واشنطن بين الهروب من أرامكو ـ 2 … والخوف من عودة داعش ـ 2 … وأوروبا ترتبك عون وبرّي الموازنة أولاً… والقوات والاشتراكي يعترضان على إدانة تركيا والانفتاح على سورية
كتب المحرّر السياسيّ
شكل النزوح الذي شمل عشرات آلاف المدنيين من مناطق الاشتباكات على الحدود السورية التركية، الحصيلة الأولى للغزو التركي الذي لم يجد في مواجهته ما كان متوقعاً من مقاومة من جماعات قسد التي هربت وحداتها من بلدتي رأس العين وتل أبيض، بعدما فرّ قادة قسد وتركوا المجنّدين إلزامياً، حيث يتوقع تقدم القوات التركية نحوهما ما لم تصل تعزيزات جديدة من قسد لا تبدو أنها خيار وارد، بعدما ظهر أن قيادة فسد تكتفي ببعض القصف الرمزيّ خلف الحدود على بلدات ومواقع تركية، مقابل غارات مكثفة للطيران التركي الذي لا يعتمد على وحداته البريّة التي استبدلها بجماعات تابعة للجيش التركي من السوريين ويخشى فشلها القتالي فاعتمد سياسة الأرض المحروقة الإسرائيلية، لكن دون أن يجد في انتظاره مَن يقاوم على طريقة ما جرى في مارون الراس وبنت جبيل عام 2006، رغم الإمكانات العسكرية والمالية والبشرية الهائلة لجماعة قسد، ويبدو رهان قسد على ابتزاز الأوروبيين بعودة داعش وانهيار معسكرات الاعتقال، وفرار الآلاف من المعتقلين الدواعش بينما أردوغان يهدّد الأوروبيين بطوفان من النازحين إذا وقفوا مع قسد وفرضوا عقوبات على تركيا.
واشنطن حزمت حقائب الرحيل وبدأت تخلي مواقعها في شرق سورية، والطريق الذي يربط قواعدها التي تغادرها بالقواعد التي تقيمها في العراق مزدحم بالمواكب الذاهبة شرقاً إلى غير رجعة، كما يقول الضباط الأميركيون لمن يسألهم من زعماء العشائر في المنطقة بينما في واشنطن ينقسم الرأي بين قلقين، أحدهما يعبر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والنخبة الحاكمة وهو فوبيا يسمّيها كاتب افتتاحيات نيويورك تايمز توماس فريدمان بـ أرامكو 2 يفسّر بها الفرار الأميركي الذي تم تظهيره عبر منح الأتراك الضوء الأخضر للعملية العسكرية شمال سورية، بينما الحقيقة هي أن هناك ذعراً أميركياً إسرائيلياً من منح إيران وحلفائها أي فرصة اشتباك بعدما كشفت عملية أرامكو حجم العجز العسكري الأميركي الإسرائيلي، مع تقنيات جديدة ومتطوّرة أظهرها هجوم أرامكو، أوصلت الإسرائيليين كما يقول فريدمان لبحث جدي بإقفال مفاعل ديمونا. أما القلق المقابل الذي يستحوذ على الديمقراطيين فهو ظهور داعش -2 ، مع خطر انهيار قوات قسد وفرار السجناء من معسكر الهول ، وهو ما عبر عنه كاتب افتتاحيات الواشنطن بوست ديفيد أغناسيوس، والقلق مشفوع بتساؤل: ماذا سنفعل بحلفائنا الذين نخيّب آمالهم ونبيعهم بسعر بخس، ومَن سيقف معنا في المنطقة؟
