الفنانة التشكيليّة لجينة الأصيل: التعبير الصادق في التعامل مع الأطفال يزيد من ثقتهم بأنفسهم لتقديم إبداعاتهم وإظهارها إلى العلن

لورا محمود

قبل ربع قرن كانت كتب الأطفال لا تقدّم إلا قصصاً بسيطة وصوراً متفرقة لأشياء يجدها الطفل في بيئته، أما اليوم أكثر من نصف الكتب المقدّمة للطفل أصبحت تتناول معلومات أكبر وبالتالي رسوماً أكثر لتساهم في تنمية القدرات العقلية لديه. وأصبح من يقدّم هذا النوع من الكتب حريصاً على قراءة الطفل للنصّ بكلّ حواسه الخمس مما يخلق حالة تفاعلية بين الكتاب والطفل. كما أصبحت النصوص التصويرية المقدّمة لطفل ترفع أيضاً من سويّة النصّ المكتوب له وهذه التصوص تربط الطفل بالكتاب وبشخصيات القصة ما يُعتبر عملاً ايجابياً تشاركياً. فالطفل هنا يقوم باستقبال النصّ والبحث عن الرسوم في وقت واحد. وهذا ما عملت عليه الفنانة التشكيليّة لجينة الأصيل من خلال عملها الطويل في مجال الرسم للطفل.

وقد أقامت وزارة الثقافة مديرية ثقافة الطفل معرضاً تخصصياً في رسوم كتب الأطفال لمجموعة من الفنانين السوريين بإشراف الفنانة التشكيليّة لجينة الأصيل وهو نتاج ورشة عمل استمرت لمدة 15 يوماً بعنوان «كيف نرسم كتاباً للطفل» في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة ويستمر المعرض حتى 8 من الشهر الحالي.

والتقت «البناء» مع الفنانة لجينة الأصيل التي قالت: الاهتمام بالرسم للطفل بدأ منذ عشرين عاماً وتطوّر لكن بالطبع الغرب متقدّم بهذا المجال ولا نستطيع اللحاق به بهذه السرعة، لأننا بحاجة لتأهيل الكُتاب والرسّامين ليصبح هذا المجال فيه حرية. فالكاتب ليس بالضرورة أن يفرض على الطفل ضمن قصته التي يطرحها شيئاً معيناً. وهذا هو المتعارف عليه، فالنصّ هنا تربوي جداً وهذا يقتل الخيال رغم أن أجدادنا عرفوا الخيال ونحن نسيناه وأوروبا أخذت من خيالنا ونحن نسينا أن نتخيّل، لذا ذهبنا للتقويم التربوي لذلك هذا المجال في الغرب متطوّر وهم يسيرون بخطى سريعة فيه أما نحن كنّا في حالة استرخاء وتقليد. فالأصالة لم تدخل عقولنا وما زالا لدينا حالة شكّ بهذه الأصالة، وأنا اقول إن أساس كل شيء هو الثقة بكلّ ما نفعله لأن هذه الثقة تنعكس على قوة الأداء ويجب أن تكون هناك حالة من الشغف والصبر أثناء العمل لذا لا يهم الوقت بل المهم النتيجة.

وفي سؤال لـ«البناء» عن ضرورة تمكّن الفنان من أدواته حتى يستطيع أن يقنع الطفل ويحاكي خياله في زمن العولمة والفضائيات المفتوحة، لفتت الأصيل إلى أن هناك شيئاً مهماً ننساه مع وجود العولمة وهو الأصالة. فأول ما يسأل عنه الفنان عندما يقدّم أي عمل له للمشاركة في معرض دولي هو بلده وخلفيته الثقافية. وإذا كانت لوحته تعبّرعن أصالته لذا يجب أن تكون لوحة الفنان الذي يتعامل مع الطفل أصيلة وتعبّرعن جذورها، صحيح أن الأصالة موجودة لدينا إلا أن موجة التقليد والفهم الخاطئ بأن ما هو أوروبي هو أفضل وما نراه على الإنترنت هو الأجمل كل هذا يقتل مفهوم الأصالة.

