ليبيا: معركة النفط
حميدي العبدالله
منذ بداية ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، كانت العين على ليبيا. أيّ أنّ همّ الكثير من الأطراف التي شاركت فعلياً في إسقاط نظام معمر القذافي، لم يكن تحرير ليبيا من «ديكتاتور» و«طاغية» كما درجت على ترديد ذلك وسائل إعلام مختلفة، بل الاستيلاء على ثروة ليبيا. وعلى الرغم من أنّ نظام القذافي تخلى عن «المشاغبة» على الحكومات الغربية، وأجرى مصالحة مع الولايات المتحدة في عام 2003، إلا أنّ الطموح بوضع اليد بشكل كامل على ثروة ليبيا النفطية، ظلّ هو المحرّك للمواقف والسياسات الغربية، ولا سيما مواقف الولايات المتحدة وفرنسا، الدولتان اللتان اضطلعتا بالدور الأساسي في إسقاط نظام القذافي.
لكن حسابات الحقل لم تتطابق مع حسابات البيدر بالنسبة إلى الحكومات الغربية، فالعجز عن إرسال قوات برية لإسقاط القذافي، والاكتفاء بوحدات خاصة صغيرة من الاستخبارات الغربية، والاعتماد على الحركات المتشدّدة في ليبيا، بما في ذلك تنظيمات القاعدة لإسقاط القذافي، قاد إلى نشوء وضع فوضوي في ليبيا، وخروج بعض الأطراف الفاعلة عن إطار الاستراتيجية الغربية المرسومة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. ولهذا قامت الحكومات الغربية بتجميع قواها ومحاولة الانفراد بالسيطرة على الحكم عبر إقصاء المجموعات المتشدّدة، سواء تنظيمات القاعدة أو جماعة «الإخوان المسلمين»، ولكن جميع جهود الحكومات الغربية وحلفائها الليبيين وفي المنطقة، فشلت في تحقيق أيّ تقدم ملموس، بل إنّ التنظيمات المتشدّدة وعلى رأسها تنظيمات «القاعدة»، وبينها تنظيم «داعش»، تسيطر على المدن الهامة في ليبيا. فالعاصمة طرابلس خاضعة بشكل كامل لسيطرة «فجر ليبيا» الذي يشكل ائتلافاً من التنظيمات المتشدّدة، وفشلت الهجمات المتكرّرة لاستعادة مدينة بنغازي رغم التهليل الإعلامي من قبل قناة «العربية» المؤيدة للتحالف المضادّ المدعوم من الحكومات الغربية، والمعترف به دولياً، على الرغم من عدم سيطرته سوى على مدينة صغيرة شرق ليبيا.
لكن تطوّر الأوضاع الميدانية لم تبقَ عند هذه الحدود، بل إنّ «فجر ليبيا» بدأت المعركة الحاسمة، وربما تشكل أمّ المعارك، وأساس تفجّر الصراعات في ليبيا، معركة السيطرة على ما يُعرف في ليبيا بالـ«هلال النفطي» الواقع شرق البلاد، وأدّى الهجوم إلى إغلاق ميناء السدرة مع تقدم الإسلاميين على ثلاثة محاور للسيطرة عليه، على الرغم من الضربات الجوية التي شنتها طائرت اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وأعلن الناطق باسم «المؤتمر الوطني العام» البرلمان المنتهية ولايته والذي يدعم تحركات «فجر ليبيا» عمر حميدان أنّ القوة الثالثة التابعة لـ«فجر ليبيا» كلّفت باستعادة السيطرة على النفط من أيدي قوات حرس المنشآت بقيادة إبراهيم حضران بعد فشل كلّ التفاهمات معه، بما في ذلك مبالغ مالية دفعت له لاسترضائه.
وهذا يعني أنّ معركة السيطرة على النفط قد بدأت الآن، والسؤال المطروح ما الذي سيفعله الغرب، لا سيما أنّ قوات «فجر ليبيا» مرشحة للسيطرة على المرافق النفطية قياساً للمعارك التي خاضتها في السابق، وقد لا تتوقف المعركة قبل تدمير المنشآت، فهل يرسل الغرب قوات برية إلى هناك لتعزيز القوات المناهضة لفجر ليبيا، أم يتركها تسيطر على النفط، وعندها ستتحوّل ليبيا بكاملها إلى قاعدة للتنظيمات المتشدّدة؟
لا شك أنّ السؤال يطرح تحدياً كبيراً أمام الحكومات الغربية، التي ترى أنّ جميع الخيارات صعبة.