التنديد العالي الصوت بالغزو التركي من موسكو وطهران، قرع جرس الإنذار لأنقرة بسقوط مسار أستانة. فالتحالف مع سورية هو أولوية موسكو وطهران كما تبلّغت أنقرة، وإذا قرّرت دمشق الذهاب لعمل عسكري دفاعاً عن سيادتها ووحدتها فسيكون على تركيا التعامل مع وضع جديد، ربما يشبه ما كان عليه الوضع أثناء معارك حلب قبل ولادة مسار أستانة. والكلام السوري الرسمي الذي ورد على لسان نائب وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد، أوحى بكونه تمهيداً لدور عسكري سوري في الشمال لا يُقيم حساباً للفريقين اللذين يتقاسمان أراضي وثروات سورية وهما قسد والأتراك. وقد قال المقداد، الأفضل أن نصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالكذّاب الذي تأصّل الكذب فيه منذ تعامله مع الأزمة السورية «، مشيراً إلى أن أردوغان قاتل فتح الأبواب أمام 170 ألف إرهابي كي يمارسوا القتل في سورية . وأضاف أن «أحضان الدولة السورية مفتوحة أمام مواطنيها ولكن لا نتحاور على منطق انفصالي»، مؤكداً «أننا لا نتحاور مع من رهن نفسه للقوى الخارجية ونعتبره إرهابياً»، مشيراً إلى أن «النظام التركي يحمي جبهة النصرة ولم يبق إرهابي لم تدعمه أنقرة»، لافتاً إلى «إننا نثق بالأصدقاء الروس وهم يقفون إلى جانب وحدة وسيادة الدولة السورية، وهم مهتمون بما يجري على الأرض». وأضاف «العلاقات السورية مع أصدقاء سورية في الجانب الروسي والإيراني ممتازة وهم كثر»، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى «مراجعة سياساته تجاه الدول التي تدعم الإرهاب في سورية»، مؤكداً «أننا دافعنا عن أرضنا في كل موقع كان فيه الجيش السوري».
لبنانياً، كان لقاء بعبدا الذي جمع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري فرصة لتوفير شبكة أمان للحكومة لإنجاز الموازنة في الموعد الدستوري، وتقديم صورة توافقية تستبق الجلسة النيابية حول المادة 95، فيما كانت الحكومة تحقق تقدماً في مناقشة التعاون مع الحكومة السورية للاستثمار على ما توفره الأسواق التي تتيحها للبنان المعابر السورية في البوكمال نحو العراق وفي نصيب نحو الخليج، حيث أبدى رئيس الحكومة سعد الحريري نيته التتفكير بهدوء بكيفية تحقيق هذا الهدف بعدما كان وزير الخارجية قد اقترح أن يقوم بزيارة سورية مكلفاً من الحكومة لبحث التعاون الاقتصادي وملف النازحين، وكان المستغرب الاعتراض القواتي – الاشتراكي، على قاعدة اذهبوا إلى دمشق وآتونا بإنجازات دون تفويض من الحكومة، ولن نهاجمكم، ما أثار سخرية الوزراء الباقين، وهي سخرية زادت مع تسجيل قواتي اشتراكي للاعتراض على موقف لبنان بإدانة الغزو التركي لسورية، بينما كانت الجامعة العربية تُجمع على الإدانة، ما طرح تساؤلات عن تبدّلات في المرجعيّات الإقليمية والدولية للفريقين؟
وأكد رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الجلسة مع رئيس الجمهورية ميشال عون كانت أكثر من جيدة وممتازة وتناولت كل المواضيع التي ندور في فلكها الآن خاصة الموضوع النقدي والمالي والموازنة وما يحصل في المنطقة والجنوب وسبل المعالجة بأسرع وقت ممكن.
وكشف بري من قصر بعبدا أنه كان هناك اتفاق مع عون انه اذا تأخرت الحلول عن الأسبوع المقبل في ما يتعلق بالموازنة فسندعو الى انعقاد لجنة الطوارئ الاقتصادية التي تقرّرت في الاجتماع المالي في بعبدا والذي انعقد في 2 أيلول.
ورداً على سؤال، قال بري: جلسة 17 تشرين الاول لمناقشة رسالة الرئيس عون حول تفسير المادة 95 من الدستور قائمة .