وأضافت: كي يستطيع الفنان مواكبة عقل الطفل يجب أن يكون واثقاً من نفسه ليعطي ثقة للطفل، ودائماً عندما نحب ما نقدّمه سيحبه المتلقي، لكن يجب أن نحبّه عن جدارة وبشغف وصدق. فهناك تعب حقيقي وضع لإنجازه، لذا الفنان عندما يقدّم عملاً أصيلاً وقيماً فأي طفل مهما كان متعلّقاً بالكومبيوتر أو أي ألعاب الكترونية سيحبّ هذا العمل، خاصة أن الكتاب أو المجلة لها خصوصية عند الطفل، لأنه يشعر أنها ملكه يضعها تحت وسادته ويقرأها قبل النوم. وطبعاً لهذا الأمرعلاقة بالأهل وكيفية تنمية هذا الموضوع لدى أطفالهم.

وأشارت الأصيل إلى أن عدد الفنانين المشاركين في العمل 22 فناناً طلبت منهم أن يقوموا أولاً بلوحة دراسات تضمّ حيواناً ولوحة في مرحلة التطوير ولوحتين نهائيتين لنصل الى الحكاية والقصة الكاملة. وقد عملوا لمدة خمسة عشر يوماً بجدّ ومحبة وقد تفاجأت بالشغف الموجود لدى المشاركين وبحماسهم وإقبالهم على العمل.

أحمد

وبيّنت مديرة المركز الثقافي العربي رباب اسكندر أحمد في حديث مع «البناء» أن الطفل هو الركيزة الأساسية لمستقبل سورية المقبل، وتحديداً الأطفال الذين عاشوا الحرب السورية والأطفال الذين يعانون من مشاكل عائلية تؤثرعلى ذاكرتهم ووعيهم، لذا من المهم التواصل مع الطفل، واليوم المعرض من المعارض المهمة، لأنه يدرس الوسائل البصرية للارتقاء بذائقة الطفل البصرية بأسلوب جذّاب يتكامل مع مضمون القصة أو الرواية أو مضمون أي عمل أدبي من خلال دراسة العمل الفنّي كواجهة لهذا الكتاب.

أضافت أحمد أن الطفل يتلقّى المادة البصرية بمنتهى الذكاء والتفاعل، فعندما ينتقي الطفل القصة أول ما يجذبه غلاف هذه القصة ومدى قدرة هذا الغلاف على مدّ جسر مع الطفل، وقدرته أيضاً على أن يحاور الطفل ويُسعده ويُعطيه متعة بصرية معينة. فمن المهم جداً دراسة وسيلة التواصل البصري مع الطفل. وهو يأتي ضمن الفنون التي نسمّيها السهل الممتنع ، ولكن هناك كادر جميل ومؤهل يعمل في هذا المجال خاصة الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل والتي هي متخصصة برسوم الأطفال إضافة إلى أعمالها التشكيلية الأخرى.

ونوّهت أحمد أن هناك حرصاً شخصياً أن يكون للأطفال والشباب حصة كبيرة في برنامج المركز الثقافي العربي في أبو رمانة ليصبح المشارك جزءاً من هذا المركز وحريصاً عليه وحريصاً على أن يدعو كل محبيه وأصدقائه ليرتادوا المركز. فبالنسبة للأطفال لدينا حصة ثابتة وأسبوعية ومجانية يوم السبت تحديداً بمختلف المجالات التي تهتم بالطفل ونوفّر له المتعة والفائدة في الوقت نفسه من قبل كادر متطوع وكل أسبوع لدينا معرض فنّي مختلف. وضمن العام هناك معارض جماعية للأطفال سواء من مراسم مختلفة أو من أطفال المركز نفسه الذين لديهم معرض لما أنتجوه خلال سنة كاملة ولدينا معرض في أيلول لطفل موهوب جداً وسيكون عنوان معرضه «شمس». وهو طفل عمره عشر سنوات. وهذا سيكون معرضه الفردي الأول هنا في المركز. كما هناك معرض لمجموعة من الأطفال في شهر تشرين الأول المقبل. فالطفل كان وستكون له حصة مهمة في برامج المركز وشريحة الشباب أيضاً لهم حصة من خلال مبادرات شبابية أثبتت حضورها في المشهد الثقافي ولديهم مشروع مميّز ومكان ثابت في المركز وكل المبادرات الشبابية الجديدة التي تحب أن يكون لها مكان ومنبر نحن مستعدون للتعاون معها.

