«أرامكو» الهجوم الأخطر.. وأصداؤه تثير التساؤلات.. إيران تنفي المسؤولية وأميركا تستثمر واليمن تفتح باب الحوار
إعداد: سماهر الخطيب
ما إن تمّ استهداف منشأة «أرامكو» النفطية حتى توجّهت أصابع الاتهام نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية متناسية تلك الأصابع السعودية ما فعلته وتفعله في حربها ضدّ الشعب اليمني وكأنّ هذا الشعب لا يريد الحياة وكأنّ إرادته على الحياة لن تدفعه إلى الثأر لآلاف الأطفال الذين لقوا حتفهم في مجازر ارتكبها التحالف السعودي برعاية أميركية، وكأن شرعة الأمم المتحدة لم تنص على حق الشعوب في الدفاع عن النفس، فكيف هي الحال بعد مقتل نحو 100 ألف مواطن يمني خلال الغارات الجوية السعودية، ومعاناة أكثر من 2.3 مليون يمني من وباء الكوليرا، ونحو 60 الى 70 يعانون من سوء التغذية..
ولم يترك الأميركي هذه الفرصة دون استثمارها في الخزينة الأميركية من فرض عقوبات على الجمهورية الإيرانية إلى ضخّ المزيد من الأموال عبر الدفع السعودي الذي أثبت للعالم أجمع ضعفه كورقة خريف أمام قوة الشعب اليمني وإرادته في الصمود..
وحتى يجعل من هذه الضربة التي استهدفت العمق السعودي أراد الأخير استثمارها في المجتمع الدولي كضربة تهدد أمن الطاقة العالمي.. لكن السعوديين المتورطين في المستنقع اليمني الذي صنعوه بأنفسهم قد اعتقدوا أنه بمساعدة الولايات المتحدة يمكنهم كسب الحرب في أسابيع معدودة والآن بعد أربع سنوات ونصف، هناك أكثر من 100 ألف قتيل، وإصابات في العمق السعودي من مطارات ومنشآت.. وما زالوا يوجهون الاتهامات صوب إيران..
فيما ترفض إيران الاتهامات الموجّهة إليها مع ضعف الأدلة التي تمتلكها السعودية تصرّ الأخيرة مع حليفها الأميركي إلى الضغط على المجتمع الدولي لتوريط إيران بهذه العملية رغم تبني أنصار الله لها ودعوتهم للسعودية وكل الأطراف إلى الحوار دونما نتيجة تذكر..
وشهدت العلاقات الأميركية الإيرانية توتراً وتصعيداً عسكرياً، وذلك بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب، من الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 مع طهران، وبعدها وقوع هجوم على أربع ناقلات نفط في بحر عمان، إضافة إلى إسقاط طائرة مسيَّرة أميركية حديثة بصاروخ إيراني فوق مضيق هرمز، واحتجاز حكومة مضيق جبل طارق التابعة لبريطانيا ناقلة نفط إيرانية، قالت إن وجهتها سورية التي يفرض عليها الاتحاد الأوروبي عقوبات، بينما ردت طهران باحتجاز ناقلة نفط بريطانية عن مضيق هرمز.
لتثار الكثير من التساؤلات حول المستفيد من الهجوم على منشآت أرامكو النفطية، ومستقبل المنطقة في ظل التوترات الناتجة عن التدخلات الغربية في ملفاتها وإحداث الصراعات حسب مصالحها الآنية.. واستثمار المبادرات للسلام في المنطقة بعد امتلاك أوراق الضغط والقوة والتغيير الحاصل في الاصطفاف وموازين القوى.. أسئلة ليست بسيطة وتواجه محاولة الإجابة عليها الكثير من الثغرات..
روحاني: الأعداء لا يجرؤون على المواجهة
وقد أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال كلمة له بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس في إيران أن «الأعداء لا يجرؤون على اتخاذ القرارات في مواجهة القوات الإيرانية المسلحة»، مشيراً إلى الذين يريدون ربط أحداث المنطقة بإيران، بأن «أكاذيبهم قد افتضحت فلو كانوا صادقين ويسعون من أجل أمن المنطقة فليكفوا عن إرسال كل هذه الأسلحة والطائرات والقنابل والأسلحة الخطيرة إلى المنطقة، ولو كانوا صادقين لكانوا قد امتنعوا عن تحويل المنطقة إلى ساحة لسباق التسلح وإن كانوا حريصين في الواقع عن أمن المنطقة فليبتعدوا عنها».