اللقاء بين عون وبري الذي دام 45 دقيقة، طرح جملة من الملفات والقضايا على بساط البحث، ولفتت أوساط بعبدا لـ البناء إلى أن دعوة لجنة الطوارئ للانعقاد مرتبطة بتأخير إقرار الموازنة بعدما بدا واضحاً عدم التزام بعض الأطراف بمقررات بعبدا وأهمها إقرار الموازنة بموعدها الدستوري مع الإصلاحات المطلوبة، لكن الخلاف الذي استجدّ في مجلس الوزراء واللجنة الوزارية حول الإصلاحات دفع بالرئيسين عون وبري الى خطوة استباقية ودعوة لجنة الطوارئ المؤلفة من 13 شخصية سياسية تمثل كل الكتل النيابية للاجتماع لتصويب المسار ومنح قوة دفع جديدة لإقرار الموازنة . ورجحت الأوساط أن يدعو رئيس الجمهورية اللجنة للاجتماع خلال أسبوعين أو أقلّ إذا أنهت الحكومة الموازنة وأحالتها الى المجلس النيابي . ولفتت الاوساط الى أن الرئيسين ناقشا الوضع المالي والنقدي والإجراءات التي اتخذها البنك المركزي لتأمين السيولة بالدولار لتسهيل عمل القطاعات لا سيما المحروقات الذي حلت أزمته وكذلك الأدوية، وبقيت أزمة قطاع المطاحن يجري العمل على حلها. الأمر الذي يحتاج توضيحاً من المصرف المركزي للتعميم الأخير الذي ترك ارتياحاً لكن يجب أن يستتبع بإجراءات أخرى .
كما أجرى الرئيسان جولة أفق حيال الملفات السياسية والحدودية لا سيما الخطر الإسرائيلي في ضوء زيارة مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية حيث جرى تقييم الوضع وملف ترسيم الحدود البحرية والبرية مع فلسطين المحتلة. أما لجهة المادة 95 من الدستور، فلفتت الاوساط الى أن الرئيس بري أكد للرئيس عون أنه سيتلوها على المجلس النيابي ، موضحة أن مسعى نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي لم يكن سحب عون للرسالة بل توافق الرئيسين على صيغة واحدة إما طرحها وإما سحبها وتأجيلها لسحب أي تشنج ممكن حصوله في الجلسة ، وأكدت أن بري سيدير الجلسة بطريقة لن تؤثر سلباً على المشهد السياسي والوطني العام .
الى ذلك فرض ملف العلاقات مع سورية نفسه بنداً اساسياً على طاولة مجلس الوزراء في ضوء فتح معبر القائم والبوكمال بين سورية والعراق، وقد أثار عدد من الوزراء المسألة طالبين تأليف لجنة وزارية لزيارة سورية وبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستفادة من فتح المعبر على صعيد الصادرات، ومرور الشحنات اللبنانية وتخفيف الرسوم عنها، إلا أن وزراء القوات اعترضوا طالبين الإبقاء على الآلية الحالية اي زيارة وزراء فردياً، وأشار وزير الشباب والرياضة محمد فنيش لـ البناء الى أن بعض مواقف القوى السياسية تضرّ بالبلد وتفوّت عليه فرصاً ثمينة لإنقاذ اقتصاده بالمقابل تدّعي أنها تريد إصلاحات؟ . وأكد فنيش أن اقتراحنا لم يعرض على التصويت لكي يدّعي البعض إسقاطه، بل مجرد اقتراح .
وعلى صعيد الموازنة والإصلاحات قال فنيش: هناك اصلاحات كمشاريع قوانين ندرسها بمضامينها ومستعدون لمناقشة أي مشروع يعتبره البعض إصلاحياً، لكن هناك مشاريع قوانين تحتاج الى وقت لدرسها في لجنة الإصلاحات الوزارية ثم في مجلس الوزراء ثم تشريعها في مجلس النواب، وبالتالي ربط الموازنة بهذه الإصلاحات يشكل خللاً في الانتظام المالي العام . ودعا فنيش إلى إرسال الموازنة لمرة واحدة الى مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية المحددة .
على صعيد آخر، نفى المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ما نسبته محطة الـMTV الى مصادر زعمها أن المفاجأة التي تحدّث عنها الحريري قد تشمل وديعة بقيمة 1.4 مليار دولار تودع في مصرف لبنان من دون فوائد. وأكد المكتب في بيان أن الخبر عارٍ من الصحّة جملة وتفصيلاً، ولا يمتّ الى الحقيقة بصلة، آملاً من الجميع وقف التكهنات التي من شأنها أن تشوّش على النتائج الإيجابية للزيارة الناجحة التي قام بها الرئيس الحريري الى دولة الإمارات العربية المتحدة .