يا أكراد سورية عودوا لوطنكم وشعبكم وأعيدوا كتابة تاريخكم كما كتبه صلاح الدين ويوسف العظمة
اياد موصللي
قال سعاده: «انّ الخطر اليهودي هو أحد خطرين أمرهما مستفحل وشرّهما مستطير.. والثاني هو الخطر التركي، وهذان الخطران هما اللذان دعوت الأمة السورية جمعاء لمناهضتهما».
اليهودية في مفهومها التكويني ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل لهذا فإنّ قادة تركيا الحديثة وهم من أصول يهودية حاولوا تغيير تكوين بلادنا وهوية أمتنا عبر إبدال اللغة العربية في سورية الطبيعية.. وتغيير البناء القومي.
مصطفى كمال مؤسّس دولة تركيا الحديثة. ولد عام 1880 في اسبانيا يهودياً وتعلم اليهودية القديمة في المذهب السبتالين عن والده وأسرته وتهرّباً من خطر الموت الذي تعرّض له اليهود الاسبان اعتنقوا الدين الإسلامي، ويقول ببير هاييس مؤلف كتاب الصهيونية والشعوب الشهيدة :
«كان كثيرون من قادة تركيا وجمعية «الاتحاد والترقي» من ذوي الأصول اليهودية أمثال حقي بك المستشار العام للسلطنة، جاويد، كاراسون، مدحت باشا، أنور باشا، فوزي باشا رئيس أركان الجيش التركي وهو مجري الأصل اسمه كوهلمن… وظهرت الأصول اليهودية لمعظم قادة تركيا الذين شاركوا في عمليات إبادة الأرمن.. وفي مقدّمتهم طلعت باشا، الذي أصدر أمراً بوصفه وزيراً للداخلية الى مكتب مخابرات حلب في 15 أيلول 1915 وفيها يأمر بما يلي: «لقد سبق وأُعلن بأمر «لجنة الاتحاد والترقي» انّ الحكومة العثمانية قرّرت إفناء كلّ الأرمن الساكنين في تركيا مهما بدت مؤسفة الوسائل المؤدّية الى الهدف المقرّر، يجب إطفاء صوت الضمير والمشاعر الخاصة الإنسانية وإنهاء عمليات إفناء الشعب، بدون أية مراعاة للنساء والأولاد والمرضى».
بعد كلّ هذا علينا ان نعي دائماً انّ ما يقوم به القادة الأتراك اليوم ضدّ سورية هو إتمام لما حاولته سابقاً جمعية الاتحاد والترقي، هذه الجمعية التي معظم قادتها من ذوي الأصول اليهودية.
التمدّد التركي متمّم للتمدّد اليهودي للسيطرة على بلاد الشام وفلسطين… وما يجري اليوم في المناطق الشمالية للجمهورية السورية إنما هو جزء من المخطط الصهيوني في جزئه التركي…
والأكراد كمجموعات تكوّنت من ناتج الاحتلال التركي لشمال سورية وضمّ أجزاء منها إليها، هذه الأجزاء كان يسكنها أكراد في جزئيها العراقي والشامي طردهم الأتراك من بلادهم فسكنوا في منطقة الجزيرة وفي مدن: عامودة، القامشلي، المالكية، الحسكة، رأس العين، الموصل وأربيل والعديد من المدن العراقية.. انتقل الأكراد من جزء الى جزء في سورية الطبيعية.. وأخذ الأتراك يلحِقون بهم الأذى اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً في بعض الظروف.. ابان التواجد الافرنسي في سورية والبريطاني في العراق.
فالأكراد سواء الذين أتوا من الأجزاء التي احتلتها تركيا من سورية او الذين يقيمون أساساً في المناطق الشمالية من الشام هم أبناء البلاد وجزء أساسي حيوي من هذه الأمة وقطبة أساسية في النسيج الذي تتألف منه هذه الأمة المتجانسة التي انصهرت فيها العصبيات المتنافرة ضمن وحدة وضعت مصلحة الأمة والمجتمع فوق كلّ مصلحة.
لقد انصهر الأكراد في مختلف مراحل التاريخ في بوتقتهم الاجتماعية التي وجدوا فيها على هذه الأرض وتجانسوا مع المجموعات الأخرى التي عاشوا معها وتفاعلوا واشتركوا في تكوين حضارتها وسطروا تاريخاً مشتركاً وأبدعوا بدمائهم بطولات. وتبرز وحدتهم أكثر ما تبرز في بلاد الشام عكس تركيا وإيران. ففي بلاد الشام وما بين النهرين وجدوا ذاتهم في مجتمعاتهم.
