إقرار أميركي بفشل العقوبات وعزلة أميركا… وايران تفاوض أوروبا من موقع القوة
حسن حردان
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوق للقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني او وزير الخارجية محمد جواد ظريف.. ورهانه على نجاح العقوبات لا يؤتي ثماره.. لكن ترامب لا يقتنع بعد أنّ سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي لن تنفع مع إيران كما لم تنفع مع كوبا وكوريا الديمقراطية.. طهران لن تمنح جائزة ترضية للرئيس ترامب تحقق ما هدف إليه من العقوبات.. في المقابل يبدو أننا أمام خيبة أمل أميركية باتت تخيّم على البيت الأبيض نتيجة فشل سياسة العقوبات في التأثير على موقف القيادة الإيرانية.. فهذه السياسة أدّت إلى مزيد من الصلابة في الموقف الإيراني في رفض تقديم التنازلات عن سيادة واستقلال إيران، او التفريط بأيّ حق من حقوقها.. بل انّ طهران وضعت شروطها على الطاولة للعودة عن تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي.. وعلى أوروبا أن توافق عليها إذا كانت تريد توقف إيران عن تنفيذ خطواتها التي أعلنت عنها.. وانّ المبادرة الفرنسية لإيجاد حوافز تسهم في دفع إيران إلى وقف خطواتها المذكورة ليست كافية بعد لإقناع طهران التي أكدت أنّ اقتراح فرنسا تخصيص 15 مليار دولار كقرض يوضع في صندوق في القناة المالية التي قرّرت أوروبا إقامتها للتبادل التجاري مع إيران.. تمّ رفضه من قبل طهران التي ربطت وقف تقليص التزاماتها بأن يكون مبلغ 15 مليار دولار لقاء مبيعات من النفط الإيراني لمدة أربعة أشهر.. وليس قرضاً.. ولأنّ ذلك لم يتحقق بعد.. أعلنت طهران انها ستقدم على خطوة جديدة في سياق تخفيض التزاماتها في الاتفاق النووي لإيصال رسالة واضحة الى الأوروبيين تفيد بعزمها على المضيّ قدماً في خطواتها لتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، وأنّ الخطوة الجديدة تشمل توسيع مجال الأبحاث والتطوير العلمي وأنواع مختلفة من أجهزة الطرد المركزي ما يعني في حال عدم الاستجابة الأوروبية أنّ إيران سوف ترفع نسبة التخصيب اليورانيوم إلى أكثر 4.5 بالمئة وصولاً إلى 20 بالمئة بما يمكن إيران من إنتاج الوقود النووي وتحقيق المزيد من التقدّم والإنتاج العلمي في مجالات الطب وغيرها، واستطراداً دخول إيران سوق المنافسة في هذه المجالات النووية السلمية وإنتاج الوقود النووي لتشغيل المحطات النووية لإنتاج الطاقة وهو ما يعني كسر احتكار الدول الكبرى لهذه المجالات.. وهذا طبعاً ما يقلق أوروبا وأميركا ويجعلهما تبديان المرونة تجاه إيران.. على انّ ذلك يؤشر إلى قوة الموقف الإيراني في مواجهة الغرب وفشل الضغوط الأميركية الأوروبية.. ولقد ظهرت المزيد من المؤشرات التي تدلّل على نجاح إيران في تسجيل المزيد من النقاط في صالحها من ناحية، والتي تكشف يأس واشنطن والدول الغربية في القدرة على التأثير على الموقف الإيراني..
المؤشر الأول نجاح ناقلة النفط الايرانية.. بعد الإفراج عنها من قبل حكومة جبل طارق بفعل صلابة الموقف الإيراني.. نجاحها في الوصول إلى الساحل السوري وإفراغ حمولتها، وبالتالي فشل كلّ المحاولات الأميركية لمنعها من ذلك، وتأكيد على عدم صحة ما قيل عن أنّ الإفراج عن الناقلة كان مقابل تعهّد إيران بعدم توجّهها الى سورية… ايّ انّ هذه النتيجة شكلت صفعة قوية جديدة لكلّ الجهود والضغوط الأميركية الغربية لمنع إيران من تصدير نفطها.. كما شكلت كسراً للحصار الأميركي الغربي المفروض على سورية.. وتأكد بما لا يدع مجالاً للشكّ انّ إيران لا توفر جهداً لدعم سورية في حربها ضدّ الإرهاب والحصار الأميركي..