والتقت «البناء» مع عدد من المشاركات في المعرض:

عدوية ديوب وهي حائزة على ماجستير في الفنون الجميلة اختصاص غرافيك قالت: أنا رسمت في لوحاتي الحصان بما يحمله من معاني الأصالة والعراقة وعملنا على تحوير الفكرة لتقديم عمل بسيط قريب للطفل واعتمدت على طريقة الحفر التي تعتمد على وضع مجموعة من الطبقات وهي تكشف الشكل الذي نريده ثم اعتمدت على الخطّ وطرحت موضوع اللوحات.

أما عن اللون الأسود ومدى تقبّل الطفل له لفتت ديوب إلى أن طرح اللون الأسود أمام الأطفال مغامرة لأنه من الممكن ان يقبله الطفل أو لا يقبله، ففي اللوحة أيضاً ضوء ومفردات قريبة من الطفل كالشجرة والطيور والغيمة والشمس.

حداد

بدورها الفنانة التشكيلية غادة حداد قالت: هناك تحدٍّ كبير عند التعامل مع الأطفال. وهذه مشاركتي الثانية مع مديرية ثقافة الطفل ومع الفنانة التشكيلية لجينة الأصيل. هذا التحدي الكبير يصبّ في أن ندع الطفل يأتي إلينا ويكون لديه الحافز ليرسم بعيداً عن الالكترونيات والكومبيوتر. وهذا الشيء صعب جداً لأن علينا أن ننزل إلى عالمه ونكون بمستوى تفكيره لنستطيع إقناعه بأن هذا الشيء مهم له، لذا يجب أن نحترم تفكير الطفل ورغباته وروحه فعندها يعطينا الكثير. فالطفل الموهوب إبداعه يخرج وحده.

وعن قصة اللوحات قالت حداد: اخترت أن يكون السنجاب الحيوان المراد رسمه فرسمته بشكل واقعي ثم حوّرته ليكون شخصية كرتونية. وأنا أحب السنجاب لأنه نشيط وهو تحدٍّ بالنسبة إلي، لأن السنجاب استخدم كثيراً في الأفلام الكرتوية ويكفي بأن ديزني أيضاً استخدمته في أفلامها، فكان من الصعب استخدام هذا الحيوان لكن النتيجة كانت جيدة والقسم الآخر من العمل كان عبارة عن قصائد وقصص من تأليف اطفال من أبناء الشهداء، وكان علينا ان نختار قصة او قصيدة ونحوّلها عملاً فنياً فاخترت قصيدة لطفل يحكي عن بلده سورية الجميلة المليئة بالألوان ويحلم أن تصبح مزدهرة بعد الحرب، فكان نتاج العمل جميلاّ بتحويل نصّ شعريّ إلى عمل بصري.

أما آمنة محناية خريجة فنون جميلة، قالت: بداية قدّمنا سكتشات صغيرة مرسومة بالألوان أو الكولاج واخترت طريقة الكولاج لأنّها قريبة للطفل فيها قصاصات ورق تركب بطريقة معينة والفنانة لجينة أعجبت بالفكرة ووافقت عليها والورشة استمرت لمدة أسبوعين حتى خرجنا بهذا المعرض.

يُذكَر أنه مؤخراً حصلت الفنانة التشكيليّة السورية لجينة الأصيل على جائزة «بام» التي تمنحها الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط في مدينة بلغراد في صربيا. وهذه الجائزة تمنح لشخص قدّم مساهمة قيّمة على مدى سنوات عمره في مجالات العلوم أو الثقافة أو الفنّ أو الأدب.

الفنانة لجينة الأصيل من خلال سنوات عملها في مجال أدب الأطفال شاركت بالكثير من المعارض وترجمت كتبها للغات أوروبيّة، حيث سعت إلى أن تكون من خلال أدبها صلة وصل بين ضفتي المتوسط وهي خبيرة فنية في مديرية ثقافة الطفل وعضو مستقل في المنظمة الدولية لكتب الاطفال في سويسرا صمّمت ورسمت أكثر من 70 كتاباً للأطفال ونالت العديد من الجوائز في فرنسا ومصر واليابان وسلوفاكيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى