اللواء المعضلة العصيّ على الاغتيال
سماهر الخطيب
كشف رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب، إحباط محاولة اغتيال قائد قوة القدس التابع لحرس الثورة اللواء قاسم سليماني.. عبر القبض على كافة أعضاء الخلية البالغ عددها 3 أفراد، والذين ارتبطوا وخططوا لذلك مع أجهزة استخبارات «إسرائيلية» وعربية. وكان هذا الإعلان خلال المؤتمر الـ 23 لقادة الحرس الثوري أول أمس، فبعد الفشل في استهداف مقار الحرس الثوري، نُفذ هذا المخطط الخبيث، الذي من الواضح أنه تمّ الإعداد له في داخل إيران على مدى سنوات لاغتيال اللواء سليماني، وبالتالي إثارة حرب طائفية في الداخل الإيراني، عبر الإيحاء بأنها تصفية حسابات داخلية، إلا أن المخطط أُحبط قبل تنفيذه..
حيث أوضح طائب أن «فريق اغتيال مرتبط ومأجور دخل إلى إيران في أيام ذكرى استشهاد السيدة فاطمة الزهراء، وقام بشراء عقار مجاور لحسينية المرحوم والد اللواء سليماني في كرمان، وبعد الاستقرار قام الفريق بإعداد نحو 500 كغم من المتفجرات، لوضعها تحت الحسينية عبر إيجاد ممر تحت المبنى، بغية تفجيره عند وجود اللواء سليماني الذي دأب الحضور سنوياً لحسينية والده في أيام تاسوعاء ليلة العاشر من محرم وعاشوراء ذكرى استشهاد الإمام الحسين».
وأشار إلى أن «استخبارات الحرس الثوري رصدت فريق الاغتيال حتى قبل استقدامه من إيران إلى بلد مجاور بغية تدريبه، وصرف مبالغ ضخمة لإنجاح عمليته، إذ اعترف أعضاء الفريق بعد الاعتقال بأنهم كانوا يستهدفون عبر اغتيال اللواء سليماني، زعزعة استقرار الوضع الداخلي والرأي العام».
وكانت تلك الأجهزة «واثقة من نجاح العملية، بعد أن ادعاء رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قبل فترة، عن استهداف اللواء سليماني»، بحسب رئيس استخبارات الحرس الثوري.
ومن يتابع التصريحات الصهيونية الصادرة ضدّ إيران وقادة الحرس الثوري، يجد أنّ الكيان الصهيوني يقرّ بأنّ الجنرال قاسم سليماني معضلةً بدون حل تثير غضب قادة الاحتلال وتجعلهم مستنفرين بشكل دائم، باعتباره في نظر الأجهزة الأمنية الصهيونية «رأس الحربة» لإيران. وعلى سبيل المثال وفي المقابلة التي بثت قبل أيام مع اللواء قاسمي تبيّن أنه في حرب تموز عام 2006 كان للواء سليماني قيادة الجانب الأكبر منها والتي حققت للمعسكر المقاوم أهم انتصاراته وأشدها تأثيراً على الكيان الصهيوني، وكسر شوكته في بداية تغيير المعادلة في المواجهة مع العدو وجعلته يتوجّس من خوض الحرب أو التفكير في شن حرب لكثرة ما كبدّته حرب الـ33 يوماً من خسائر رسمت على جبين هذا الكيان أذل الهزائم وأكثرها علقاً بالأذهان طيلة تاريخه.
وتصريح نتنياهو يؤكد كيف استطاع سليماني، إثارة غضب العدو الصهيوني، فهذا القائد لا يحظی بشهرة وافرة داخل إيران فحسب، بل امتدّت شهرته لخارج حدودها، كما ارتبط اسمه كمستشار عسكري ساهم بالانتصارات المتتالية التي حققتها المقاومة في لبنان وسورية. نتيجة التعاون المثالي بين المستشارين الإيرانيين والقوى المقاومة ورصّ الصفوف بينهم، والانتصارات التي تحققت أو التي بات يلوح في الأفق تحقيقها، والتي جعلت كيان الاحتلال محاصراً بمحور المقاومة وصواريخه الدقيقة بشكل كامل، وفقدت تهديداته فاعليتها بشكل كامل. وأصبحت تلك التهديدات التي كان يطلقها ذاك الكيان الغاصب علی مدی العقود الماضية ضدّ المنطقة، باهتة جداً لا بريق لها..
أضف إلى ذلك، الانتصارات التي تحققت في الميدان السوري والعراقي، بالانتصار على الإرهاب ورعاته، وفي الداخل الفلسطيني بتعزيز معنويات المناضلين، وإحياء معنويات المقاومة والصمود وترسيخ روح الإيمان بالنصر بين فصائل المقاومة الفلسطينية والسعي للارتقاء بمستوى تشكيلة «حزب الله» اللبناني.. كلها تعتبر جزءًا يسيراً من الخدمات التي أسداها اللواء سليماني برفقة المستشارين التابعين له في ظل التعاون والتعاضد مع قياديي ومقاومي محور المقاومة.
كذلك في اليمن حقق محور المقاومة انتصاراته وأظهر قدراته في فنّ الحرب وتكتيكات المواجهة وقابليات كبيرة لتطوير استراتيجيته الدفاعية، فباتت هجومية دفع من خلالها السعودية والإمارات إلی استجداء السلام، وفق ما أعلنته إيران أنها ساعدت اليمن بالاستشارات فقط..
ومن هذا المنطلق، أدخلت مادة تعليمية جديدة تحت عنوان «حرب الإرادات» في الأدب السياسي عالمياً. فالجهود التي بذلها محور المقاومة وفيلق القدس الإيراني أدّت في الواقع إلی تحقيق انتصارات لهذا المحور وفيلق القدس في مواجهة أميركا وذراعها الصهيوني والحيلولة دون انتصارهما في أدنی تقدير في ساحة المعارك وحسم الإرادة لمصلحة الشعوب المقاومة..
وبالنظر إلی ما قيل وما يكشف عنه المستقبل، فمن البديهي أن قائد فيلق القدس هو عدو من الدرجة الأولی لأميركا والكيان الصهيوني والبلدان التي تدور بفلكهما في المنطقة، ولذلك تجري محاولات حثيثة ومستمرة وإن كانت فاشلة لاغتياله وإقصائه من الساحة لما يثيره هذا القائد من قلق وخوف داخل قياداتهم الرعناء..
كما أنّ التخطيط لهذه المحاولة والاستعانة بطابور خامس في الداخل الإيراني، رغم حضور سليماني المتواصل والمستمر خارج الحدود الإيرانية، يبرهن علی عجز العدو التام عن المساس باللواء. وبالتالي الكشف عن ضعف شديد في أجهزة العدو الاستخبارية والأمنية مقارنةً بالأجهزة المخابرية والأمنية لمحور المقاومة، والأمثلة كثيرة عن ضعف أجهزة العدو الاستخبارية وما إسقاط تلك الطائرات المسيّرة ببعيدة عن طرحنا. ما دفعه إلى اللجوء لأسلوب الاغتيال الجبان بالاعتماد على عملائه في الداخل، للتعويض عن عجزه وضعفه في ميدان المواجهة مع محور المقاومة وقادتها.
ورغم أن رئيس جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني ولدواعٍ أمنية خاصة، اكتفى بإشارة ضمنية إلى الجهاز الذي كان ينوي اغتيال قائد فيلق القدس، وألقی باللوم علی «أجهزة مخابرات عربية – عبرية» وألمح في هذا المجال إلى أنّ «فريق الاغتيال الصهيوني كان واثقاً من قدرته على تنفيذ خطته»، إلا أنه ليس من الصعب تصوّر المرجع العربي والعقل المدبّر لمحاولة الاغتيال، فتلك الدول العربية المقصودة هي ذاتها من تلقى خسائر فادحة وصفعات متتالية من محور المقاومة إن كان في اليمن أو سورية أو العراق أو حتى في لبنان..
تلك الدول «العربية» لطالما كانت تصرّح وترفع وتيرة تصريحاتها لتترجمها أفعالاً عبر التهديد بنقل الحرب والانفلات الأمني إلی الداخل الإيراني، هي نفسها مَن تحتل الصدارة في قائمة مخططي محاولة الاغتيال الفاشلة.. ولا ننسى ما كشفته الصحف الأميركية عن إطلاق وعد من الأمير محمد بن سلمان للرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاعتراف بـ»إسرائيل» مقابل تخليصه من التهديد الإيراني..! وهذه كارثة تكشف التعاون والتعاضد القائم بين الجناحين العبري والعربي، وليس فقط التعاون بين «إسرائيل» وبعض قادة الدول العربية وقد تم فضحه منذ فترة طويلة، لكن محاولة الاغتيال الفاشلة تكشف الستار عن التعاون الأمني والاستخباري بينهما.. ما يدلّ علی أن لهذا التعاون تاريخاً طويلاً لا يقتصر على مستوى التطبيع الذي يكشف عنه أحياناً في وسائل الإعلام بشكل عابر، بل يتخطاه لما هو أكبر بكثير ويجعل من محاولة الاغتيال الفاشلة ورقة قوة تضاف إلى محور المقاومة لكشفه لهذا التنسيق الخطير وفضح بعض حكام العرب أمام شعوبهم عسى أن ينجلي الظلام.. فتأمل، رعاك الله.