المؤشر الثاني: استجداء الرئيس الأميركي ترامب عقد لقاء مع الرئيس روحاني او الوزير ظريف.. وإعطاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضوء الأخضر لإيجاد مخرج يتيح تحقيق هذا الهدف حتى ولو تطلب ذلك تقديم التنازلات وكسر الحصار الاقتصادي المفروض على إيران.. ولهذا فإنّ المبادرة الفرنسية إنما تمّ تنسيقها مع إدارة ترامب.. والرئيس ماكرون قال رداً على إصرار إيران على ان يكون مبلغ الـ 15 مليار دولار الذي سيوضع في صندوق القناة المالية لاستخدامه من قبل طهران، ثمن مبيعات من النفط الإيراني.. قال إنّ ذلك يحتاج إلى موافقة أميركية.. ما يؤكد أنّ باريس تنسّق كلّ خطواتها مع واشنطن..
المؤشر الثالث: ظهور علامات على يأس أميركي من الرهان على سياسة العقوبات في تحقيق الأهداف المرجوة منها والدعوة إلى عرض مخرج من الأزمة الاقتصادية ومن البرود السياسي تجاه ايران كما جاء في مقال نشر في معهد واشنطن للدراسات ، للمسؤول الأميركي السابق دينيس روس المعروف بصلاته القوية باللوبي الصهيوني… وقد اعترف روس بفشل ترامب عندما قال: لسوء الحظ، حقق الرئيس ترامب نجاحاً أكبر بكثير في عزل الولايات المتحدة وليس إيران. وأشارت إدارته في كلّ من التصريحات والإجراءات إلى عدم استعدادها لاستخدام القوة العسكرية إلا في أضيق الظروف، مما أدّى إلى حدوث صدع بين الولايات المتحدة وشركائها في منطقة الخليج، وقد أدّت حملة الضغط الأقصى إلى إبعاد الحلفاء الأوروبيين الذين شاركوا في كلّ نهج ضغط ناجح آخر اعتمد ضدّ إيران.. وزادت هذه الخطوات الاستراتيجية الخاطئة مجتمعة من جرأة القادة الإيرانيين .. مشيراً إلى أنه من الواضح أنهم لا يرون حاجة إلى التحدث مع الإدارة الأميركية، بعد أن رفضوا حضور وزير خارجيتهم اجتماعاً في البيت الأبيض واشترطوا رفع العقوبات قبل إجراء أيّ محادثات مع الإدارة الأميركية . مسلّماً بانّ العقوبات لن تحث إيران على تغيير سلوكها .. انّ ذلك برأي روس يأتي من خلال اتباع سياسة ناجحة مؤثرة تنبع من ممارسة ضغوط دولية جماعية.. ومن احتمال تأمين المفاوضات مكاسب اقتصادية حقيقية إلخ…
لكن روس يعرف أنّ تحقيق ضغوط دولية جماعية على إيران بات مستحيلاً لانّ الدول الكبرى لا سيما روسيا والصين لا تؤيد موقف واشنطن التي خرجت على الاتفاق النووي الموقع من مجموعة الخمسة زائد واحد وصادق عليه مجلس الأمن..
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنّ حصيلة الحرب الاقتصادية الأميركية على إيران الفشل في تحقيق أهدافها ونجاح إيران في مواجهة الضغوط الأميركية بكلّ أشكالها وفرض معادلات قوّتها الردعية مما أثمر خيبة أمل أميركية غربية وتغييراً في لغة الخطاب الأميركي الغربي مع طهران التي أصبحت في موقع قوّة يمكنها من استخدام أوراق الضغط النووية التي تملكها لناحية ربط التراجع عن مواصلة تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي بتطبيق أوروبا له وحصر أيّ لقاء مع واشنطن في إطار مجموعة الخمسة زائد واحد واشتراط حصوله برفع العقوبات والعودة إلى الالتزام ببنوده الاتفاق النووي.. هكذا يمكن القول إنّ حصيلة المواجهة بين إيران وأميركا إخفاق وفشل واشنطن في فرض إملاءاتها وشروطها على طهران واعتراف بالعجز أمام صلابة موقف القيادة الإيرانية.. فيما أوروبا المتأرجحة في موقفها تلعب دور الوسيط لإيجاد مخرج للأزمة يحفظ ماء وجه ترامب ويؤمّن مصالح أوروبا بتوقف إيران عن مواصلة تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي.. ولهذا فإنّ القيادة الإيرانية تفاوض من موقع القوّة، وتحسن الاستفادة من أوراق قوّتها ومن مأزق واشنطن والعواصم الغربية.. والتأكيد بأنّ إيران لن تتراجع عن خطواتها قبل أن توافق أوروبا وأميركا على شروطها برفع العقوبات وفتح القناة المالية واستئناف الغرب شراء النفط الإيراني ووضع ثمنه في هذه القناة…