عندما تستوعب الأرض كلّ من عليها ولا ترفض او تميّز بين هؤلاء الذين عاشوا عليها واندمجوا فيها يكون قد تكوّن لدينا جماعة من الناس لهم خبرة تاريخية مشتركة ورغبة في العيش معاً يجمعهم ولاء للدولة القومية، قوميتهم هم، أبناء الوطن والأرض التي يكنون لها المحبة ويشعرون نحوها باعتزاز الانتماء، يشتركون معاً بالثقافة والترابط الاجتماعي الواحد بمؤسّساته الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وفي العمل والاندفاع والحماس من أجل سلامة هذه الجماعة ومجدها. انّ خصوصية مجموعة ما من أبناء هذه الأمة لا تعني انعزاليتها وتقوقعها داخل شرنقة عنصرية خاصة داخل كيان الأمة…
انّ إيمان كلّ من على هذه الأرض بأنّ القومية هي «ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها»، وإيمانهم بوحدة مصيرهم هو وحده الكفيل بالقضاء على عوامل الفرقة والتشرذم ويرسخ إيماننا بأنّ كلّ ما فينا من أمتنا ولها حتى الدماء التي تجري في عروقنا ومتى طلبتها وجدتها.
انّ ظهور العصبيات بين بعض الأكراد مناف تماماً لتاريخهم الوطني والقومي العريق ولا يمكن له ان يكون وليد عوامل محلية بحت، فالاختلافات التي تنشأ في المجتمع الواحد والجماعة الواحدة لا تترك ذيولاً انتقامية عصبية، لذلك، ما نراه أمراً غريباً لم نعهده في تاريخ العلاقة بين أبناء الامة الواحدة، هذه الأمة التي يشكل الأكراد في هذا المجتمع الكبير جزءاً أساسياً منها تعطينا صورة واضحة عن المكانة التي احتلها الأكراد في هذا الوطن وكيف ساهموا في صنع تاريخه المجيد، فهم في صلب تكوين هذه الامة ولم نقرأ أبداً في تاريخنا كلمة عن المماليك «الأكراد» فيما امتلأت صفحات التاريخ عن المماليك الأتراك او الشراكسة او الارناؤوط وغيرهم، وعلى العكس كانت الدولة الأيوبية كياناً سورياً إسلامياً تحكمه أسرة كردية اأغنت تاريخنا بجليل إنجازاتها فقد كانت ملحمة مهمة تعكس نضال أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة….
نسمع عن عرب وأكراد في سورية اليوم وأغرب منه ان نسمع بأحداث تصادمية عرقية بينهما، لأنّ تاريخ سورية البعيد والقريب غني بمؤشرات التلاحم الوطني والقومي الذي تعكسه الأحياء السكنية المشتركة ذات الأسماء الكردية في ركن الدين في دمشق المعروف عامياً بحي الأكراد، والذي لم تحدث فيه ضربة كف منذ تكوّن حتى الآن، وتفسّر على أساس عنصري. كما تعكسه الشخصيات الكردية التي حكمت البلاد ومثلت الشعب في مجلس النواب على أساس التمثيل الانتخابي العام لا تمثيل أقلية مذهبية او عنصرية، ناهيك عن أعلام الأدب واللغة والتاريخ… فما بدا مما عدا حتى يجري ما جرى ونسمع ما سمعنا «ويكاد المريب يقول خذوني».
فماذا نقول بالأكراد الذين حكموا سورية في العهد الاستقلالي ولعبوا دوراً هاماً فيها أمثال محسن البرازي، حسني البرازي: رئيسا وزارة، خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي ونائب في المجلس النيابي، علي بوظو نائب، علي ظاظا وزير الداخلية والحاكم العسكري في سورية. وماذا نقول عن ابراهيم هنانو الكردي من قضاء كفر تخاريم في إدلب بطل الثورة السورية وقائدها.
لم يكن أحد يسأل أو يعير انتباهه واهتمامه للعنصر الذي ينتمي إليه هذا الرئيس أو ذاك النائب او الوزير فلم يكن إشغالهم لمنصب تمثيلاً لعنصر أو مذهب أو طائفة.
محمد كرد علي رئيس المجمع اللغوي العربي في دمشق كان كردياً، حسني الزعيم وأديب شيشكلي كرديان رئيسان للجمهورية، الشاعر المعروف نذير العظمة كردي سوري قومي اجتماعي، والرفيق زكي نظام الدين كان منفذاً عاماً لمنفذية الحسكة في الحزب السوري القومي الاجتماعي ومركزه مدينة القامشلي، وشقيقاه واحد وزيراً للاقتصاد والآخر عبد الباقي نظام الدين قائداً للجيش…
اننا نرفض رفضاً قاطعاً ان تقوم بين الأكراد عصبيات وتشنّجات تحجب عنهم رؤية الواقع، انّ المتطرفين والمتعصّبين يتحمّلون المقدار نفسه من المسؤولية التي يتحمّلها سواهم من العناصر الأخرى إذا وجدت.