وأعلن روحاني عزمه «تقديم مبادرة لأمن الخليج الفارسي في الأمم المتحدة بمشاركة دول المنطقة»، مؤكداً أن «أمن المنطقة ينبع من داخلها»، داعياً الدول الغربية إلى «الابتعاد عن المنطقة إذا كانت تريد لها الاستقرار»، مشدداً على «مد يد الأخوة والصداقة والحوار لجميع دول الجوار، وغضّ الطرف عن أخطاء الماضي».
ترامب منفتحٌ دائماً..
في المقابل، أعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن استعداده لـ»الاطلاع على خطة إيران الخاصة بضمان الأمن في منطقة الخليج».وأضاف: «بودي أن أرى إيران دولة عظيمة. لديها قدرات رائعة وشعب رائع»، مؤكداً أنّ «كل الخيارات على الطاولة ولا يمكن استبعاد أي شيء، لكن لا نية لدي لعقد أي لقاء مع الإيرانيين». واعتبر الرئيس الأميركي مع ذلك أنه «تم تحقيق تقدم بارز فيما يخص إيران خلال الأيام الماضية»، قائلاً: «نقوم بشأننا الخاص بنا تجاه إيران».
..وظريف ينتقد
فيما انتقد وزير الخارجية الايراني، محمد جواد ظريف، موقف أميركا من استهداف اليمن للمنشآت النفطية السعودية، مشيراً إلى أن «اليمنيين قاموا بالانتقام من هجمات السعودية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات وقتل مئات الآلاف من خلال مهاجمة مصفاة للنفط».
وقال ظريف في مقابلة مع شبكة «CGTN» الصينية أثناء وجوده في نيويورك، إن «المقاومة اليمنيّة وبدلاً من الانتقام من الهجمات السعودية وقتل المدنيين السعوديين، هاجمت مصفاة ولم يُقتل أحد»، معرباً عن عدم ثقته في نزاهة تحقيق دولي في استهداف شركة «أرامكو» النفطية السعودية. وبأنّ «كل من سيجري تحقيقاً نزيهاً سيصل إلى الاستنتاج نفسه». لكنه لا يستطيع القول مسبقاً إن «الناس الذين سيتم إرسالهم سيجرون تحقيقا محايداً، لأننا نعرف سوابق لذلك».
ورداً على سؤال عما إذا كانت بلاده ستقبل نتائج التحقيق الدولي، قال ظريف: «كلا، بل سنقبل نتائج تحقيق محايد»، مضيفاً: «باستطاعتنا تشكيل فريق تحقيق محايد. لم تقم الأمم المتحدة بإبلاغنا بشأن بدء التحقيق . لم تقم الأمم المتحدة بالتشاور معنا. لا نعلم على أي أساس يقوم. إذا سنعتني بذلك جنباً إلى جنب مع الأمم المتحدة. واثقون بأن الأمم المتحدة، في حال إجرائها تحقيقاً محايداً، ستخلص إلى أن ذلك الهجوم لم يتم شنه من إيران».
ورفض ظريف المزاعم الأميركية حول تورط إيران في هجوم الطائرات المسيّرة اليمنية على المنشآت النفطية السعودية، مضيفاً «من المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة ترى أن الهجوم على مصفاة تكرير غير مقبول، لكنها نفسها تساعد في مهاجمة المدنيين اليمنيين ».
وأكد ظريف أن إيران ليس لها أي صلة بمهاجمة منشآت أرامكو النفطية في السعودية، وقال: «إن حركة انصار الله في حالة دفاع عن أنفسهم، على الأقل يمكن الإشادة بهم لمهاجمتهم مصفاة بدلاً من الانتقام بمهاجمة مدينة أو مستشفى أو مدرسة، مثلما يفعل السعوديّون في اليمن».
وتابع ظريف قائلاً «الآن ضربوا مصفاة ولم يقتل شخص واحد، هل هذه الكارثة أكبر من قتل العديد من المدنيين في السنوات الأربع والنصف الماضية؟! يحدث ذلك في حرب كان يمكن إنهاؤها بعد أسبوع من بدايتها!».
ولاريجاني يكشف الهدف من تشكيل تحالف في «مضيق هرمز»
بدوره، أكد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، أمس، أن «هدف أميركا من تشكيل تحالف في مضيق هرمز هو نهب المنطقة».
وقال لاريجاني، في كلمة خلال العرض العسكري للقوات المسلحة في مدينة بندر عباس، «لتعلم الدول العربية أن أميركا تنظر إليها نظرة أداة وتتحدّث معهم بلغة الإذلال».
وأضاف أن «جميع الدول الإسلامية أشقاؤنا، نأمل بأن تكون جميع شعوب الدول الإسلامية، وخاصة جيران إيران، أن تقف الى جانب بعضها البعض وأن تكون لدينا أفضل العلاقات وأن نستخدم قوتنا وطاقتنا لمواجهة الأجانب والصهاينة».
وأكد لاريجاني أن «الشعب الإيراني والقوات المسلحة الإيرانية تعتبر جميع الشعوب المسلمة أشقاء لها، وتعتبر الكيان الصهيوني الغدة السرطانيّة في المنطقة والعدو الرئيس للمسلمين وتعتبر الدفاع عن الشعب الفلسطيني المظلوم واجب عليها».
وأعلن رئيس مجلس الشوري الإيراني، «استعداد القوات المسلحة الإيرانية لمساعدة الشعوب المسلمة وتعزيز الوحدة والإخوة وإيجاد الأمن المستدام في المنطقة»، وأوضح أن «أميركا والصهاينة هما عامل افتعال الأزمات في المنطقة»، قائلاً، إن «الرئيس الأميركي أعلن بشكل صريح عدم التزام بلاده بأي تعهد ويتحدث علانية عن صفقة القرن لتسلط الكيان الصهيوني على الشعوب الإسلامية».
ونوّه إلى أن «تشكيل تحالف في مضيق هرمز من قبل أميركا هو وسيلة جديدة لنهب المنطقة»، قائلاً إن «دول المنطقة يمكنها إرساء الأمن، والقوات المسلحة الإيرانية لن تسمح بالعبث في الخليج الفارسي من أجل زعزعة الأمن في المنطقة، ونحن نعتبر الحديث عن تحالفات كهذه بداية للعبة جديدة تهدف إلى زعزعة الأمن».
واشنطن لا تستطيع إخضاع إيران لسياساتها رغم الضغوط
في حين قال الناشط في حزب العمال البريطاني عمر اسماعيل إن «الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع إخضاع إيران لسياساتها».
وأضاف «إن إيران تختلف عن معظم الدول العربية التي دخلتها القوات الأميركية». وأكد أن «الحكومة الإيرانية متماسكة رغم الضغوط والحظر الاقتصادي وان الشعب والحكومة معاً في خندق واحد لمواجهة عدوهم».
بومبيو: العالم كله
يعرف قدراتنا العسكرية!
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إنه «في حال فشل المساعي الدبلوماسية الأميركية لحمل إيران للتصرّف على نحو طبيعي، فإن القدرة العسكرية الأميركية معروفة للعالم».
وأضاف بومبيو، في حوار مع شبكة «إيه بي سي» الأميركية، «نريد أنا والرئيس الأميركي دونالد ترامب أن نعطي الدبلوماسية كل فرصة ممكنة للنجاح، ولكن في حال فشل ذلك، أي إذا اعتقدنا أننا لم نعد قادرين على إقناع إيران بالتصرف كدولة طبيعية، كما طالبناها، فإن العالم بأسره، بما في ذلك النظام الإيراني، يعرف قدرتنا العسكرية».
تعزيزات عسكريّة أميركية
إلى الخليج
في هذه الأثناء، أعلن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر «إرسال تعزيزات عسكريّة أميركيّة إلى الخليج بطلب من السعودية والإمارات، بعد الهجمات التي استهدفت منشأتي نفط سعوديّتين».
