بين 13 تشرين 1990 و13 تشرين 2019…
النائب العميد شامل روكز
13 تشرين 1990… اعتبرها البعض النهاية: نهاية الحلم، نهاية النضال والأمل، نهاية الشرعية، بداية النفي، بداية الوصاية والاستبداد، بداية اللاشرعية…
ولكن بعد تسعة وعشرين عاماً، يتبيّن للجميع من الداخل والخارج أن 13 تشرين كان مجرّد البداية: بداية النضال الحقيقي لتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال…
غير أن ذكرى 13 تشرين تختلف هذا العام عن سابق الأعوام فبعدما كنّا نستذكره كأحد الأيام المفصلية في تاريخ لبنان الحديث وتاريخ جيشه الباسل، بتنا نرى الغضب والأسى يحلّ مكان الغصّة والحزن والألم… تسعة وعشرون عاماً مضت على ذكرى سقط فيها خيرة الشباب من ضباط وعناصر للجيش شهداء ومفقودين، في سبيل الدفاع عن سيادة الوطن والصمود بوجه مؤامرة تسليمه لمن استأثر به وبموارده على مدى عقود. وبقدر ما كانت ذكرى 13 تشرين 1990 أليمة في وجداننا، نحن مَن التزمنا قسم الذود عن الوطن، بقدر ما هي ذكرى نحنّ إلى استعادتها كلحظة تأسيسية لوحدة وطنية أمعن في استباحتها دخلاء السياسة ومتطفلو السلطة، تحت مسمّيات شتّى…
ما أحوجنا اليوم إلى روحية 13 تشرين وإلى وقفة شجاعة وقرارات مقدامة، وإلى لحظة مماثلة تعيد ثقة المواطن بدولته وتحمي كرامته وتطمئنه في لقمة عيشه ومصير أولاده واستقرار وطنه، ولا تتوانى في تقديم الغالي والنفيس في سبيل استنهاض الدولة وتطويرها. فبدل أن نحتفل اليوم بالتقدم على مدى العقود الثلاثة الغابرة، ترانا نحنّ في هذا الزمن الرديء إلى ماضٍ ظنناه انتهى إلى غير رجعة.
لذكرى 13 تشرين اليوم طعمٌ مختلفٌ ممزوجٌ بالمرارة على فرصٍ ضاعت أو أُضيعت وعلى تضحيات اندثرت وحلّت محلّها شهوةٌ للسلطة ورغبة في التسلّط قلّ نظيرهما في تاريخ لبنان. لقد كنا في ذلك اليوم على موعدٍ مع فجرٍ جديد، سرعان ما تحوّل إلى ظلمٍ شديدٍ حلّ برموز وأبطال تلك المرحلة من الجيش، قيادة ورتباء وعسكريين. وبدلاً من إنصاف ومكافأة مَن لم يتردّد يوماً في تقديم كل ما لديه في سبيل لبنان، نستهول مشهد اقتطاع مستحقات تقاعدية لهؤلاء، بغية تغطية فشل الطبقة السياسية في إدارة البلد ونجاحها في إفلاسه.
فبعد إقرار موازنة أبعد ما يمكن عن طموح العسكريين ومصالح الشعب، اكتشفت أن العسكري في داخلي أقوى من السياسي، وأن وجودي في المجلس النيابي بات تحدياً وليس اندماجاً… أنحني خجلاً من رفاق النضال، ومن كل عسكري وضابط في الجيش اللبناني، وأعتذر على تعذّري أنا وبعض الزملاء في هزيمة الإرادة والقرار السياسي لإنصافكم وضمان حقوقكم… لكنني أعدكم اليوم بأنني لن أتوقف ولن أساوم ولن أتراجع عن قول الحق والحقيقة مستشهداً بقولٍ للإمام علي بن أبي طالب: «لا تستوحشوا طريق الحق لقلّة سالكيه»…
إلى متى سيبقى المواطن اللبناني يؤدي فاتورة فشل أهل السياسة في ضمان أبسط مقوّمات العيش الكريم والحياة اللائقة؟ فاتورة فُرضت عليه من طبقة سياسية لا حول ولا قوة له في كبح جموحها نحو الهاوية مكابرةً وعناداً ونكاية. في ذلك اليوم، في 13 تشرين، استبسلنا في الدفاع عن لبنان خلناه خارجاً من براثن الحرب كطائر الفينيق، لولوج مرحلة السلم في ظلّ استقلال يحفظ عزّتنا. أما اليوم وقد نخر الفساد والترهّل جسم لبنان الحلم هذا، أهذا أفضل ما استطعنا تحقيقه مذ ذاك اليوم المجيد؟
في هذا اليوم، أدعو جميع المواطنين ورفاق السلاح إلى النهوض في وجه مَن سلبهم حلمهم في عيش كريم ولائق، وإلى الانتفاض ضدّ تزوير إرادتهم، وإلى الاعتراض على كلّ مَن تسبّب في انحطاط بلدهم. يجب علينا تجديد 13 تشرين وتحويلها إلى وقفة للانقضاض على طبقة حاكمة اعتادت ابتزاز المواطن، وإفقاره وتجويعه بغية استزلامه أو إخضاعه. طبقة متغطرسة جعلت لبنان، ويا للأسف، ينافس أكثر الدول تخلفاً على المركز الأوّل…
فتعالوا لنستعيد الوطن الحلم، ونبنيه من جديد قبل فوات الأوان، لنعود، مرفوعي الرأس، ونحتفل بذكرى 13 تشرين كيوم انطلق فيه ذلك الحلم… ونحذّر من استأثر بمصير هذا الوطن على مدى تسعة وعشرين عاماً من فوات الأوان، لأنّ الشعب بات فقيراً، جائعاً، تائهاً، متمرّداً…
فنحن الجيش اللبناني، فخر وكرامة وعز كلّ اللبنانيين…
نحن العدالة وأنتم التعسّف، نحن الكرامة وأنتم الانحطاط…
نحن المجد وأنتم الزوال، نحن التوافق وانتم التآمر…
نحن الأمن والأمان، وأنتم عدم الاستقرار والتقلّب…
نحن المستقبل المزدهر، وأنتم الماضي المنحط…
نحن من روى تراب لبنان بدمائنا، وأنتم من لوّث تراب ومياه وهواء لبنان بصفقاتكم…
نحن الشرف وأنتم الذل…ّ
نحن التضحية وأنتم الأنانية…
نحن الوفاء وأنتم التخاذل…
نحن الجيش اللبناني وأنتم خيبة أمل كلّ لبناني…