخروج من كلّ الاتفاقات المُذلة. وإننا نرى في الإعلان الفلسطيني عن وقف العمل بالاتفاقات المُوقعة مع العدو، خطوة على الطريق الصحيح، يجب أن تُستكمل ببرنامج نضالي لمواجهة العدوان وإنهاء الاحتلال.
إنّ مسؤولية المواجهة لا تقع على الفلسطينيين وحدهم، بل هي مسؤولية الأمة والعالم العربي، وعلى الشعوب العربية أن تؤازر مقاومتنا، بكلّ أشكال الضغط ضدّ الأنظمة التي تطبّع مع العدو وتتآمر على فلسطين.
وعلى الأحزاب والقوى والهيئات تفعيل دورها في عملية استنهاض الشعوب لممارسة دورها ومسؤولياتها، لدعم أبناء شعبنا في فلسطين بمواجهة العدو العنصري الاستيطاني الذي يقتل شعبنا ويُهوّد أرضنا.
أما سورية، حاضنةُ المقاومة، فقد تعرّضت لحرب إرهابية كونية، استهدفت النيل منها بوصفها قوة احتضانٍ ودعم للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق. لكنّ صمود سورية أفشل أهداف العدوان، وانتصار سورية أحبط مشاريع الهيمنة والتفتيت والتقسيم، وبصمود سورية وانتصارها، فإنّ مُعادلات جديدة بدأت تترسخ، ليس على صعيد المنطقة وحسْب بل على صعيد العالم كلّه.
إننا نُحيّي حكمة الرئيس بشار الأسد وشجاعته، فهو قاد سورية الى الانتصار على الإرهاب ورعاته. وأهمية هذا الانتصار تتجسّد في أنّ الحرب على سورية هي بحجم الحروب العالمية.
إنّ سورية كانت ولا تزال، قلعةً قومية، حاضنة للمقاومة، مُدافعةً عن فلسطين، وعن وحدة لبنان ووحدة العراق، ولذلك فإنّ انتصارها هو انتصارٌ لفلسطين ولبنان والعراق وللأمة كلّها والعالم العربي.
لسورية المنتصرة رئيساً وقيادةً وجيشاً وشعباً، للقوى التي وقفت مع سورية، للذين وقفوا إلى جانب جيشها في معاركه ضدّ الإرهاب ورعاته، لنسور الزوبعة الأبطال، لشهداء الجيش السوري وشهداء حزب الله، وشهداء نسور الزوبعة، إلى هؤلاء جميعاً نوجه تحية إكبار ملؤُها العزُّ والفخار.
في هذا المقام، لا يفوتُنا العراق، الذي نُحيّي قواه الرسمية والشعبية التي دحرت الإرهاب، وأفشلت مشروع التقسيم والفدْرلة، وإننا نشدّ على أيدي العراقيين حكومة وأحزاباً وقوى شعبية، في الدفاع عن وحدة العراق، ووأد مخطط تفتيته إلى غير رجعة.
أما الاستهداف الأميركي الصهيوني للدول الحليفة والصديقة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجمهورية البوليفارية الفنزويلية، كوبا، الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وغيرها من الدول الحرة، فإنه استهداف للسلم والأمن الدوليين. وقد أثبتت الوقائع والمواقف، أنّ الدول المستهدفة تتحدّى مُنفردة غطرسة أميركا وحلفائها، وهذا ما فعلته إيران في الآونة الأخيرة، رداً على خروج أميركا الإعتباطي من الاتفاق النووي ورداً على أعمال القرصنة البريطانية ضدّ سفينة إيرانية.
لذلك، نعلن وقوفنا الى جانب هذه الدول الحليفة والصديقة، وندعوها إلى تنسيق مواقفها في مواجهة سياسات أميركا ومن يدور في فلكها.
في رحاب الذكرى السنوية الأولى لرحيل الرئيس والوزير الأمين علي قانصو، نحيّي مسيرته النضالية وتضحياته وثباته على المبادئ.
نحيّي شهداء الدوير وكلّ شهداء الحزب والأمة الذين ارتقوا في مواجهة العدو الصهيوني الإرهابي وعملائه وأدواته.
وإننا من هنا، من هذه البلدة التي صمدت كسائر بلدات جنوب لبنان، وفي رحاب شهر تموز، تموز الفداء ووقفة العز التي وقفها سعاده، تموز انطلاقة جبهة المقاومة، تموز انتصار المقاومة عام 2006، نؤكد بأنّ الخطاب واحد، والموقف راسخ، والخيار ثابت، والعهد قائم، وأننا على العهد باقون، حزب مقاومةٍ لا يهادنُ في صراع، ولا يساوم على حق.
هذا عهدنا يا أبا واجب، وعهد المناضلين لا تمحوه سنين ولا تحدّيات.
هذا عهدنا يا حضرة الأمين، والقوميون الاجتماعيون يصْدقون في العهد.
والعهد، أنّ حزبك سيظلّ حزب الوحدة القومية، حزب المؤسسات، حزب المقاومة والصراع، وبأننا لن نحيد قيد أنْمُلة عن مبادئنا وخياراتنا وثوابتنا، لأنه طريقُنا الى العز… طريقُنا الى النصر… وطريقُنا إلى الحرية.
تخلل الاحتفال عرض فيديو عن الأمين الراحل، وقصيدة ألقاها الشاعر حسين شعيب.
وفي نهاية الاحتفال انطلقت مسيرة بمشاركة الشخصيات والفاعليات الى ضريح الراحل قانصو، حيث وضعت أكاليل من الزهر وأدّت ثلة من القوميين السوريين الاجتماعيين التحية الحزبية.