إسبر قال إنه «منعاً لمزيد من التصعيد، طلبت السعودية مساعدة دوليّة لحماية البنية التحتيّة الحيويّة للمملكة. كما طلبت الإمارات العربية المتّحدة مساعدة أيضاً».
وأوضح وزير الدفاع أن «هذه القوّات ستكون دفاعيّة بطبيعتها وتركّز بشكل أساسيّ على سلاح الجوّ والدّفاع الصاروخي».
وطلبت المملكة العربية السعودية الدعم الدولي للمساعدة في حماية البنية التحتية الحيوية للمملكة. كما طلبت الإمارات العربية المتحدة المساعدة.
وقال إسبر «استجابة لطلب المملكة، وافق الرئيس على نشر القوات الأميركية التي ستكون دفاعية بطبيعتها وتركّز بشكل أساسي على الدفاع الجوي والصاروخي».
دعوة السعودية إلى الاستجابة لمبادرة صنعاء
بالتوازي، دعا عضو المجلس السياسي في حركة انصار الله حزام الأسد تحالف العدوان السعودي الى «الاستجابة لمبادرة صنعاء لتفادي هزيمة أكبر».
قال الأسد إن «مبادرة صنعاء جاءت من مصدر قوة وحق وشعور بالمسؤولية لليمن شعباً وحكومة». وأكد انه «كان حري بالسعودية وهي في مأزق بعد خذلان مَن كانت تراهن عليهم في دعمها وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تعتبر السعودية بقرة حلوباً بعد ان عجزت في الدفاع عنها».
كذلك، رحّب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن، مارتن غريفيث، بالمبادرة التي أطلقتها حركة «أنصار الله»، مشدّداً على «أهمية الاستفادة من هذه الفرصة وإحراز تقدّم في الخطوات اللازمة للحدّ من التصعيد العسكري والخطاب غير المساعد». موضحاً أن «تنفيذ هذه المبادرة بحسن نية، يمكن أن يكون رسالة قوية حول الإرادة لإنهاء الحرب».
كما أشاد بـ»المزيد من الانفتاح تجاه تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين والرغبة في حلّ سياسيّ لإنهاء الصراع».
وكرر المبعوث الخاص دعوته لـ»احترام القانون الإنساني الدولي، وضبط النفس، وتجنيب اليمن الانجرار إلى توترات إقليمية، لما فيه صالح الشعب اليمني».
مخرج يمنيّ جديد
لإنقاذ السعودية
ويعتبر المراقبون بأن هذه المبادرة مخرج يمني جديد لإنقاذ السعودية من مأزقها وتخفف من الارباك الذي تعيشه بعد الابتزاز الاميركي لاستحلابها من جديد عبر دفع المزيد من الاموال لتأمين حمايتها من القصف اليمني خاصة بعد الضربة القاصمة لشركة ارامكو.
ويرى المراقبون أن هذه المبادرة التاريخية تسقط كافة الذرائع لدول تحالف العدوان لتبرير استمرارها في الحرب على اليمن، كاشفاً في الوقت نفسه عن قدرات وصناعات عسكرية متطورة في مجال الدفاع الجوي، ومجدداً العفو العام عن الراغبين بالعودة إلى حضن الوطن، ومشيداً بإنجازات مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والسياسية.
التحالف الذي أعلن في العام 2015 تفككه، ويذهب لترك السعودية وحدها، ليس في منتصف الطريق، بل في الهاوية ودون أي طرق أو حبال نجاة، وقد يكون اليمن الذي يمنح الفرص الكثيرة للسعودية للخروج هو حبل النجاة الوحيد.
الرهانات التي رمت السعودية بحصاها إليها، اتضح أنها وهم، وأنها جزء من سوء التقدير، وسوء المنقلب، وقراءة الفنجان وضرب الرمال، وخيال السحرة السياسيين والعسكريين الذين دفعوا بالسعودية للحرب يقولون الآن إنا براء منكم، ومما تفعلون.
يؤمن حلفاء السعودية الإقليميون والدوليون أن الحرب العدوانية على اليمن، يجب أن تنتهي، ليس بسبب الأزمة الإنسانية وتداعياتها، ولكن لمنح الرياض مزيداً من السلالم للخروج من أزمة الخيارات، وضيق المسارات، قبل انعدامها.