انّ الأكراد بفعل انتمائهم القومي شخصية فاعلة في مجتمعها ومصدر غنى وقوة واعتزاز، وكما أغنى صلاح الدين الأيوبي تاريخنا بمواقف العز تنتظر أن يغني أكراد اليوم التاريخ كما بالأمس واليوم وغداً.
انّ الممارسات الخاطئة لا يمكن ان تبني وطناً ولا مجتمعاً قوياً متماسكاً. اننا نربأ بالأكراد ان يكونوا «جوكر» الأحداث التي تباغت أمتنا بين الحين والحين فيتحرك بعضهم كلما رأى الأجنبي انّ له مصلحة في استخدام الورقة الكردية فيكثر من الحديث عن حقوق الإنسان وحرية تقرير المصير، الأمر الذي انْ صحّ ان تُطالَب به إيران وتركيا فلا يصحّ إطلاقاً تعميمه على أكراد سورية والعراق.
فحقوق الإنسان اذا طالب به كردي سوري فهو نفس ما يطالب به السوري واللبناني والعراقي والعربي عموماً وهو مطلب وطني.
ولا نريد تدخلاً أجنبياً يعيد اليوم تاريخ الأمس ولا نزال نذكر معاهدة «سيفر» عام 1920 يوم وعد الحلفاء الأكراد بوطن في كردستان العليا عندما كانت مصلحة الحلفاء في الحرب ضدّ العثمانيين تستدعي اجتذاب الأكراد لمحاربتها.
وعندما قضت مصلحة الانكليز باستمالة مصطفى كمال «اتاتورك» واسترضائه ألغت معاهدة «لوزان» 1923 ذلك الوعد ولم تشترط تلك المعاهدة ايّ معاملة مميّزة للأكراد بل تحدثت عن احترام الحريات لكلّ الأقليات…
وإذا كانت معاهدة لوزان قد اعتبرت الأكراد من الأقليات فنحن والأكراد لا نعتبرهم ولا يعتبرون أنفسهم كذلك. فهم أكثرية انْ لم يكن عدداً فنوعية سياسية، ثقافية اجتماعية يملكون في أمتهم إرثاً حضارياً لأكثر الحضارات إشعاعاً للإنسانية كلها.
ولا نريد ان يحدث اليوم ما حدث بالأمس ويتصرّف بعض المنحرفين تصرّفاً يضرّ بهذه الأمة إرضاء لأجنبي على حساب وحدة الأرض والشعب.
يكفي ان ينتصب في ميسلون تمثال لبطل سورية الذي استشهد في سبيل حرية وطنة وهو يوسف العظمة الكردي السوري.
لقد تفاعل الأكراد في مختلف مراحل التاريخ مع محيطهم الاجتماعي الذي وجدوا فيه على هذه الارض متجانسين مع المجموعات الأخرى مكوّنين حضارة كما سطروا تاريخاً وسجلوا بدمائهم لوحات بطولية رائعة وتبرز وحدتهم هذه في بلاد الشام وما بين النهرين العراق. ففي بلاد الشام وما بين النهرين وجد الأكراد ذاتهم، فالكردي في كلّ منعطفات التاريخ كان يشعر ويتصرّف من وحي شعوره بأنه جزء من أمة وينتمي إليها، وأنّ ولاءه لدولة قومية لا تقوم على عنصرية او عصبية هوجاء ولا تنظيم عنصري، أمة هي نتيجة سلالات متعدّدة جاءت هذه المنطقة بالهجرة او بالحروب واندمجت متفاعلة مع محيطها وشعبها ومع بعضها البعض مكوّنة المجتمع الذي يشكل تاريخه وحضارته جوهر وجوده.
انّ الأكراد بفضل انتمائهم القومي الصادق في هذا المجتمع مصدر غنى وقوة واعتزاز… ومصدر عز وعنفوان لوطنهم كما كانوا دائماً. وعليهم أن يكونوا سداً في وجه الأجنبي ومحاولاته تمزيق وحدة سورية والعراق.
معرفتنا ماذا يريد عدوّنا تشكل صمام الأمان من أية سقطة او ذلة، وعلينا ان نعي دائماً انه في الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة الصحيحة التي تتكفل بإنهاض الأمة. وان نؤمن بوضوح «بأنّ اقتتالنا على السماء يفقدنا الدين والأرض».
مطلوب من الأكراد ان يعملوا من أجل وحدة أمتهم وأرضهم في الشام وسورية كلها.
فابتعاد بعض الأكراد عن وحدة أمتهم سيقضي عليهم ويبدّد وجودهم ويعيد لعبة الدول بهم كما حدث في مراحل التاريخ…
ايها الأكراد… عوا قضيتكم بكامل حقيقتها فجهلكم لها وابتعادكم عنها حصاده الفشل…