انهيار المسلحين السريع في القلمون… الأسباب والتداعيات
حميدي العبدالله
على امتداد المعارك التي خاضها الجيش السوري ضدّ معاقل المسلحين في منطقة القلمون، بدءاً من قارة مروراً بالنبك ويبرود ورنكوس وانتهاءً بمعلولا والصرخة والجبة، لم تشهد المدن والبلدات القلمونية مواجهة فعلية بين الجيش والمسلحين، واقتصرت المواجهة على معارك في التلال الحاكمة التي ما إن سيطر عليها الجيش حتى انهارت مواقع المسلحين في المدن والبلدات وفروا هاربين إمّا إلى لبنان أو إلى الجرود الواقعة على الحدود المشتركة اللبنانية السورية.
لا شك في أنّ لهذا الانهيار السريع، بل المفاجئ وغير المتوقع، أسبابه، وستترتّب عليه تداعيات.
ثمّة أسباب عسكرية وأخرى سياسية تفسر هذا الانهيار، أولها الأسباب العسكرية وفي مقدمها:
أولاً، تغيير الجيش السوري تكتيكاته القتالية. سابقاً كان الجيش يلجأ عادة إلى مواجهة المسلحين في معاقلهم التي تحصنوا بها في المدن والبلدات، ورغم من أنه حقق نجاحات في العديد من المواجهات إذ حرر معلولا أكثر من مرة، إلاّ أن المسلحين سرعان ما عادوا وسيطروا على المناطق التي جرى حُرّرت، وجاؤوا من المناطق التي ظلت تحت سيطرتهم، خاصة التلال الحاكمة وبعض المدن والبلدات التي شكلت عمقاً لهم. هذه المرة التكتيك لم يكن هجوماً مباشراً بل غير مباشر، ووضع الجيش ترتيباً للعمليات وأولويات الاستهداف كان له دور كبير في تحقيق تحرير سريع للمدن والبلدات والحفاظ عليها من دون تدمير لبنيتها التحتية وللأبنية السكنية، وكان للسيطرة على التلال الحاكمة دور كبير في حسم المعركة سريعاً، فمواجهة جيش نظامي مع عصابات مسلحة خارج الأبنية يعطي الجيش أفضلية على المسلحين لاعتبارات كثيرة سيرد بعضها في السياق اللاحق.
ثانياً، قوة النيران وكثافتها، إضافة إلى الاستطلاع الجيد، إذ أدى تنسيق نيران الطيران الحربي والمروحي ونيران مدفعية الميدان والدبابات وراجمات الصواريخ إلى جعل قدرة المسلحين على الصمود في التلال الحاكمة أمراً غاية في الصعوبة، إلى حدّ الاستحالة.
ثالثاً، تفتّت الجماعات الإرهابية، وتزايد انقساماتها، وتعاظم الشكوك بين فصائلها، وتبادل الاتهامات التي عمقت الانقسامات عند خسارتها كل موقع.
رابعاً، اعتماد سياسة «قطع رأس الأفعى». ففي كل المواقع التي شكلت عقداً عمد الجيش بعد استطلاع جيد إلى القيام بعمليات نوعية استهدفت قادة المجموعات المسلحة ونجح في ذلك، وأثر هذا التطور في معنويات المسلحين، خاصة في ظل الحصار، إذ يصعب استبدال هذه القيادات وإعادة ترتيب الصفوف من جديد.
أما الأسباب السياسية ففي مقدمها:
التغيير الذي حصل في البيئة الشعبية الحاضنة، بعد انكشاف حقيقة هذه الجماعات وتكفير بعضها البعض الآخر، واعتداءاتها على حرية المواطنين، فأدت هذه الممارسات إلى حصول تعاون من قبل بعض الشبّان مع الجيش السوري، إضافة إلى إقدام كثر على إلقاء السلاح. ولعل حرارة الاستقبال الذي لقيه الجيش السوري في بلدة الجبة مثال ساطع على طبيعة ومستوى هذا التحول.
اقتناع مسلحين كثر، ولا سيما السوريين، بصعوبة الصمود في وجه زحف الجيش السوري في ضوء النجاحات التي حققها في جبهات عديدة، وفي ضوء التغيير الذي شهدته البيئة الإقليمية والدولية، تحديداً في الأشهر القليلة الفائتة.
تداعيات الانهيار السريع فمما لا شك فيه أن الانهيار السريع للجماعات الإرهابية ستكون لـه تداعيات كثيرة من أبرزها:
تأثر معنويات المسلحين سلباً بما جرى، وتأثر معنويات جنود الجيش السوري إيجاباً، وهذا سيكون لـه أثر كبير في المواجهات المقبلة بين الجيش والمسلحين في مناطق أخرى.
بعد حسم معركة القلمون، المنطقة التي شكلت معقلاً وممراً لوجستياً مهماً للمسلحين، سيكون لذلك تأثير كبير في معركة الغوطة الشرقية، ولو حسمها الجيش السوري فسيُحدث انعطافاً نوعياً في المواجهة الشاملة بينه وبين الجماعات المسلحة والدول الداعمة لها، وقد يتكرر سيناريو القلمون لناحية سرعة انهيار المسلحين في هذه المنطقة التي باتت في وضع يشبه الوضع الذي كانت عليه منطقة القلمون عشية سقوطها.
ج- حسم معركة القلمون سيحرر جزءاً كبيراً من قوة الجيش العربي السوري التي كانت تنتشر في المنطقة لاحتواء خطر ألوف المسلحين المنتشرين فيها، وقدرت بعض المصادر عددهم بنحو 15 ألف مسلح، وسوف تتجه قوة الجيش التي اكتسبت خبرة قتالية جيدة إلى جبهات أخرى والعمل على تحريرها.
د- ستتناقص قدرات المسلحين في العديد والعتاد في المناطق التي كانت تتغذى من الممر اللوجستي الذي مثلته منطقة القلمون، وهذا يساعد في إحكام الحصار على مناطق، وحرمان مناطق أخرى من عمق كان يشكل سنداً لها لمواصلة القتال ضد الجيش السوري.
في ضوء ما تقدم، يمكن الاستنتاج أن معركة القلمون والانتصارات التي تحققت فيها، وسرعة انهيار المجموعات المسلحة، تشكل تحوّلاً مهمّاً وكبيراً في سياق إلحاق الهزيمة بالتمرد المسلح في سورية.